كان انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسًا لمصر من الأحداث الفارقة في تاريخ الأمة، فلم تر الأمة المصرية ائتلافًا مثلما رأت في اتحاد القوى الإسلامية على قلب رجل واحد حتى تحقق هذا الحدث الكبير بفضل من الله ثم بتوحد تلك الجهود في إنجاز هذا الأمر الجلل. أتيحت للإخوان المسلمين الفرصة الذهبية وأصبح أمامهم طريقان لا ثالث لهما إلا أنهم أبوا إلا طريقًا ثالثًا قد يورد الأمة موارد التهلكة، فقد تيسر لهم التكتل مع القوى الإسلامية والوطنية المحبة والتي كانت مهيئة لقيادة الإخوان تحت ميثاق شرف وتحالفات وعهود كان بمقدور الإخوان أن ينجزوها بأقل قدر من التضحيات يرضى هذه القوى المستعدة لقبول هذا التحالف، ولو تكونت تلك الجبهة لأصبحت غصة في حلوق العلمانيين والليبراليين ومريدي تغريب الأمة وطمس هويتها. وكان الطريق الثاني هو استيعاب الجميع في بوتقة وطنية يكون فيها الإخوان شركاء وطن، ويسترضون جميع الأطراف على الساحة الوطنية من كل الاتجاهات، ولا مانع في مثل تلك اللحظات الحرجة في تاريخ بناء الأمم من المحاصصة - على خطورتها - ولكنها قد تكون خطوة مرحلية كفيلة بإنهاء كثير من التوترات التي حدثت بعد ذلك، مع علمنا يقينا أن كل التيارات على الساحة الإسلامية منها وغيرها تملك كفاءات مهنية كان – ومازال - بالإمكان أن تتكامل في منظومة مهنية تكنوقراطية رائعة قادرة على إنقاذ مصر من كبوتها ومن تداعيات تلك الفترة الانتقالية الحرجة. لاشك أن الطريق الثاني أولى من الأول لأن من شأنه أن يزيل حالة الاحتقان وتصنيف الناس على أساس عقدي، الذي من شأنه أن يزيد من حالة الاستقطاب الحادثة في البلاد، وقد كنت كتبت مقالة بهذا الشأن بعنوان "خطورة تصنيف الناس" على الأمة المصرية. حاولت بعض الأحزاب الإسلامية أن تردم تلك الهوة القائمة على أساس هذا التصنيف الخطير كحزب البناء والتنمية والوسط وكان قصب السبق في ذلك لحزب النور الذي تعرض لحملة شعواء من التشويه وتلويث السمعة واتهام النوايا وغير ذلك من التهم المعلبة الجاهزة لكل مخالف لرأي الإخوان من الكتائب الإلكترونية وغيرها، غير أنه مضى في طريقه غير عابئ بتلك المهاترات التي لا تزيد الوطن إلا انقسامًا وفرقة، ومازال يحاول إلا أن مشكلة حزب النور الأساسية أنه تجرأ بمبادرته ورؤيته للحل دون أن يكون ذلك ممهورًا بخاتم الوصي الشرعي على العمل الإسلامي والوطني في مصر ولذا كان حريًا بأن يطعن في نواياه ووطنيته وإخلاصه وأن يتهم بالعمالة والتحالف مع مريدي خراب مصر بل وبمعاداة للمشروع الإسلامي برمته، وأعجب من ذلك أنه لما بدأ بعض أتباعه يردون على تلك الافتراءات اتهم بأنه يشق الصف الإسلامي ويفرق كلمتهم ويشتت جهودهم!!. اختار الإخوان طريقًا ثالثًا فلا هم رضوا بالتحالف مع الإسلاميين لتكوين جبهة واحدة ولا هم استوعبوا الجميع، وأبوا إلا أن يتعاملوا مع الكل بمنطق الغلبة والاستعلاء والاستحواذ ومَن أراد التعاون فليكن لنا كما نريد ملتزمًا بما نمليه عليه يسمع الكلام وينفذ التعليمات، وتلك حالة صعبة قد يتقبلها المرء من أبيه وأمه أو زوجة لزوجها لحقوقهم المنصوص عليها في الكتاب والسنة، أو يقبلها المسلم الملتزم من خليفة المسلمين الأعظم على شروط موضحة في الكتاب والسنة، أما أن يكون الدكتور مرسي قد انتخب على أساس معين بصلاحيات معينة على شروط واضحة في الدستور والقانون فهذا أقرب أن يكون خاضعًا لقاعدة "المسلمون على شروطهم" وفي تلك الحالة لا يمكن بحال أن يُخلع عليه تلك الصلاحيات التي منحها الشرع لخليفة المسلمين العام، وحتى تتحقق تلك الخلافة الراشدة التي هي آتية في يوم لا ريب فيه لصدق موعود الله ورسوله كما صرحت بذلك الأحاديث النبوية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه سلم، فيبقى الدكتور مرسي رئيسًا شرعيًا منتخبًا بصلاحيات محددة في الدستور والقانون، وتبقى جماعته فئة أصيلة من شعب مصر لا مزية لها على غيرها إلا بما تسمح به قواعد اللعبة السياسية التي ارتضاها الجميع حكمًا بينهم.