لماذا صَدَّر الرئيس الدكتور محمد مرسى خبر تعيين وزراء جدد بعبارة عدم التسرع بالحكم عليهم؟ هذا السؤال يعد منطقياً جداً بعد فورة الغضب وانعدام كافة مناقب فضيلة الصبر لدى المصريين، بدءاً من خروجهم الشرعى الشعبى ظهر الخامس والعشرين من يناير، انتهاء بعدم احتمال مشاهدة محاكمة القرن فى نسختها الثانية، حينما أطل عليهم الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وهو مبتسمًا خلف قضبانه، هذا التخلى اللانهائى عن فضيلة الصبر وتطليق حكمة الانتظار طلقة بائنة، هو الذى دفع الرئيس محمد مرسى إلى إطلاق نصيحته أو توجيهاته بضرورة الصبر على أداء هؤلاء الوزراء الجدد. ولقد جاء التعديل الوزارى أو المسمى البديل التطوير الوزارى، فى الوقت الذى تتزاحم فيه التغريدات والتعليقات الإلكترونية على شبكات التواصل الاجتماعى بدعوات تبدأ من تغيير الحكومة بأكملها بمن فيها شخص رئيس الوزراء انتهاء بإسقاط النظام الحاكم نفسه، وأيضاً يجىء التغيير الوزارى فى مناخ سياسى يقيم حكومات افتراضية ويشكل وزارات جديدة موازية لوزارات حكومة هشام قنديل، وهذا يعكس أموراً ذات قيمة منها انفصال النظام الحاكم عن الرؤى السياسية غير الرسمية، والتى بالفعل بدأت فى طريقها لفقد شعبيتها وبريقها الإعلامى المكرور والممل، وكذلك رغبة النظام الحاكم فى إحداث تغيير وتطوير فى أداء الحكومة، لاسيما فى حالة الجمود السياسى الراهن والذى انعكس بدوره على المواطن العادي. إن التعديل الوزارى بأية حكومة كانت لابد وأن تعى وتفطن جيداً لطبيعة المرحلة لا التوصيف الخاص بالنظام الرئاسى، أى أنه ينبغى على الوزراء الجدد الذين بالضرورة لا ولن يهتم بهم الشارع المصرى الاعتيادى، لأنه مشغول بحياته وازدحاماته ومشكلاته المتواترة أن يكونوا على قدر مطامح ومشكلات وهموم هؤلاء المواطنين، وليسوا مجرد أدوات للنظام تعكس توجهاته نحو تكريس السلطة والتحكم فى السيطرة على مناحى الحياة، لذا فهؤلاء الوزراء الجدد من مهامهم الأولى التصفح السريع لما تتناقله شبكات التواصل الاجتماعى مثل "فيس بوك وتويتر" عن أزمات مصر الحقيقية وعن الشخوص والمواصفات التى افترضها الشعب المصرى فى وزرائه، لأن هذا يجعل أداءهم أكثر يسر وسهولة. وخلال التصدى بالتحليل والتفسير لبعض تصريحات الوزراء الجدد، ندرك على الفور أهمية تخلى هؤلاء عن افتراض أن مصر فى حالة طوارئ دائمة لا بالمعنى الأمنى الذى يفرض لزاماً حظر التجوال، بل إن تلك التصريحات التى طارت من بعض أفواههم تشير إلى أن الحكومة فى حالة صراع مرتقب مع الشارع المصرى، والحقيقة أن الشارع نفسه بتياراته وفصائله وائتلافاته هى التى ستأخذ بأيدى الحكومة الجديدة، وهى التى ستمنحها القدرة على الوقوف فى مناطق الضوء بدلاً من الانحسار تدريجياً فى مساحات الظل السياسى، لذلك على الحكومة القديمة فى ثوبها الجديد نسبياً أن تدعى الأخذ بأسباب المعرفة وهى تدشن سياساتها المستقبلية، لأن ما يعيب الحكومة الحالية أنها تتعامل مع الوطن بنفس منطق وأداء المواطن مع وطنه أى أنهما يشتركان فى سمة رد الفعل، وهذا ما ينبغى أن تتخلى عنه الحكومة لتصبح فعلاً إيجابياً. إن مصر لن تتحرر من قيود أزمتها المعاصرة سوى بالمعرفة وهذا يتطلب بالضرورة الدراية التامة والكاملة بأحوال الوطن والمواطن، وكذلك جملة التفاصيل التى تشكل الحوار الأهم بين مرتادى شبكات التواصل الاجتماعى، لاسيما أن لها دوراً مشهوداً فى صناعة حدث الثورة، وإذا كانت تغريدات النشطاء السياسيين قد فشلت فى الإتيان بحكومة توافقية لا يشوبها لغط الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فإن دور هؤلاء النشطاء بات أكثر حضوراً فى توجيه أداء الحكومة الجديدة التى تظن كسابق حكومات مصر أن وجودها إما مرهونا بوجود الرئيس أو البرلمان أو تقعيد وتفصيل القوانين وتقديمها للسلطات التشريعية للموافقة عليها أو إصدار قرارات إدارية تحدد علاقة المواطن بالوطن. الأمر تجاوز كل هذا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والوزير الذى يقتنع اقتناعاً تاماً بأن بقاءه الوزارى يستمد قوته ومكانته من بقاء الرئيس أو النظام الحاكم هو اقتناع خطأ، لذلك فمن الأحرى على أى وزير جديد بجانب القدامى أن يعملوا لمستقبل الوطن وليس لحاضره فقط، وأن الاستثمار والتخطيط والتعاون الدولى وتشجيع الموارد من المصطلحات المجردة التى تشبه أبحاثنا الجامعية الباهتة وهى بالقطع لا تجذب المواطن للتعاطف معها أو مع أصحابها، لأن المواطن باختصار شديد لا يزال يسعى إلى تحقيق ما استمع إليه من شعارات حصرية خاصة بالثورة مثل الحياة الكريمة وتوزيع الثروة وتقاسم السلطة وتداولها حتى على مستوى أصغر وحدة محلية فى قرية مصرية منسية. ثمة أمر آخر ينبغى على حكومة طوارئ مصر أن تعيه جيداً، وهو أن الوزير هنا ينبغى أن يتحلى هو نفسه بالصبر، وأن ينزع قناعه الشخصى وهو يتقلد مهام منصبه، لأن أسوأ ما حدث بتاريخ الحكومات المصرية أن الوزير كان دائم الخلط بين شخصه وصفته، مما جعله أكثر اضطراباً وتمييزاً وتحيزاً لمن يصفق له ويهرول بالتشجيع نحو قراراته وتصريحاته، ومستبعداً لمن يقف على الشاطئ الآخر لقراراته بالرفض والتنديد والاعتراض.