وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: القطاع الخاص قادر على إدارة المنشآت الصحية بشكل اكثر كفاءة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    وزيرة التعاون الدولي تُشارك في فعاليات المؤتمر الإقليمي للطاقة من أجل المرأة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    الخميس آخر يوم فى الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تبشر المواطنين    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    على باب الوزير    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تكريم نيللي كريم ومدحت العدل وطه دسوقي من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا يقرأ العرب؟.. تتعدّد الأسباب و"الأزمة" واحدة!
نشر في المصريون يوم 02 - 04 - 2010

رغم انتشار "ظاهرة" إقامة معارض الكِتاب في مُعظم البلدان العربية، يُلاحظ الجميع انصراف الناس عن الحضور وعدم الإقبال على الشراء.. فما هو السبب؟ ورغم انتشار "المكتبات العامة" في العديد من الميادين والمدارس والجامعات العربية، فإن العين لا تخطئ عزوف الشباب الشديد عن القراءة والمطالعة.. فلماذا؟!
وإذا كانت هناك قلة من المثّقفين من الشباب العربي ما زالوا يقرؤون أو يُوفرون لاقتناء الكتاب.. فماذا يقرؤون؟! وإذا كان الخبراء يؤكِّدون أن معظم الصُّحف والمجلاّت في العالم العربي تُعاني من "حالة ركود ملحوظ" وعدم إقبال على الشراء.. فما هي الأسباب؟ وهل يمكن القول بأن الفضائيات العربية بما توفِّره من برامج حوارية ونشرات أخبارية وتقارير حيّة... قد فاقمت من أزمة المطالعة في العالم العربي؟!
أسئلة كثيرة وحائرة تبحث عن جواب شافٍ، فضَّلنا أن نطرحها على أصحاب المشكلة الحقيقيِّين، وهم الشباب.. في محاولة لرصد المشكلة والوقوف على الأسباب الحقيقية والبحث عن حلول ناجِعة لهذه الإشكالية المُزعجة... "swissinfo.ch" استطلعت آراء عدد من الشباب المثقفين العرب من المهتمِّين بهذا الملف الشائك، وهم: مريم التيجي، الكاتبة والباحثة المغربية ومازن غازي، الصحفي والإعلامي العراقي ومكرم ربيع، الباحث اللغوي بالمركز العالمي للوسطية بالكويت وسمية رمضان، الأديبة والكاتبة المصرية وإسلام رمضان، مدير دار "ريتاغ" للتوزيع والنشر... فكان هذا التحقيق.
القراءة.. ضرورة أم رفاهية؟!
في البداية، ترفُض سُمية رمضان التّسليم بمقولة "أن هناك عُزوف عن حضور معارض الكِتاب في مُعظم البلدان العربية"، وتقول: "بالنسبة لمعارض الكتاب، فليس هناك عزوف أو انصِراف عن الحضور من قِبل الجمهور العربي، وأكبر دليل على ذلك: الإقبال الهائل على معرض القاهرة الدولي للكِتاب بمصر عام 2010، باعتباره أكبَر معرض دولي للكِتاب على مستوى العالم العربي"، وتستدرِك قائلة: "لكن التقارير تقول بأن الإقبال على الشِّراء في المعرض هذا العام، لم يكن بمستوى الأعوام السابقة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لماذا لا يُقبل زوّار المعرض على شراء الكتب؟!".
وتضيف سمية في تصريح خاص ل swissinfo.ch: "ربّما كان للأمر بُعد اقتصادي، وبخاصة في ظِل الظروف الاقتصادية العالمية بشكل عام أو العربية بشكل خاص، وربما كان ترتيب الأولويات. فبعضهم لا يعتبِر القراءة ضرورة، بل يعتبرها نوْعا من الكماليات أو الرفاهية. فهناك أشياء أولى كاللِّباس والأكل والتعليم والسيارة، وهكذا تتراجع أهمية شراء الكتاب".
وتشير سمية إلى أن "هناك تجربة رائدة في مصر لا يجب أن نتغافل عنها، وهي مكتبة الأسْرة، وتبني مهرجانات وحملات التوعية والتشجع على القراءة، مثل مهرجان القراءة للجميع، تحت إشراف السيدة سوزان مبارك (حرم رئيس الجمهورية)، والتي جعلت الكتاب في مُتناول الجميع، وهذا ربما كان مشجِّعا للكثيرين على شراء الكِتاب بأسعار زهيدة، وهذا ما نلاحظه كل عام خلال المعرض"، معتبرة أنه "من الظواهر الجديرة بالذكر، لجوء بعض القرّاء والمثقفين في مصر إلى شراء الكتب القديمة، مثلما هو الحال في سُور الأزبكية، أكبر سوق للكُتب القديمة بمصر، نظرا لرخص ثمنها، وهو ما يؤكِّد أن للبُعد الاقتصادي دورا هاما".
ورغم اتفاقه مع سُمية رمضان في أهمية البُعد الاقتصادي وتأكيده على أن "ظروف الناس الاقتصادية الصّعبة في بعض البلدان، من أهمِّ أسباب عُزوفهم عن شِراء الكُتب من المعارض"، إلا أن مكرم ربيع الذي يعيش في الكويت، ذات متوسّطات الدخل المرتفِعة، يُلفت الإنتِباه إلى حقيقة مُرّة، ألا وهي أنه "في بعض البلدان العربية، ذات الاقتصاد العالي (بلدان الخليج العربي)، لا تمثِّل معارِض الكُتب أو الشراء أهمية في حياتهم، وإن ذهبوا، كان ذلك للتنزّه وشغل أوقات الفراغ"، على حد قوله.
اختفاء الحُلم.. وضُعف البرامج!!
وفي نقلة نوعِية كبيرة، يرى إسلام رمضان أن انصِراف الشباب عن حضور المعارض وشِراء الكتب "هو جزء من أزمة كبيرة تُعاني منها الأمة العربية في السنوات الأخيرة، وهي أزمة خاصة بالشباب العربي عمومًا، وبشباب (ما يُسمّى ب) الصّحوة الإسلامية على وجه الخصوص، وهم في رأيي الجمهور الأكبر من القرّاء"، معتبرا أنها "أزمة وعْي وهُوية في المقام الأول، حيث يُعاني الشباب من الإغتِراب داخل أوطانهم، كما يُعاني من الإحْباط وعدم وجود حُلم كبير يسعى إلى تحقيقه أو فكرة كبيرة يعيش لها، وهو ما كان يدفعهم من قبل للقراءة والاطلاع".
ويضيف إسلام في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: أن "هناك عامِل آخر هامّ لا يجب أن نغفله، ألا وهو ضُعف البرامج الثقافية التي كانت تُصاحب المعارض من قَبل. ففي الزّمن الجميل، الذي شهد حضورا وشراءً كثيفا من معرض القاهرة، كان البرنامج الثقافي المُعدّ على هامش المعرض، يضمّ باقة من ألمَع المفكِّرين المصريِّين أما اليوم، فلا يُسمح لأمثال هؤلاء الأفذاذ بإلقاء محاضرات بالمعرض، فيما يُفسح المجال لفنانين وكتّاب لا يعرف الجمهور مجرّد أسمائهم..".
وإن اتّفق إسلام مع مكرم وسُمية في أهمية العامِل الاقتصادي وتأكيده على أن "الظروف الاقتصادية، وخاصة في الدول العربية النامية، والتي يُعاني أغلب سكّانها اقتصاديا (مثل مصر)، تُعتبر عامِلا هامّا في صرْف الناس عن القِراءة وحضور معارض الكِتاب، حتى وإن شعر بأهمية ذلك، فهناك قائمة الأولويات التي تشمل: الدروس الخصوصية للأولاد والطعام والشراب والدواء والكساء و...."، غير أنه يُلفت الانتِباه إلى "بُعد أخير، ألا وهو الإرتفاع الملحوظ في أسعار الكُتب، وخاصة تلك التي يكتبها كِبار المؤلِّفين من المفكِّرين والخبراء والأدَباء".
ويلتقط مازن غازي طرف الخيط متسائلا: "عندما يصبح هذا الفرد المنصرف عن حضور المعارض الثقافية وغير المقبل على شراء الكتب، أبا لأسرة، فكيف وبهذه الجفْوة مع الكِتاب أن يستطيع تنمِية علاقة بين أفراد أسرته والكِتاب؟ وكيف يُمكن أن يعلِّم أبناءه أصُول القراءة ويربطهم بهذا الكِتاب، وهو لا يملك تلك الحميمية وحبّ القراءة؟!"، معتبرا أنه "وباختِصار، عندما نُعوّد الطفل على القراءة والمطالعة ويمتلك هذه الصِّفة والقابِلية، وتُصبح عنده مع الكِبر سجِيّة، حينها سنعود إلى مجتمع قارئ للكِتاب، كما علّمنا أبناءنا – اليوم - الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز، فورث منّا تعلّقه بهذه الشاشة!".
بين مهرجانات الغِناء ومعارض الكِتاب!!
وتلخِّص مريم التيجي، الإشكالية بعبارة واحدة، منطوقها أن "السياسات الرسمية لا تشجِّع المواطن المغربي على التّصالح مع الكِتاب"، وتدلِّل على صحة نظريتها بقوْلها: "نأخذ مثلا معرض الكِتاب السنوي، الذي ينظّم بمدينة الدار البيضاء. بداية، هو معرض وطني يتيم ليس له مثيل في بقية مُدن المملكة، على شساعة الرّقعة الجغرافية للبلاد، ثم إن الحملات الإعلانية التي تواكِب المهرجانات الغنائية التي تكاثَرت كالفِطر، لا يحظى بجزء منها معرض الكتاب الدولي".
وفي تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، تشير مريم إلى أن "الدولة المغربية التي تستقدِم مغنِّيين من كل أنحاء العالم وتعطيهم ملايين الدولارات وتقدِّمهم للجمهور مجانا في بعض المهرجانات، حيث تتحوّل ساحات المُدن إلى موالِد حقيقية، حين يأتي موعد المعرض الدولي للكِتاب، يختفي هذا الكرَم ويلزم كلّ من يريد اجتياز عَتبات أبواب المعرض بأداء مبلغ من المال، حتى لو كان طالبا أو تلميذا أو مجرّد طفل(!)، ممّا يطرح علامة استِفهام كبيرة على هذه المفارقة، هذا دون أن نتحدّث عن أسعار الكُتب التي لا تزال أعلى بكثير من القُدرة الشرائية للمواطن المغربي".
بينما ترجع سُميّة أسباب عُزوف غالب الناس عن القراءة والإطِّلاع - وبخاصة عند الشباب - رغم انتِشار المكتبات العامة في الميادين والمدارس والجامعات "لعدة أسباب، منها: ما هو تربَوي وما هو اجتماعي ومنها ما يتعلّق بطريقة التعليم. فالمشكلة تكمُن في أسلوب التربية. فالأباء منشغِلون بالجَرْي وراء لُقمة العيش لتوفير حياة كريمة لأبنائهم، وليس عندهم وقت لغَرس القِيم التربوية بشكل عام، وحبّ القراءة بشكل خاص، كما أن المثقّف لا يحظى الآن بالمكانة الاجتماعية اللاّئقة، بل إنها تراجعت لصالِح ذوي المال والجاه، فانصَرف الشباب عن القِراءة والإطِّلاع".
أما البُعد الثالث في هذه القضية – والكلام لسُميّة دائما - فهو أسلوب التعليم والدِّراسة المعمول به في المدارس والجامعات وكافة المؤسسات التعليمة في العالم العربي، حيث يعتمِد بشكل أساسي على الحِفظ والتلقين، استعدادا لأداء الامتِحانات، بغضّ النظر عن مستوى الفهْم والاستيعاب، ومن ثَمّ، فإن ينسى كل ما حفظه بعد الامتحان، فهو يُذاكر ويحفظ من أجل يوم الامتحان فقط ولكي يحصُل على أعلى الدرجات ويلتحق بكليات القمة"، معتبِرة أن الحلّ يكمُن في "ضرورة إشراك الطالب في العملية التعليمية وأن يتعوّد على منهج البحث العِلمي وبذل جُهد في البحث عن المعلومات، فضلا عن تدريبه منذ نُعومة أظافره على القراءة والإطلاع، حتى تصبح عادة لديه".
عزوف قرّاء أم ندرة مكتَبات؟!
وفيما يرجع مكرم في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch، انصراف الشباب في المدارس والجامعات عن دخول المكتبات إلى "عدم جدوى القراءة من وِجهة نظرهم وانشغالهم بالبحث عن فرصة عمل لتحسين أوضاعهم المعيشية"، توضح مريم التيجي أن "المكتبات العمومية المتبقِّية في المغرب، باتت خاوية على عُروشها، بعد أن كُنا - ذات زمن – نستبِق افتتاحها بساعات لكي نظفُر بمقعد شاغر وبكِتاب مفضّل"، معتبِرة أن "هذا الوضع لا يتحمّل فيه الشباب العربي أو القارئ المغربي المُفترض، وحده المسؤولية، وإنما تتضافر عدّة عوامل لكي ترسم واقعا مُريعا للقراءة، وتتحمّل السياسات الرسمية مسؤولية كبيرة عن هذا الواقع".
"مفارقة أخرى – بحسب مريم - تجعلنا لا نطرح السؤال عن سبب عزوف المواطن المغربي عن ارتياد المكتبات، لكن عن سبب غياب هذه المكتبات في بعض الأحيان. فمند سنوات طويلة توقّف بناء المكتبات العامة، باستثناء مشروع بناء المكتبة الوطنية بمدينة الرباط، فقد أصبحت المكتبات البلدية في خَبر كان، وقد يقطع الباحث عن أثَر للكِتاب مئات الكيلومترات في بعض المناطق، قبل أن يصل إلى أول مكتبة عامة"، مضيفة أن "المكتبات القديمة التي تطل من رحِم التاريخ، لا تحظى بأي اهتمام رسمي في الغالب ولا تقتح أبوابها طيلة اليوم للرّاغبين في ارتيادها، بل تغلق أبوابها بمجرّد انتهاء الدّوام، وربما قبله بقليل، مما يجعلنا نتساءل عن دوْرها، خصوصًا وأنه من المُفترض أن يفكِّر القارئ في ارتياد المكتبات بعد انتهاء دوامه هو، والطالب يُفترض أن يجد مكتبة تحتضِنه بعد أن يُغادر قاعة الدّرس".
وترى مريم أن "النظام التعليمي الذي تزايدت عِلَله وتراجع عطاؤه، ساهم بشكل كبير في انصِراف الناس عن القراءة وتخلّى رجال التعليم عن رسالتهم، بل إن المُثير للقلق في الواقع المغربي، أن هذه النُّخبة التي يُعوَّل عليها في عقد مصالحة بين الناس والكِتاب، عزفت بدورها عن القراءة وانصرف المعلِّمون إلى مشاريع مدرة للدّخل تدعم أجورهم، وتوقّف أغلب الأساتذة الجامعيين عن التأليف والبحث العِلمي.. إلخ"، مشيرة إلى أن هذا "ممّا يجعلنا نشكّ إن كانت نهاية النّفق وشيكة، خصوصا أن فراغ الشباب امتلأ بالمخدِّرات والمغامرات في بعض الحالات، مما يُلقي بمزيد من ظِلال القلق على المستقبل".
متفقًا مع مريم (من المغرب)، يرى مازن (من العراق) أن: "أسرع زيارة إلى المكتبات العامة في العراق، سترى مدى الإهمال والتخلّف والتردّي الإداري لهذه المؤسسة التي تنفر ولا تجذب بموجوداتها وأثاثها المُتهالك، الذي أكل عليه الدّهر وشرِب ولا يرقى الى عشر مِعشار المكتبات الأوروبية والأمريكية، التي نريد أن نجعل منها وسطا للمُقارنة مع مكتباتِنا البائسة".
الكِتاب الدِّيني.. وتنمية الذّات!!
وبينما ترى سُمية (من مصر) في حديثها عن نوعية الكُتب التي يقبَل على قراءتها المثقّفون العرب، أنها: "تتبايَن وِفقًا لتبايُن الشخصية واختلاف المُيول والقُدرات ومستوى التعليم والتخصّص، فلم يعُد لدينا الآن الشخصية الموسوعية التي تقرأ في جميع المجالات والتخصّصات".
ويعتبر مازن في تصريحات خاصة ل swissinfo.ch: أنه "يبقى للكِتاب الدِّيني حصّة الأسَد في عالم القراءة لدى الشباب العربي"، مرجعًا ذلك إلى "خصوصيته وعلاقته الروحية العقائدية، إضافة إلى حبّ المعرفة العفوي، الذي يملكه القارئ والذي يرفع - لدى العرب – مِقياس القراءة لديهم في حال وضعهم في ميزان التنافس مع الأمم الأخرى"، يتفق مكرم (المقيم بالكويت) مع مازن في "وجود شريحة لا بأس بها تهتم بالكُتب الدِّينية العامة، إضافة إلى "كُتب القِصص ومجلات الفن والرياضة ومتابعة الأمور السياسية".
ويضع إسلام (ريتاغ للنشر والتوزيع) نقطة نِظام بقوله: "للأسف، لا نستيطع أن نصِف كل قارِئ بأنه مثقّف، فهناك بعض الشباب يقرؤون، ليس حبًا في القراءة ولا رغْبة في المعرفة، ولكن إتباعا للموضة وتأثرا بالميديا"، ويضرب مثالا ب "الكُتب التي تحمِل اسم الدكتور إبراهيم الفقي في مجال التنمية البشرية. فرغم أنها مِن أضعف الكُتب بناءً في هذا الفرع، إلا أنها الأكثر مبيعًا"، على حد زعمه.
ويُشير إسلام إلى ظاهرة غريبة، وهي أنه "كلّما لمَع نجم شخص ما، إعلاميا، تتسارع دُور النشر لدفعه ليكتُب لها، وحتى وإن لم يمتلِك مهارة التأليف، حيث تتطوّع بعض الدّور بجمع المادة من على الإنترنت أو تقوم بتفريغ محاضراته التي يُلقيها في النّدوات والمؤتمرات والدّورات التدريبية، ثم تكلِّف أحد موظّفيها من الباحثين بتأليفها وتضع اسم هذا النّجم الإعلامي عليها وتطرحها في الأسواق.."، معتبرا أنه "ما زال هناك القليل من الشباب الواعي الذي يبحث عن المعرفة، فيقرؤون في كُتب تطوير وتنمية الذّات، والتي تحتلّ موقع الصّدارة بين الكُتب الأكثر إقبالا من الشباب، وخاصة المترجَمة منها".
تراجُع الصّحف لصالح الإنترنت!
ثمة حقيقة لا ينكُرها عاقِل، ألا وهي أن "معظم الصحف تُعاني من ركودٍ ملحوظ في الشِّراء، وبخاصة في الوطن العربي، وذلك بسبب الثورة المعلوماتية في الشبكة العنكبوتية"، هذا ما تؤكِّده سُمية رمضان، مضيفة أنه "لم تعُد الصحيفة هي المصدر الأوحد للخبر، بل أصبح الإنترنت وسيلة أسرَع، فضلا عن أنه يُتيح مجالا أوسع للبحث ومعرفة ما يحدُث في العالم كله لحظة بلحظة، وهو ما جعل مُعظم الشباب من المثقفين العرب يعزُفون عن شِراء الصحف والمجلات... فهناك بديل لا يمثل تكلفة مادية كبيرة، إضافة لكونه أسرع وأفضل، وهو الإنترنت".
وفيما يتّفق مكرم مع سُمية في إرجاع حالة الرّكود التي تُعاني منها الصحافة العربية المطبوعة إلى "ارتفاع أسعارها، فضلا عن انتشار الإنترنت بشكل كبير وبأسعار منخفضة في ظل حالة التنافس بين الشركات التي تقدِّم هذه الخدمة". يشاطِرهما إسلام الرأي موضحًا أن "الصحافة تأتينا بالأخبار التي نكون قد تابعناها في الفضائيات على الهواء مباشرة وسمعنا العديد من التحليلات والآراء حولها، فلماذا نشتري الجريدة؟ خاصة وأنها بعد عدّة ساعات ستكون موجودة كاملة على موقع الجريدة على الإنترنت؟!! وهو ما يمكنني من قراءة مقالات كبار ومشاهير الكتّاب بالمجّان!!".
وتأخذنا مريم (المغرب) في نُزهة تاريخية، فتذكر أن: "جيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كان يُسافر من أجْل اقتِناء كِتاب في بعض الأحيان، وقد يخاطِر بسلامته في مغرب سنوات الجمْر، لكنه ظل يقرأ ويحفظ أبياتا من الشعر ويتلهّف لصدور صحيفة"، وتستدرك قائلة: "إلا أن الحال تغيّر كثيرا اليوم.. ففي واقع كهذا، يتحوّل مغنِّي شعبي إلى مليونير في سنوات قليلة، بينما الصحفي أو الكاتب عليه أن يجد مصدرا لرزقه، قبل أن يفكِّر في الكتابة لقارِئ نادِر الوجود، وبلغة الأرقام، لا تبيع أول صحيفة مغربية وأكثر الصحف انتشارا، إلا مائة وعشرون ألف نسخة في بلد تجاوز عدد سكّانه الثلاثين مليون نسمة!!".
أما مازن (العراق) فيوقفنا قائلا: "لا يخفى على الرّاصد لهذه الظاهرة في عالمنا العربي عموما، وفي العراق خصوصا، ولِما مرّ به من ظروف وتوجّهات منذ ستينيات القرن الماضي، حيث لم يكُن المجتمع العراقي يُعاني من هذه الظاهرة بين أوساط المتعلِّمين، حتى بدأت تنمُو وتزداد كلّما نضج جيل، وذلك نتيجة لنمط التربية المدرسية التي تجعل الهوّة بين تلاميذ الابتدائية، ومن ثم المتوسطة فالاعدادية، هوّة كبيرة لا تملك علاقة حميمية ولا علاقة تحبيب للكِتاب"، معتبرا أنه "إذا وصل الطّالب إلى المرحلة الجامعية، يجد أن التعامل مع المصادر الخارجية أمر ثقيل على نفسه، وبالتالي، تنمو هذه الظاهرة بين المُجتمع من خلال الإهمال التربوي".
الفضائيات.. ليست وراء تراجُع الكتاب!
وبينما يعترف مكرم بأن الفضائيات بما توفِّره من برامج حوارية ونشرات إخبارية فورية وتقارير حيّة، قد فاقمت من أزمة المُطالعة في العالم العربي، ويراها إسلام "نتيجة منطِقية إلى حدٍّ ما، فيما يتعلّق بالجرائد والمجلات"، غير أنه بالنسبة لهجْر (شراء وقراءة) الكُتب، يرى أن "الأزمة ليست في انتِشار الفضائيات وتعدّد الأقمار الاصطناعية، بل في رغْبة الناس في المعرفة أو عدم قُدرتهم على شراء الكِتاب، الذي صار باهظ الثمن!".
توافق سُمية كلاّ من مكرم وإسلام القول، بأن انتشار الفضائيات أثّر بالسّلب على انتشار الصحافة الورقية، وتضيف: "ربّما كانت الفضائيات بما تُمثله من عوامِل جذْب، كالصورة والحركة والحوار التفاعلي ومشاركة الجمهور نفسه في صُنع الإعلام من خلال الاتصالات أو الرسائل القصيرة، فضلا عن وجود بعض القنوات المتخصِّصة التي تُعايِش الخبر لحظة بلحظة، من أسباب عُزوف البعض عن مطالعة الصحف، ولكن بنسبة ضئيلة"، معتبرة أنه "بالنسبة للمثقّفين، فسيظلّ للكِتاب المطبوع والرغبة في اقتنائه، سحره وجاذبيته".
ومن جهته، يعتبر مازن أن "الكِتاب المطبوع يتعرّض لمنافَسة كبيرة من التلفاز بمحطّاته الفضائية والبرامج العِلمية التي يبثّها، ناهيك عن الشبكة العنكبوتية وعالم الأقراص المُدمجة، والتي أضْحت اليوم من الوسائل التربوية المفيدة، من الناحية الحضارية، في الحصول على الثقافة والمعلومة بطريقة أجمل وأسلَس وأكثر قبولا لدى الأفراد بأذواقهم وقابلياتهم المتعدِّدة، للاستيعاب، من الكِتاب الذي يرى الكثيرون أنه قد أصبح وسيلة قديمة لا تُناسب العصر وتحتاج إلى إعادة نظر من النّاشرين المؤلِّفين والتربَويين".
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.