"قلعة الكبش".. "الناصرية".. "تلّ العقارب".. مناطق شعبية وعشوائية تتبع حي السيدة زينب، وتعدّ في الوقت نفسه معاقل لمدمني وتجار "الكيف" في القاهرة، وهي مثل باقي العشوائيات التي تعتبر أرضا خصبة لتفشي الأمراض الاجتماعية والإجرامية الخطيرة، التي تهدّد استقرار المجتمع. عندما ذهبت إلى هذه المناطق وتجوّلت بها، وجدت رائحة المخدرات تفوح من بعض المقاهي الصغيرة أو بالأدق "الغُرز"، والبيوت المهجورة والخرابات وحتى المحالّ، وقد بدأت جولتي في منطقة "قلعة الكبش"، وساعدني في الأمر أحد شباب المنطقة؛ لأن الحركة في هذه المنطقة غاية في الصعوبة؛ فالمباني موجودة أعلى تبة جبلية يتطلب الصعود إليها مجهود شاقّ، والحارات ضيّقة جدا تشبه المتاهات، وأكوام القمامة في كل شبر بها. غُرزة في صالون الحلاقة بعد مجهود شاقّ استطعت الوصول إلى أعلى المنطقة، ودلّني الشاب على أحد صالونات الحلاقة، والتي يعمل صاحبها في مجال المخدرات؛ فهذا الصالون الصغير الذي يمتلكه شخص يُدعى "سمارة" هو أحد أوكار المخدّرات -وتحديدا البانجو والحشيش- في المنطقة، حيث تتردد عليه أعداد كبيرة من الشباب، بعضهم يجلب المخدرات معه، وآخرون يحصلون عليها من "سمارة" الذي خصّص جزءا داخليا من الصالون -مغطّى بستارة- للتعاطي. والغريب أنه قال لي -بعدما حاولت اكتساب ثقته وأخفيت عنه هويتي وأن سبب حضوري للصالون هو لحلاقة ذقني- أن أغلب محالّ المنطقة، خاصة الحلاقة وورش الميكانيكا والنجارة تعمل في نفس المجال؛ لأنها غير لافتة للانتباه، لتردد أعداد كبيرة من الزبائن عليها بحكم طبيعة عملها. أحد البيوت المهجورة التي تشهد تجارة المخدرات كلمة السر وكشف "سمارة" أن صاحب المحل عادة ما يخصص كلمة سر ينادي بها على الذين يتعاطون المخدرات بداخل المحل، لو شعر بدخول أي شخص مثير للريبة إلى المحل، مضيفا أن الإقبال على شراء المخدرات وتعاطيها يزيد في الأعياد وأيام الخميس من كل أسبوع. في حين أكد لي أحد الشباب المترددين على الصالون أن أشهر غُرَز المخدرات متواجدة في مقاهي الحارات والشوارع الضيقة، والتي تعدّ "دواليب" لبيع الحشيش والبانجو، كما أن هناك من يتعاطى في الخرابات والبيوت المهجورة. وأضاف أن أغلب تجار "الكيف" معروفون بأسماء حركية، وأشهرهم "هيما" و"الديزل" و"الكرنك". "تلّ العقارب" منطقة "الدواليب" تركت "قلعة الكبش" بكل دروبها والغُرَز الموجودة بها، وبنفس صعوبة الصعود للمنطقة كان النزول أيضا ليس بالأمر السهل، وعندما توجّهت إلى منطقة "تلّ العقارب" وجدتها لا تختلف كثيرا عن "قلعة الكبش"، وإن كانت أكثر عشوائية منها؛ فالبيوت معظمها آيلة للسقوط، وقد اكتشفت أن معظم سكان المنطقة يعملون في "المدبح" القريب منهم، وقد أخبرني الشاب الذي كان يصطحبني أن هذه المنطقة تشتهر بوجود "دواليب" تجّار التجزئة، وغالبا ما تكون داخل بيوت الحارات الضيقة، التي من الصعب على أي شخص غريب الوصول إليها. وقد استطعت الوصول إلى أحد هذه الدواليب، والاسم الحركي لصاحبه هو "سامبو"، وقد أقنعه الشاب الذي كان بصحبتي أنني أريد التعرف على الأسعار بغرض الشراء. أسعار المخدرات تزيد في المواسم وأخبرني صاحب الدولاب أن سعر قرش الحشيش يترواح بين 100 و 120 جنيها، أما "باكيتة" البانجو فيبدأ سعرها من 40 وحتى 90 جنيها حسب موسم البيع، الذي ينتعش في أعياد الفطر والأضحى، وكذلك ليلة رأس السنة. تركت "سامبو" بعد وعده بالعودة للشراء منه، وأثناء تجوّلي بالمنطقة وجدت أحد الشباب -الذي لا يزيد عمره على 25 سنة- جالس على المقهى يدخّن سيجارة "بانجو" بكل حرية وعلنا دون خوف، وعندما اقتربت منه قال إن البوليس عندما يحضر إلى المنطقة نشعر به على الفور، ونخفي ما معنا من مخدّرات، وأوضح أنه بدأ التعاطي منذ 10 سنوات، ويعيش مع والدته في "عشة" بعد انفصال والده عنها، وقد اضطرّ للعمل في سنّ صغيرة ليعول والدته وإخوته الأربعة، ولم يستكمل تعليمه، الأمر الذي دفعه للإدمان والاتّجار في المخدرات في بعض الأوقات لتلبية نفقات المعيشة. المساجد الأثرية لم تسلم من تحويل أركانها لأماكن للتعاطي الحشيش للكبار وقد أكّد الشاب ويدعى "محسن" أن تعاطي المخدرات أصبح ظاهرة عادية جدا، خاصة في المناطق العشوائية، بداية من "الكُلة" التي يشمّها الأطفال، وحتى الحشيش والبانجو للشباب، مشيرا إلى أن المناطق هنا من الصعب اختراقها من أي شخص غريب؛ لأنه لو حدث وشعر الأهالي به يرسلون إشارات معينة تفيد ضرورة إخفاء المخدرات. "الناصرية" لكبار التجار ومن "تلّ العقارب" إلى "الناصرية" والتي تشتهر -كما يعرف الجميع- بمحالّ بيع الكوارع والمُمبار وغيرها من سقط اللحوم، وهي أيضا كما أخبرني صاحب مقهى هناك يُدعى "منتصر" تضم كبار تجار "الكيف"، والذين يوزّعونه على معظم "دواليب" التوزيع في القاهرة الكبرى، موضحا أن أغلب هؤلاء التجار يقومون بافتتاح محالّ تجارية متنوعة بالمنطقة، كنوع من أنواع غسيل الأموال، والتمويه على عملهم الأساسي في تجارة "الكيف". ما سبق لا يعني أن الأمر مقتصر فقط على مناطق السيدة زينب ولكن مثلها الكثير، فالشرّ موجود في كل مكان، ولكنني أردت أن أضرب مثلا لهذا العالم المخيف، والذي يلقي بظلاله على العشوائيات كالسرطان، مستغلا شعور ساكنيها ببعض الإحباطات، لينهش ما تبقى من أجسادهم الهزيلة وأرواحهم المخنوقة. وبالطبع فالأمن وحده لن يسيطر على الأمر، بل يحتاج معه إلى مجهودات المؤسسات الاجتماعية والإعلامية؛ لتكاتف الجهود أمام هذا الشر.