أصيبت وزارة الداخلية بعد ثورة 25 يناير بزلزال نتجت عنه حالة انفلات أمني، وتكثف أجهزة الأمن حاليًا جهودها لرأب صدع الجسد الأمني خاصة بعد أن زادت نسبة الجرائم بعد الثورة إلى 200%، وأخطرها جرائم الاتجار بالمخدرات.. من خلال هذه السطور نرصد عمق تفشي هذا المرض، ونقتحم أوكار بيع المخدرات في عقر المحافظات المصرية.. في مصر القديمة طوابير المخدرات أطول من طوابير العيش بانتهاء تجارة المخدرات من الباطنية تمامًا، وشوارع الدرب الأحمر، تستطيع الآن التجول فيها بحرية نسبية بعد أن اختفى "النادورجية"، ممن كانوا ينتشرون في العديد من الأزقة والحواري، يقفون على ناصيتها.. تراهم ضخام الجثة قسمات وجوههم لا تخلو من إصابة عميقة، يعترضون طريقك لمعرفة من أنت، وسبب دخولك لهذا الزقاق أو تلك الحارة! يباع الحشيش هناك على هيئة دبابيس وقروش وأوقيات لمن يريد أن يشترى جملة، والأوقية تبلغ "8 قروش" بوحدة قياس عالم المخدرات! والحال لا يختلف كثيرا في الجيارة التي تقع في حي مصر القديمة، ولكن لم تعد قلعة محصنة ومغلقة من جميع الجهات، فتتركز عمليات البيع والشراء بمناطق معينة، هي منطقة العلواية وشارع أبو سيفين وتحت كوبري السكر والليمون وشارع حسن الأنور. وفي الجيارة تجد "قروش الحشيش" و"باكتات البانجو" جنبًا إلى جنب وإن كان الإقبال الآن على الحشيش نظرًا لارتفاع سعر البانجو ورداءة جودته، ومع ذلك له زبونه، وعلى مقربة من الجيارة في منطقة زينهم، وبالتحديد في منطقة المقابر أمام ساحة مسجد علي زين العابدين تقبع بورصة البرشام، حيث يجتمع الباعة والمدمنون وسط زائري المقابر والمتسولين ومجاذيب الصوفية لتبادل عمليات البيع والشراء لأقراص الأدوية المدرجة في جدول المخدرات مثل "أبو صليبة والترامادول والترامال" وغيرها وتكون عمليات البيع مساء الثلاثاء من كل أسبوع، حيث تقام حضرة صوفية يختلط فيها الحابل بالنابل ويتم خلالها التسليم والاستلام، حيث يقف المتعاطون في طابور كما كنا نشاهد في أفلام الباطنية لشراء المخدرات. تمكنت "المصريون" من اختراق عمليات بيع المواد المخدرة، واختراق طوابير بيع المخدرات التي انتشرت منذ السبعينيات لتبدأ من جديد بعد الثورة. وفي المنطقة نفسها، الجيارة بمصر القديمة، وتحديدًا شارع سيدي حسن الأنور, على مرأى ومسمع من الجميع يبدأ طابور المخدرات "الدولاب"، بدءًا من الساعة السابعة مساءً حتى ساعات متأخرة من الليل. رصدنا خلال ذلك أحد أقارب "كتكت" تاجر مخدرات شهير، يدعى "و.ح" يقوم بالدور نفسه في الاتجار بالمخدرات وبالمكان نفسه "الجيارة" أيضا، وبالطريقة نفسها التي كان يعمل بها سلفه منذ ثلاثين عاما تقريبا، إذ يتم إغلاق باب العقار المملوك باسم أحد بنات كتكت في منطقة الجيارة والذي أعطت المحكمة الحق لها بالعيش بداخله بعد أن تم وضع الحراسة المشددة على جميع أملاك أبيها التي حصل عليها من اتجاره بالمخدرات, ويقوم "و.ح" بتأمين المكان من الخارج من خلال عدد من البلطجية العاملين معه للتنبيه بالخطر ومنع دخول الشرطة للمكان. وأكد بعض الأهالي أن الشرطة لم تدخل منطقة الجيارة منذ عام تقريبًا، منذ أن حاول بعض تجار المخدرات، التصدي والاعتداء على ضابط المباحث طارق الوتيدي رئيس مباحث قسم مصر القديمة، على خلفية اعتداء أخيه الضابط أحمد الوتيدي على أهالي الشهداء عند مسرح البالون في شهر يونيو من العام الماضي متسببًا في أحداث محمد محمود. ومن الطريف أن نجد في منطقة مصر القديمة، بالقرب من مسجد عمرو بن العاص، وتحديدًا بمنطقة "الأبوة" لوحة معلقة في الشارع مكتوب عليها "من أهالي مصر القديمة.. ممنوع بيع المخدرات نهائيًّا". العبارة تدعو للانتباه لأنها تدل على أن تجارة المخدرات أصبحت أمرًا اعتياديًّا، ما دفع الأهالي إلى كتابة تلك اللافتة. كما تأتي منطقة المدبح بالسيدة زينب على رأس أوكار ترويج المخدرات، وخاصة المكان الأشهر للتعاطي والاتجار خلف مسجد علي زين العابدين القريب من مستشفى سرطان الأطفال. المعتمدية بؤرة لإمداد وتموين أحياء الجيزة أما في الجيزة فتعد منطقة "المعتمدية" التي تقع خلف منطقة أرض اللواء أكبر مناطق المحافظة لتخزين مخدرات الحشيش والبانجو. فقد تحولت المنطقة إلى إمبراطوريات صغيرة لتجارة المخدرات، والتي تعتبر وكرًا نموذجيًّا للتعاطي بعد الشراء بعيدًا عن أعين رجال مكافحة المخدرات أو الحكومة، كما يقولون، نظرًا لطبيعة المنطقة الزراعية وسهولة الاختباء بين الزراعات للتعاطي. وتعتبر المعتمدية أكبر منطقة إمداد وتموين لمدمني المخدرات في الأحياء الراقية مثل المهندسين والدقي والعجوزة، بالإضافة إلى عدد من المناطق الأخرى مثل بولاق الدكرور، وتعتبر "قدارة" أشهر تاجرة في منطقة إمبابة، خصوصًا بعد اضمحلال نشاط تجارة المخدرات بمنطقة الحوتية الشهيرة بالعجوزة. وعلى الجانب الآخر من المحافظة، في الجزء الجنوبي منها، تجد معقلين من أكبر معاقل تجارة البانجو لسنوات طويلة قبل أن يتراجع مرة أخرى لصالح الحشيش، وهما الطالبية والعمرانية، وكلتاهما تكتظ بالعاطلين حيث ينتعش نشاط الاتجار بالمخدرات، على اعتبار أن «الشيء لزوم الشيء»، فستجد دائرة مغلقة للشباب العاطل.. فهناك يدمن ثم يتجه إلى العمل في التوزيع للإنفاق على إدمانه وهكذا. وعلى الرغم من ذلك، تبقى "الكيت كات" أشهر أماكن بيع الحشيش، ولا تزال معظم الغرز في الحواري والأزقة تعمل بنشاط كل ليلة. أم عبير وحماشة وأوشة والحاجة وفاء أشهر تجار شبرا وفي القليوبية تشتهر امرأة تدعى "أم عبير" بعزبة رستم ببهتيم، كما يعد من أشهر التجار بها: محمد الأسود, وحماشة, وإبراهيم بلو, والقطاوي, والشقيان, وإسلام أتاري بشارع الكابلات وعزبة عثمان ومنطاي وأم بيومي. وفي سوق المؤسسة تنتشر تجارة المخدرات بعد صلاة العصر أمام أكشاك سوق الخضار، أما دائرة القناطر ففيها منطقة أبو الغيط والخرقانية وشلقان. وشبين القناطر بجميع قراها تعتبر مقرًّا أساسيًّا لتجار المخدرات وخاصة الزهويين. وفي مركز طوخ وكفر منصور من أشهر التجار بها محمد وشقيقه رواش وأمهما، ويهربون إلى المقابر حينما تداهم الأجهزة الأمنية المنطقة، كما يوجد كل من ياسر وجمال والحاجة وفاء وأوشة، كما توجد العريضة وكوم الأطرون والعمار وبلتان وزاوية بلتان، وخاصة عند محطة بلتان يتم البيع في عز الظهر. ويعد بندر بنها من أشهر المناطق، فتوجد منطقة الرملة, وميت عاصم, وعزبة الحرس الوطني خلف وابور الثلج, وعزبة السوق, وكفر الجزار , وروره, ودملو, وكفر باطا. بيع الصنف في "عز الظهر" بالإسكندرية وبالانتقال إلى محافظة الإسكندرية، نرى البيع علنيًّا فيها حيث حارة اليهود بحري، حارة البطارية بحري، شارع حمام الورشة اللبان، حارة بطوطة اللبان، أمام مسجد النبي دانيال، أمام مسجد أبي العباس، شاطئ الأنفوشي، شارع بازادا المنشية، مساكن المأوى القباري، مساكن النجع القباري، الكرانتينة الورديان، الطوبجية كرموز، جبل ناعسة كرموز، ميدان الساعة كرموز، العلواية غربال، أرض سليم إسكندر أب، وسليمان وأرض الخواجة إبراهيم أبو سليمان، ومساكن الأمريكان سيدي بشر، وشارع توريل الرأس السوداء، وشارع محمد عطية المندرة، والرأس السوداء فيكتوريا، ومنطقة أبو خروف العصافرة، وشارع 45 العصافرة، وشارع المعهد الديني العصافرة، وشارع عثمان بن عفان العصافرة، وأسفل كوبري العامرية، وحارة البزازة الدخيلة، وشارع الجيش الدخيلة. ومعظمها مناطق تزدهر بها تجارة الحشيش وترتفع نسب البيع. البيع جملة وقطاعي في السويس.. والأربعين أشهر الأوكار ومن الغرب إلى الشرق، حيث محافظة السويس، وعلى الرغم من صغر مساحتها فإنها تشتهر بكثرة مناطق التوزيع والاتجار حيث أوكار المخدرات في منطقة الهيشة وبالتحديد إحدى الحواري خلف مصنع البلاط، فالأهالي أنفسهم محاصرون من تجار المخدرات. "جملة" في أحد المخازن بالحارة و"قطاعي" على النواصي وتقدموا على مدار أشهر الثمانية الماضية بآلاف الشكاوى ولكن دون جدوى، ما دفعهم إلى تعليق لافتات عن أماكن بيع المخدرات "جملة وقطاعي"، وتوسطها لافتة كبيرة على أول الشارع كتب عليها "هنا تباع المخدرات.. برشام حشيش بانجو". الممنوعات تباع بمحيط سجن دمو وأجهزة محافظة الفيوم وترتفع نسب البيع سواء بالمقاهي أو بالصيدليات والسوبر ماركت داخل محافظة الفيوم، والتي يخصص فيها البعض جزءًا من المنشآت للبيع بداخلها المواد المخدرة ولا يتم البيع إلا لزبائن المحل المعروفين لدى البائع. ومن أشهر الأماكن التي تنتشر فيها هذه التجارة هي حي الصوفي والحواتم ومنطقة الشيخة شفى وكميان فارس الذي يعتبر من أهم الأحياء وأخطرهم حيث تقع بهذا الحي جامعة الفيوم حيث يتم بيع المواد المخدرة بجوار الأحوال الشخصية والتنظيم والإدارة. لن يقتصر الأمر على التجار من الرجال فقط بل هناك سيدات تقمن بالبيع ويتاجرن في أنواع المخدرات بالمدينة، وتعتبر "سلوى المهر" التي سقطت في قبضة مباحث الفيوم منذ أيام هي خير دليل على ذلك حيث تم القبض عليها وبحوزتها عدد 35 لفافة من البانجو المخدر كبيرة الحجم تزن 115 كيلو بقصد الاتجار وذلك بعد مداهمة قوات الأمن لها بمنطقة مساكن دمو بالفيوم. التعاطى طقس يومى على أرصفة الدقهلية وينتشر تناول المخدرات داخل مراكز محافظة الدقهلية بصورة غير مسبوقة، وتمثل ذلك في وجود أماكن ثابتة للبيع معلومة للجميع خاصة أنها تتركز في بعض المقاهي.. رصدنا هذه الظاهرة حيث أكد أصحاب أحد المقاهي المتهم في إحدى القضايا والتي لم يرد ذكر اسمه أن أبرز فئات المتعاطين هم العاطلون الذين يجلسون علي المقاهي حتى الصباح بانتظار الكيف الذي ينسيهم مأساتهم وهذه فئة أما الفئة الثانية فهم العمال العاديون الذين لم ينالوا قسطًا من التعليم فهم يجدون في البانجو لذة تساعدهم على تحمل أعباء الحياة. والفئة الثالثة تتمثل في قطاع عريض من الطلبة وبالأخص المرحلة الثانوية التجارية والصناعية وللأسف الشديد امتد الإدمان ليشمل طلاب المدارس الإعدادية، كما أن أولاد الذوات الذين يحصلون على مصاريف قد تكفي لشراء أكثر من البانجو قد أصبحوا من ضمن تلك الفئات ونتيجة لتعاطي وإدمان هذه المادة المسماة بالبانجو بين الشباب وتحت سيطرة هذه المادة المخدرة عليهم تقع المعارك اليومية بين هؤلاء الشباب بجميع أنواع الأسلحة البيضاء كالسنج والسيوف ويحدث ذلك ليلاً ونهارًا فقد أصبح الضرب بهذه الأسلحة من ضمن الطقوس اليومية العادية وازدادت أوكار تعاطي البانجو فلم يعد التعاطي مقتصرًا على المقاهي فقد أصبح التعاطي على الأرصفة وبين الطرقات وفي الشوارع. وأثناء جولتنا بمحافظة الدقهلية، قابلنا "أسامة.ز"، متعهد أفراح من مركز بلقاس قال: "إن تعاطي البانجو في بلقاس وقراها له مذاق خاص خصوصًا في الأفراح الشعبية". وأضاف: "إن مركز بلقاس يعتبر جامعة احتراف لعالم الإجرام فبداخله يتم تدريب النشالين على طرق النشل، وكذلك يتم تدريب المتسولين، وفي الليل يجتمع الكل على مائدة واحدة أمام الراقصات لصرف ما تم الاستيلاء عليه". وقال أحد الأشخاص، لم يرد ذكر اسمه، يعمل فعليًا في الترويج للمخدرات: "إن البانجو أصبح يباع جملة وقطاعي في قرى معروفة حتى أصبحت هذه القرى من أكبر المراكز لتوزيع البانجو وبالأخص )كفر الترعة القديم والسوالم وعزبة الجبانة بشربين أما في مركز بلقاس، فهناك قرى المعصرة ومحلة دمنة بالإضافة إلى سوق ستوتة بالمنصورة). وعن أنواع المخدرات التي يروج لها أكد أن هناك أنواعًا كثيرة من نبات البانجو والذي يكثر انتشاره عن أي مخدر آخر، قائلاً: "هناك نوع فاخر من البانجو، تباع اللفة منه فيما بين 1200 و1500 جنيه، بخلاف النوع الشعبي والذي تباع اللفة منه من 300 إلى 500 جنيه، ويتم تقطيع البانجو إلى لفافات صغيرة ثمن اللفة من 25 إلى 30 جنيهًا". أما عن طرق النقل يقول أحد السائقين المتخصصين في نقل المخدرات: "أهم مصدر نجلب منه "البضاعة"، يقصد المخدرات، محافظة الإسماعيلية، والمنزلة وضواحيها، وأغلب منتج هذه المصادر هو "البانجو الشعبي"، أما النوع الفاخر فيأتي رأسًا من العريش وسيناء ومرسى مطروح". ويقول "خالد م" سائق سيارة نقل مخدرات ولكنه يقوم بنقل البانجو في عربات مخصصة بتحميل الخضار والفاكهة "يتغلب المهربون على مطاردة الكلاب البوليسية المخصصة لرصد البضاعة بواسطة الشطة، بوضع كمية من الشطة الحمراء على نبات البانجو الأمر الذي يجعل كلب البوليس لا يستطيع تمييز رائحته من الشطة وتنتابه حالة عطس".