بالرغم من أنّ فضيلة الإمام د.أحمد الطيّب، شيخ الأزهر سبق المحبّين له من أهل مصر الطيّبين، ورفع عنهم الحرج فى التظاهر، وطلب من أهله بقرنة الأقصر الانصراف إلى العمل وترك مسيرات التأييد والهتافات، ودعا جميع محبيه يوم الجمعة سواء فى بلدته الأقصر أو فى غيرها من المحافظات، إلى أن ينتقلوا من وقفات التأييد والتظاهر والمسيرات إلى التعاون والعمل الجادّ والمخلص، إلا أنّه وبعد هذه الدعوة الصريحة لعدم التظاهر، تجمّع بعض المصريين بمشيخة الأزهر دفاعًا عن الأزهر وشيخه الطيّب ليترجموا ما تأصّل فى قلوب المصريين من محبّةٍ وتقديرٍ لهذه المؤسسة العريقة ولرجالها الشرفاء الذين لا يتوانون عن نصرة الحقّ. وتظهر الأيّام مدى إيجابيّة مشاركة الأزهر ورجاله المحبين لبلادهم، وعلى رأسهم الشيخ الطيّب فى الأحداث التى يمرّ بها الوطن، حتى لقد أجمعت الطبقة السياسية من أحزاب وتيارات من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، على احترام وتقدير هذا الشيخ المبجّل، فتساوى عند الإمام الأكبر المادح والقادح، لذلك فإن المظاهرات الباهتة يرفضها الشيخ الطيب، وأفضل منها لو ترك الناس التظاهر واتجهوا للعمل، فمنهج الأزهر أن يثور كل إنسان على سلوكياته ويغيّرها من الكسل إلى العمل ومن السلبية إلى الإيجابية. وكان ما كان، وتجمّع البعض هنا، والبعض هناك وقالوا ما قالوا، وكأنّ الله عز وجل ألهم الشيخ فأخّر حضوره من الأقصر، فإن بعض المتظاهرين قد صدرت منه بعض التجاوزات فى حق شخصيات وطنية وتيارات سياسية، وهذا ما لا يرضاه شيخ الأزهر، ولا يتفق مع منهج الأزهر الذى يدعو إلى الاتحاد والائتلاف وينبذ الفرقة والاختلاف. وحُقّ لشعب مصر الأبى أن يحبّ الأزهر الشريف ورجاله، وأن يدافع عنه؛ فالدفاع عن الأزهر ليس دفاعًا عن شخص، وإنّما عن كيان إسلامى عريق يحمل لواء الوسطية والتسامح عبر العصور والأزمان، ويحمل أمانة الدين واللغة عبر التاريخ الذى يتجاوز الألف عام. ولا عجب فالأزهر الشريف يحمل فى منهجه الوسطى الحرية، التى هى من أعظم أسباب انتشار الإسلام، ودخوله لقلوب العباد فى كل مكان على اختلاف الألسنة والألوان والأوطان، وما زال الأزهر يدعو إلى التحرر من الأوهام والخرافات والقيود، التى تصادر العقل البشريّ، وتكبت إبداعاته الفكرية والعلمية على صخرة المرجعيات والكهنوت وقداسة الكهان والرهبان والحاخامات، فالإسلام دين الحرية والفطرة السويّة، وشعاره الكبير: لا كهنوت فى الإسلام، ولا حجر فيه على التفكير أو إبداء الرأى ما دام التفكير فى إطار الضوابط الشرعية والأصول العلمية المعتبرة. ويكفى للتدليل على مكانة الأزهر أنّ ابن حجر والبلقينى والسيوطى والعراقى والبقاعى والمقريزى والسخاوى من طلبة وشيوخ الأزهر فى القديم، والشيخ محمد عبده ومصطفى عبد الرازق وعبد الحليم محمود ومحمود شلتوت فى العصر الحديث، وكثير غيرهم من الأفذاذ والنوابغ فى شتى فروع العلم، من مختلف الأصول والقوميات والبلاد. حقّ لهذا الشعب الطيب أن يحبَّ الأزهر وشيخه الطيّب الذى حمل فى عنقه أمانة هذه المؤسسة الأزهرية، بل يحمل الأزهر همّ الأمّة كلها، فبدأ منذ اللحظة الأولى حين تولى هذا المنصب خطوات إصلاح جريئة، فلم ينسَ الأزهر - ولن ينسَ - دوره الجهادى والقيادى للأمّة فى وقت النوازل والأزمات، لذلك أقول للشعب المصري: لا تقلقوا على الأزهر، فالأزهر أكبر وأعمق وأشمخ من أن يختطفه تيار أو فصيل ما من فصائل الوطن، وكثيرًا ما خرجت الردود القوية الحاسمة من الأزهر نفسه، من علمائه الكبار الأجلاء الذين شفوا الصدور، وأراحوا النفوس بالرد الشرعى فى مختلف المواقف. الأزهر أيها المصريون ما زال ينبض فى وجدانكم ولا يزال الأزهر أجدر وأقدر الجهات المؤهّلة لتخريج العلماء والأئمة، والأزهر لا يزال فيه من العلماء الربانيين والفقهاء العاملين والشيوخ المحدثين، ما لا يوجد مثله ولا نظيره فى أى مكان فى العالم. إنّ سرّ عظمة الأزهر أنّه هو الكيان الوحيد الذى حافظ على وحدة المسلمين من خلال تدريس علوم الإسلام باختلاف مذاهبها ومناهجها، والتصدى لتفريق المسلمين تحت أى مسمّى، ففقه الأزهر قائم على التعددية واحترام اختلاف المذاهب الفقهية، والدليل على ذلك عدم تعصب الأزهريين لمذهب ما، فمنهم الحنفى والحنبلى والمالكى والشافعى فى الفروع، ومنهم الأشعرى والماتريدى وأهل الحديث فى الأصول.