عاجل - سعر الدولار مباشر الآن The Dollar Price    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    خالد أبو بكر: مصر ترفض أي هيمنة غير فلسطينية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    أكسيوس: محاثات أمريكية إيرانية غير مباشرة لتجنب التصعيد بالمنطقة    نجم الزمالك السابق: نهائي الكونفدرالية يحتاج 11 مقاتلًا في الملعب    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    تدخل لفض مشاجرة داخل «بلايستيشن».. مصرع طالب طعنًا ب«مطواه» في قنا    رقص أحمد السقا مع العروس ريم سامي على غناء عمرو دياب «يا أنا يا لاء» (فيديو)    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بعد 94 دقيقة.. نوران جوهر تحسم الكلاسيكو وتتأهل لنهائي العالم للإسكواش 2024    قبل مواجهة الترجي.. سيف زاهر يوجه رسالة إلى الأهلي    «مش عيب تقعد لشوبير».. رسائل نارية من إكرامي ل الشناوي قبل مواجهة الترجي    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    عاجل.. رقم غير مسبوق لدرجات الحرارة اليوم السبت.. وتحذير من 3 ظواهر جوية    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    موعد إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في محافظة البحيرة.. بدء التصحيح    حلاق الإسماعيلية يفجر مفاجأة بشأن كاميرات المراقبة (فيديو)    شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة "اصليح" بخان يونس جنوب قطاع غزة    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    نحو دوري أبطال أوروبا؟ فوت ميركاتو: موناكو وجالاتا سراي يستهدفان محمد عبد المنعم    تعادل لا يفيد البارتينوبي للتأهل الأوروبي.. نابولي يحصل على نقطة من فيورنتينا    حضور مخالف ومياه غائبة وطائرة.. اعتراضات بيبو خلال مران الأهلي في رادس    منها سم النحل.. أفكار طلاب زراعة جامعة عين شمس في الملتقى التوظيفي    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    محكمة الاستئناف في تونس تقر حكمًا بسجن الغنوشي وصهره 3 سنوات    وسط حصار جباليا.. أوضاع مأساوية في مدينة بيت حانون شمال غزة    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    خبير اقتصادي: إعادة هيكلة الاقتصاد في 2016 لضمان وصول الدعم لمستحقيه    ماسك يزيل اسم نطاق تويتر دوت كوم من ملفات تعريف تطبيق إكس ويحوله إلى إكس دوت كوم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «اللي مفطرش عند الجحش ميبقاش وحش».. حكاية أقدم محل فول وطعمية في السيدة زينب    "الدنيا دمها تقيل من غيرك".. لبلبة تهنئ الزعيم في عيد ميلاده ال 84    عايدة رياض تسترجع ذكرياتها باللعب مع الكبار وهذه رسالتها لعادل إمام    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    «الغرب وفلسطين والعالم».. مؤتمر دولي في إسطنبول    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    انطلاق قوافل دعوية للواعظات بمساجد الإسماعيلية    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    الأرصاد تكشف عن موعد انتهاء الموجة الحارة التي تضرب البلاد    هل يمكن لفتاة مصابة ب"الذبذبة الأذينية" أن تتزوج؟.. حسام موافي يُجيب    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الجزائر.. أجهزة خفية تُروّض الأحزاب وتصنَع المشهد السياسي
نشر في المصريون يوم 01 - 02 - 2010

مع بلوغ التجربة التعدّدية في الجزائر سِنّ العشرين في موفى العام المنقضي، تبلوَرت ملامِح نظام سياسي جديد يختلِف عن نظام الحزب الواحد، الذي أدار البلاد بقبْضة حديدية طيلة رُبع قرن، قبل اندِلاع مظاهرات أكتوبر 1988.
فقد أنهت تلك الهزّة غير المسبوقة هيْمنة حزب "جبهة التحرير الوطني" على الدولة والمجتمع، وفتحت الأبواب أمام التعدّدية بشكل بدا للوهْلة الأولى أنه سيشكِّل قطيعة مع النّمط السوفييتي الذي كان سائدا في ما يُعرف ببلدان المعسكر الإشتراكي.
وأتى رئيس الحكومة الانتقالية مولود حمروش بذهنية جديدة، لا تشترط التحزب في اختيار الوزراء وكِبار المسؤولين في الدولة، وهو ما أتاح لكثير من الشخصيات المُبعدة سابقا (بسبب عدم انسجامها مع الحكم)، تقلّد مسؤوليات رفيعة. وشكّل إبعاد العسكر من قيادة "جبهة التحرير الوطني" وقبول "الجبهة" قواعد اللّعبة الجديدة، أي البقاء في المقاعد الخلفية، مؤشِّرا إلى إطلاق تجربة ديمقراطية متقدِّمة على الجيران في المنطقة.
ويتذكر الإعلامي عمر بلهوشات، مدير صحيفة "الوطن" اليومية المستقلّة، محطة مهمّة من تلك الحِقبة، تتعلّق بإرساء التعدّدية الإعلامية، بعدما كانت صحيفتا "المُجاهد" اليومية الناطقة بالفرنسية وشقيقتها "الشعب" الناطقة بالعربية تحتكِران الساحة الإعلامية أسوة ب "البرافدا" و "إيزفتسيا" على أيام الإتحاد السوفييتي.
وقال بلهوشات، الذي كان يرأس القسم الإقتصادي في "المجاهد" ل swissinfo.ch، إنه غادر صحافة الحزب الواحد مع عدد من زملائه لتأسيس صحف مستقلة، وقبلت "المجاهد" أن تسحب الصحف المنافسة في مطبعتها، التي كانت المطبعة الوحيدة قبل أن يقف الناشرون الجُدد على أقدامهم ويشتَروا مطبعة خاصة بهم.
"إما تعدّدية كاملة أو دكتاتورية لا مكان فيها للحرية"
وعلى شاكلة هذا التغيير، أبصر المشهد السياسي أيضا نقلة جِذرية لا تعترف بالموانع والقيود، إلى درجة أن التونسيين القلقين آنذاك من عدوى الأنموذج الجزائري، سألوا السيد محمد شريف مساعدية، الذي كان في زيارة لتونس، عن مدى وضع ضوابط للتعدّدية في الجزائر، فردّ عليهم فورا "نحن الجزائريون هكذا، لا نحب المنزلة الوسطى، فإما تعدّدية وعندها تكون كاملة أو دكتاتورية وساعتها لا مكان للحرية".
غير أن الأحزاب التي نبتت في كل مكان اعتبارا من 1989 وَفَاق عددها الثلاثين حزبا، وجدت في الانتخابات المحلية سنة 1990 ثم في الانتخابات البرلمانية خلال السنة الموالية، فُرصة لأخذ ثأرها من الحِزب الحاكم، الذي عطَّل نموّها طيلة عقديْن من الزمن، ومنها "جبهة القِوى الاشتراكية" بزعامة حسين آيت أحمد، التي تمّ حظْرها منذ سنة 1963، أي في بواكير الاستقلال.
وما أن رُفِع الستار عن نتائج الدورة الأولى للإنتخابات التشريعية في ديسمبر 1991 واتّضح أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" ستُسيْطر على البرلمان بوصْفها متقدِّمة على كلٍّ من "جبهة التحرير الوطني" و"جبهة القوى الاشتراكية"، حتى تحرّكت المؤسسة العسكرية لتوقف المسار الانتخابي وتُجْبر الرئيس الشاذلي بن جديد على الإستقالة من منصبه.
وشّكلت تلك الحركة، ضربة قوية للتجربة الحزبية، إذ تمّ حظْر"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" واعتقال قادتها والعديد من أعضائها وأنصارها وفرْض قيود على نشاط الأحزاب الأخرى، وخاصة في أعقاب اندِلاع حرب أهلية بين الجيش والجماعات الإسلامية المسلحة، التي انتشرت عناصرها في الجبال. وفي ذلك المناخ المشحون، تراجع دور الحزب الحاكِم السابق وتفكّكت لجنته المركزية بسبب تباعُد المواقف بين أعضائها من الانقلاب الذي نفّذه العسكر، إلى درجة أن الأمين العام للحزب آنذاك عبد الحميد مهري، شارك إلى جانب زعماء المعارضة العِلمانية والإسلامية في ندوة "سانت إيجيديو"، التي طالبت بإرجاع الحُكم للمدنيين وإعادة التجربة الديمقراطية إلى السكّة.
لكن في الميدان، استطاعت المؤسسة العسكرية التي كانت تخُوض حربا ضروسا على الجماعات المسلحة، أن تُعيد تشكيل المشهد الحِزبي على نحو مكّنها من تصفِية الحساب مع "جبهة التحرير الوطني" بتقزيمها وتسمِية الوزير السابق بوعلام بالسايح، أمينا عاما للحزب بدَل مهري، وإنشاء كيانات جديدة، مثل "حركة مجتمع السِّلم" (حمس) بزعامة الراحل الشيخ محفوظ النحناح و"التجمع الوطني الديمقراطي" برئاسة أحمد أويحيى و"التحالف الوطني الجمهوري" برئاسة الإستئصالي رضا مالك، أو النفخ في حجم بعضها الآخر، مثل "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بزعامة المثقف القبائلي سعيد سعدي لمنافسة "جبهة القوى الاشتراكية"، التي دعا رئيسها آيت أحمد الجيش للإبتعاد عن السياسة وإعادة المسار الديمقراطي إلى السكة.
وشكلت معاودة تشكيل المشهَد الحزبي مقدّمة لانتخابات رئاسية في 1995 و1999، استُبعد منها مرشّحو المعارضة المنتقِدة للجيش، فيما أفسح المجال لأمثال النحناح وسعدي ومالك، لمنافسة مرشح الجيش. واستعادت المؤسسة العسكرية سيْطرتها على الرئاسة بوصول الجنرال ليامين زروال إلى قصر "المرادية" في 1995 بعد اغتيال محمد بوضياف، ثم بانتخاب عبد العزيز بوتفليقة رئيسا جديدا في 1999 في مواجهة ستة من بارونات "جبهة التحرير" السابقين، الذين أعلنوا انسحابهم من المعركة الانتخابية في اللحظة الأخيرة بسبب ما اعتبروه "تجاوُزات" غير مقبولة.
"الأكثرية الرئاسية"
ويمكن القول أن عودة بوتفليقة، الذي كان وزير خارجية الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978) إلى الحُكم، كرّس الانعطاف الجوهري الذي عرفه المشهد السياسي الجزائري بعد عشر سنوات من إطلاق التعدّدية، والمتمثِّل في "ضبْط إيقاع" الأحزاب المُغرِّدة خارج السّرب. وتمّ "الضبط" بطريقتيْن، هما حظر تلك التشكيلات اليافِعة، مثلما فعل مع الحزب الذي أعلن غريمه الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، وزير الخارجية السابق، عن تأسيسه، و"الجبهة الديمقراطية"، التي كان رئيس الوزراء الأسبق سيد أحمد غزالي يعتزم بعثها رسميا. أما الطريقة الثانية، فهي التهميش أسْوَة بما فعل مع "جبهة القوى الاشتراكية" وتغذية الانشقاقات، أسْوَة بما حصل ل "حركة النهضة" (حركة الإصلاح لاحقا) بزعامة الشيخ عبد الله جاب الله.
في المقابل، استعادت "جبهة التحرير" موقِعها بوصفها القوّة السياسية الأولى، وباتت تتنافس على المراكز القيادية في الدولة مع "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي تناوَب زعيمه أحمد أويحيى على رئاسة الوزراء مع أمين عام الجبهة عبد العزيز بلخادم. وحتى لما ضرب بوتفليقة الأمين العام السابق للجبهة علي بن فليس، الذي نافسه في انتخابات 2004، لم يُقلِّم أظافر الجبهة، بل جعلها قطب الرّحى في الحياة السياسية.
وعلى هذا الأساس، تبلور ما بات يُعرف ب "الأكثرية الرئاسية" المُلتفة حول بوتفليقة والمتشكلة رسميا من ثلاثة أحزاب، هي "جبهة التحرير" و"الوطني" و"حمس"، بالإضافة لعدد من "المؤلفة قلوبهم"، مثل "حزب العمال" برئاسة السيدة لويزة حنون.
"طاق على من طاق"
وأفاد المحلل جلال بوعاتي ل swissinfo.ch أن قادة التّحالف الرئاسي الثلاثة، اتفقوا لدى الإعلان عن ميلاد التحالف في 16 فبراير 2004 على قاعدة ذهبية، مفادُها الإلتِفاف حول برنامج رئيس الجمهورية ومساندته دون شروط، وما دون ذلك، فإن من حق أي من الشركاء تطبيق مقولة "طاق على من طاق".
وأوضح أن اتِّفاقا آخر توصّل إليه "التجمع الوطني" مع "حزب العمال" المعارض، بشأن منح هذا الأخير أصواته في انتخابات مجلس الأمة، أظهر أن ''الشراكة السياسية''، لا مكان لها في قاموس التحالف، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالمقاعد في المؤسسات المنتخبة. ويُدقِّق بوعاتي رصده لظاهرة التحالف – الصِّراع هذه، بالإشارة إلى أن القانون الداخلي للتحالف ينُص أيضا على توسيع قاعدته أفُقيا وعمُوديا عبْر إنشاء لِجان على مستوى الهياكل الحزبية مهمّتها "تنسيق العمل الميداني على الصعيد المحلي".
وغالِبا ما عقدت أحزاب التحالف الرئاسي صفقات مع أحزاب المعارضة لاقتسام مناصب المجالس البلدية والولائية، على حساب أحزاب التحالف نفسها، وهو ما يعني أن كل حزب يريد الإستِحواذ على مكانة الآخر، كما قال. وأضاف "على مَرّ السنوات وتوالي الاستحقاقات الانتخابية، دأَب قادة التّحالف على تأكيد التِزامهم بالعمل المشترك، لكن سُرعان ما يُكذِّب الواقِع هذا الالتزام.
يحدث هذا، رغم اعتراف قادة التحالف (سلطاني وبلخادم وأويحيى)، أن تحالفهم لم يتِم من أجل مساندة بوتفليقة فقط، وإنما جاء بفضل التقارب الحاصل بين الأطراف الثلاثة الرامية إلى ''خدمة المصلحة الوطنية وتحقيقها''.
"شذوذ سياسي"
واستغربت بعض الأحزاب جُنوح التشكيلات التي كانت تُصنِّف نفسها في خانة "المعارضة"، إلى التفاهم مع "الأكثرية الرئاسية"، إذ اعتبر السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية كريم طابو، أن إعلان حزب العمال تحالُفه مع التجمع الوطني الديمقراطي في الانتخابات الخاصة بتجديد نصف مقاعد مجلس الامة الجزائري الأخيرة (29 ديسمبر 2009)، ''واحدة من العلامات السياسية الكُبرى لقُرْب الساعة''.
وقال طابو، "إن الأمر مثير للاستغراب، إذ لم يحدُث في أي دولة أن توصّل حزب يدّعي اليسارية والدِّفاع عن مصالح العمال والطبقات الشغيلة، إلى تحالف مع حزب يميني ليبرالي"، مُشيرا إلى أن الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون ''دخلت بشكل نهائي بيت طاعة السلطة وكشفت أخيرا عن طبيعة مواقفها الحقيقية بعد سنوات من المواقف المُزيَّفة''.
وأشار طابو إلى أن حزبه لم يطلُب من حزب العمال التحالف السياسي في مواعيد سياسية سابقة، ولكنه على الأقل كان يأمل في أن يُحافظ الحزب على مواقفه لتقوية جبهة المعارضة، معتبِرا أن ''إعلان التحالف الشاذ بين لويزة حنون وأحمد أويحيى له بُعد إيجابي، من حيث فرز الساحة السياسية، فنعرف مَن هو في هذا الخندق ومَن هو في خندق السلطة''.
أما "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، فقرأ الخُطوة أيضا على أنها بمثابة نجاح للسلطة في استدراج الأحزاب المعارضة. وذكر نور الدين آيت حمودة، أحد قيادات "التجمع" خلال اجتماع أقيم أخيرا بولاية بجاية، أن "السلطة تعتمِد على أسلوبيْن في قمْع أحزاب المعارضة: إما باستدراجها إلى صفِّها ودفعها إلى خفْض مستوى التشدّد في مواقفها، على غِرار ما حصل مع حزب العمال وأحزاب سياسية أخرى أو تفكيكها واستهداف وِحدتها التنظيمية، مثلما تُحاول السلطة فِعله مع "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، على حد زعمه.
وفي السياق نفسه، رأى الصحفي عثمان لحياني أن هذا التحالف "يطرَح حالة تُعَدُّ في حُكم العُرف السياسي ''شذوذا سياسيا'' وتَحوُّلا نوعِيا غير مسبوق في خريطة التحالفات السياسية"، متسائِلا عن الدّافع وراء تحالُف حنون مع أويحيى، في الوقت الذي كانت أحزاب أخرى أقرب من ناحية المنطِق والمواقِف السياسية والتوجّهات العامة، للتحالف مع حنون؟ لكن الجواب واضح، وهو التمهيد لانضِمام "حزب العمال" للأكثرية الرئاسية. غير أن السؤال الأهم يتعلّق بمصير أحزاب المعارضة الأخرى مثل "القوى الاشتراكية" و"النهضة" و"الإصلاح"، التي وضعت لها الحكومة (أو الجيش؟) حاجزا يتمثّل في وُجوب الحصول على 3% من الأصوات في الإنتخابات للبقاء في وضعها القانوني، بوصفها أحزابا مسجّلة، وإلا فقدت وجودها الشرعي.
وقد ارتدت أحزاب عدّة عند حاجز الثلاثة في المائة، مما جعلها مهدّدة بالاندثار والذَّوبان، لكن أطرافا عدة تُشكِّك في مقياس الانتخابات، مشيرة إلى دور الجيش في تحريك خيوطها "من وراء السِّتار"، خاصة وأن مصادِر مُختلفة تعْزو كثرة الانشقاقات والصِّراعات في أحزاب المعارضة إلى أيدي الدولة، وتحديدا الجيش، الذي ما زال يُحكِم قبضته على حياة الأحزاب.
متغيِّرات بارزة في الخارطة السياسية
وعلّقت الباحثة مريم بالخضراء على هذه المتغيِّرات البارزة في الخارطة السياسية ل swissinfo.ch، بعد مرور أكثر من عشرين سنة على ميلاد التعددية السياسية، بقولها أن "الساحة الحِزبية اليوم يتحكّم فيها رأيان، أحدهما للسلطة التي تعتبر أن هناك حالة إشباع لا يوجد فيها موضع قدم لاعتماد أي حزب جديد، والآخر يرى على النقيض من ذلك، أن الإدارة لم تترك الحرية للشعب لإجراء ''الغربلة''، وقامت هي بالحُكم بدلا عنه".
وأضافت "إذا ما أخذنا في الاعتبار التدابير التي أقرّتها وزارة الداخلية على قانون الانتخابات، لم يبق في الساحة السياسية سوى 9 أحزاب بإمكانها المشاركة في الإستحقاقات الانتخابية المقبلة، دون أدنى شروط، غير تلك المنصوص عليها قانونا، في حين أن الباقين خارج هذه المجموعة من الأحزاب، ويُجهل عددهم، مطالبون بجمع التوقيعات لكل مرشح عنهم، حتى تتسنّى لهم المشاركة في المواعيد الانتخابية المحلية والوطنية".
واستندت وزارة الداخلية في هذا التّقسيم الحِزبي على نتائج المواعيد الإنتخابية الثلاثة الأخيرة، وأقرّت أنّ كل حزب لم يحقِّق فيها نسبة 3%، لن يشارك في الانتخابات المقبلة سوى ب "شروط" معيَّنة.
وكانت هذه العملية، أول عملية فرز إدارية تفرضها وزارة الداخلية، بالرغم من أنها لم تلق إجماعا حولها، خصوصا من قِبل الأحزاب الصغيرة، من منطلق أن نتائج المواعيد الانتخابية لا تعكس مدى تجذّر أي حزب في الساحة الوطنية، لِما شاب تلك الانتخابات من تشكيك في ''نزاهتها'' ومن تضارُب وضُعف كبيريْن في نِسب المشاركة فيها، إذ لم تتعدَّ 50%، وهو ما يعني، حسب رأيها، أن هناك أغلبية صامِتة لم تقُل كلمتها.
وبالتوازي مع عملية تقليم الأظافِر هذه، وجدت العديد من التشكيلات الحزبية نفسها ''تجرّ'' إلى أروقة المحاكم لفضّ النزاعات داخلها، على غِرار ما تعرّضت له "جبهة التحرير" نفسها غَداة رئاسيات 2004. وانتقل النزاع أيضا في حركة الإصلاح بين عبد الله جاب الله وخصومه إلى أروقة القضاء بعد ذلك، وهو النزاع الذي لم يستبعد جاب الله وقوف السلطة وراءه، قصد تحييده في المواعيد الانتخابية. كما وجد رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي نفسه داخل أروِقة المحاكِم حول ما عُرف بالحركة التصحيحية لمؤتمر عقده حزبه في مدينة عين الدفلى، ولقِي حزب عهد 54 وكذلك حزب التجديد الجزائري المصير نفسه في أعقاب "حركتيْن تصحيحيتين".
"من سلم من الانشقاق تعرض إلى الضغوط"
وأوضحت مريم بالخضراء أن "مَن سلم من الانشقاق والحركات التصحيحية على غِرار (القوى الإشتراكية) و(حزب العمال) وبدرجة أقل تجمّع سعدي، تعرّضت قواعده من أمثال المنتخبين المحليين ورؤساء البلديات، إلى موجة من (الضغوط)، دفعت الكثير منهم إلى (الهجرة) نحو تشكيلات حزبية أخرى، كما هو الشأن بالنسبة لنواب حزب العمال، الذين التَحق عددٌ منهم بجبهة التحرير أو منتخبي تجمّع سعدي، الذين انخرط بعضهم في تشكيلات الوطني والتحرير".
وأضافت، "هذه التطوّرات، وإن لم تتبنَّها جِهة بعينها أو تأمر بها صراحة، غير أن دفعها باتجاه إضعاف الطبقة السياسية والحزبية من خلال خلق الانقسام وحالة اللااستقرار داخلها، تغذِّي الانطباع بأن السلطة وراءها، لأنها هي المُستفيد الأكبر من نتائجها، حتى وإن كانت ستتضرَّر من حالة الفراغ حولها. ولو جمعت كلّ حلقات سلسلة هذا المسار الحزبي، لتبيَّن أن هناك تيارا يدفع باتِّجاه العودة إلى عهد الحزب الواحد، لاعتقاده أنه علامة استقرار وليس ركودا للبلد".
"سلوك بالِغ الخطر والضّرر"
وهذا ما أكده عبد الله جاب الله ل swissinfo.ch حين قال: "مِن أكثر العقبات التي تعترِض التعدّدية والبناء الديمقراطي، هو تدخّل السلطة في شؤون الأحزاب ثم اجتهادها في ترويض ذات المِصداقية منها وتكسيرها وغلْقها، لفسح المجال لاعتماد أحزاب جديدة. وهذه الممارسات وليدة عدم القناعة بالديمقراطية التعدّدية. وفي هذا السلوك، بالغ الضرر بسمعة النظام وعلاقته بالأمة، إذ أفرز قلقا وانعدام ثقة بين النُّخب والسلطة، ممّا أثّر على أخلاق الناس وعلى التنمية، وساهم في عزْل السلطة عن الشعب داخليا وأوجد أجواءً من الشكّ الدائم في نواياها".
ورأى أن "المَخرج مِمَّا نحن فيه، هو احترام القانون والدستور، بالرغم من النقائص الموجودة في هذه المواثيق. والمطلوب من السلطة، احترام القانون والدستور، وأن تكون هي نفسها خاضِعة لهما، أما أن تعطِّل فيهما ما تشاء وكيفما تشاء وتنفذ منهما ما تشاء وكيفما تشاء، فهذا سلوك بالِغ الخطر والضّرر''.
حصيلة عقدين من التعددية
وقال المعلق السياسي في صحيفة ''الخبر'' حميد ياسين في تقويمه لحصاد عقديْن من التعدّدية في الجزائر: "إن الممارسة السياسية في عهد الثنائي عبد العزيز بوتفليقة ويزيد زرهوني، كانت ولا زالت بمثابة شبَح مُخيف بالنسبة لأحزاب المعارضة. فقد حرِص الرّجُلان منذ أكثر من 10 سنوات على كسْر مكاسِب التعدّدية بشكل منظَّم، واستطاعا أن يدجّنا أكثر الأحزاب والشخصيات، زعماً بأنها قادرة على مواجهة النظام".
وأضاف موضِّحا "من المؤكَّد أن قيادات التشكيلات السياسية المحسوبة على المعارضة، مثل التجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية وحركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة، تحِنّ إلى ماضٍ جميلٍ، حينما كانت ممارسة التعدّدية في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، وبدرجة أقل في عهد الرئيس اليمين زروال، مُتاحة للجميع في إطار مُقنَّن حدّده دستورا 1989 و1996. وبانتقال الحُكم إلى عبد العزيز بوتفليقة في ربيع 1999، أظهر الرئيس الجديد إرادة واضحة في التنكّر لكل المكاسب الديمقراطية التي تحقّقت منذ انتفاضة 5 أكتوبر 1988، والتي كانت ثمرة نضالات مُضنية في الميْدان، أصحابها ينتمون لمختلف التيارات الفكرية والإيديولوجية، تجمع بعضها عداوة تاريخية.
ولتنفيذ إرادة تحطيم كل ما تم بناؤه على صعيد التعدّدية من قبْل، اختارت منظومة الحُكم الرجل الأنسَب لهذه المهمة، وهو يزيد زرهوني، الذي قتَل الأحزاب القديمة ومنَع اعتماد أخرى جديدة ببرودة أعصاب مثيرة، حيث تمّ وضعه على رأس وزارة الداخلية وتكفل هو ب ''تنظيف'' المناخ السياسي، الذي كان يراه بوتفليقة مُلوَّثا، فبدأ بإلغاء المظاهرات في الشوارع بحجّة تردّي الأوضاع الأمنية، وفرض رخصة على كلّ من يريد تنظيم لقاء في قاعة مغلقة.
وإن كان من النادر أن تردّ الداخلية على طلب الرخصة، فإن موقِفها كان الرّفض في غالب الأحيان. واتسمت السنوات الأخيرة من حُكم الثنائي بوتفليقة وزرهوني بالتدخّل في تسيير الشؤون الداخلية للأحزاب وتوظيف جهاز القضاء لهذا الغرض، والأمثلة على ذلك كثيرة، وأشهرها قضية إلغاء مؤتمر جبهة التحرير الوطني في أواخر 2003 في غمرة الصِّراع المحموم على كرسي الرئاسة بين بوتفليقة ورجل ثقته السابق علي بن فليس. ويعتبر عبد الله جاب الله، المطاح به من رئاسة حركة الإصلاح الوطني بدعم من الداخلية، من أكثر شخصيات المعارضة اصطداما بالرجل القوي في النظام، يزيد زرهوني.
''اليوم خَمْر وغدا أمْر..."
غير أن السلطة لا تملِك الوسائل السياسية والقضائية والمالية فقط لكي "تلعب" داخل الأحزاب، بل إن توظيف لُعبة كرة القدم يُمكن أن يكون شكلا آخر من تهميش الأحزاب أيضا، مثلما يرى المحلل حميد ياسين، الذي لاحظ أن أحداث تأهّل المنتخب الجزائري للمونديال، شغلت الشارع الجزائري بالشكل الذي أطفأ العديد من الملفّات المُلتهبة والصِّراعات داخل أروِقة الدولة ووسط الطبقة الحزبية والجبهة الاجتماعية.
ومثلما حسمت الأحزاب مرشحيها لانتخابات مجلس الأمة في ''صمت'' والشارع مشغول بفوز أشبال سعدان، رغم الفضائح التي رافقت العملية، نزل هذا الانتصار الكروي بردا وسلاما على "التطريز" الجاري آنذاك حول مؤتمر جبهة التحرير والأجنحة المُتصارعة داخله. وعندما "برد" الوضع داخل حزب السلطة العتيد، هدأت الجبهة الاجتماعية واستسلمت ل ''العصا والجزرة''، التي تُحسِن الحكومة التوقيت المناسب لإخراجها أو غضّ الطرف عنها. وبين المشاكل والانشغالات وبين الاحتفال بالانتصارات، كسبت السلطة هُدنة سياسية واجتماعية لم تكُن تحلُم أن تأتيها فوق طَبَق المونديال. ولعلّ ذلك وراء ترديد أكثر من لِسان في الساحة الوطنية بأن ''اليوم خَمْر وغدا أمْر..."
المصدر: سويس انفو


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.