من المعلوم أن الأغلبية الكاسحة في مصر هم من المسلمين من أهل السنة والجماعة، لا يختلفون فيما بينهم في أصول الدين، وإن كانت هناك خلافات فهي في الفروع دون الأصول، ما يجعل التقارب والإخاء أسهل وأجدى، خاصة وأن الله تعالى أمر بعدم الفرقة والخلاف في قوله تعالى: "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم". إنني أربأ بالدعاة أن يتفرقوا، أو أن يسيء بعضهم إلى بعض، أو أن يتبعثروا إلى جماعات وفرق وأحزاب "كل حزب بما لديهم فرحون".. رغم أنهم يحفظون قرآن ربهم ويتلونه آناء الليل وأطراف النهار، ورغم أن الخلافات يمكن الاحتفاظ بها من باب المعذرة إلى الله، فالقواسم المشتركة كبيرة بحيث تستوعب كافة المسلمين.. وفي الاتحاد قوة وفي الفرقة ضعف وخسارة.. لقد ورث النظام الحالي تركة من أسوأ التركات التي يمكن أن يرثها نظام.. فأينما تولى وجهك تجد مشكلة، فعلى مدى ثلاثين عامًا لم يهتم النظام السابق بالناس بقدر اهتمامه بسرقتهم.. لا يعنيه إن ماتوا أو عاشوا.. فحياتهم وموتهم سواء.. فمياه الشرب ملوثة، والغذاء مسرطن، والصرف الصحي في أماكن كثيرة منعدم، والمستشفى لا وجود لها.. والزراعة مهملة والاقتصاد منهوب والتعليم منحدر والفقر ضارب أطنابه في معظم مناطق مصر رغم ما فيها من خيرات.. هذا في الوقت الذي كانت جيوب المنتفعين من هذا النظام تزداد انتفاخًا، حيث أصبح المليار هو وحده الحساب.. لقد كان هذا النظام كالمستنقع: هادئ السطح الذي يعلو كافة أنواع العفن.. وقامت الثورة لتغيير هذا الواقع المزري، ومكن الله للدكتور مرسي حكم البلاد، فتضافرت قوى البغي واتحدت لإسقاطه رغم انتخابه، ورغم تشدقهم بالديمقراطية، والاحتكام إلى الصندوق.. فماذا تفعل الأغلبية الكاسحة؟ نصيحتي لوجه الله الكريم التي أحسب أن الله سائلني عنها يوم القيامة، إذ إن "الدين النصيحة" هي أن يجلس قادة المسلمين كافة من الفرق والجماعات والأفراد بنفوس صافية وقلوب نقية تبتغي مرضاة الله، لإيجاد الأرضية المشتركة التي يتفق عليها الجميع مع الاحتفاظ بالخلافات وعدم إثارتها إلا لإصلاح، إذ إن كلنا مسلمون، موحدون مؤمنون بكتاب الله وسنة رسوله (ص)، فالإخوان المسلمون، والسلفيون، والجماعة الإسلامية وكافة الأحزاب والأفراد سواء منهم من كان ينتمي إلى فرقة أو لا ينتمي إلى أي منها كلهم مؤمنون، فكلهم بذلك إخوة "إنما المؤمنون إخوة" .. لابد من تآزر وتآخي كافة القوى المنصهرة في جبهة واحدة هي "الجبهة الإسلامية" لدعم النظام الحاكم، إذ إن سقوطه لا قدر الله سيكون ضربة قاصمة للاتجاه الإسلامي عمومًا ولن يكون قاصرًا على الإخوان المسلمين .. وحينما تتمكن الفرق المختلفة ( شيوعي، ويساري، وعلماني، وليبرالي .. إلخ) من تكوين "جبهة" رغم اختلاف التوجهات، هدفها الأساسي هو إزاحة الحكم، لأن الحاكم ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، واستبداله بحاكم منهم، فإنه يكون لزامًا تكوين جبهة موحدة مضادة تعمل على تثبيت الحكم القائم والدفاع عنه، وهذا يكون بتضافر كافة القوى والتيارات الإسلامية لما يربطها من أصول مشتركة، لابد من نبذ الخلافات وعدم إثارتها، وسد أبواب الفتن والفرقة، ولابد من الاستعانة بعلماء الأمة وخبرائها من كافة الاتجاهات للاستفادة من توجيهاتهم وآرائهم، وقبل ذلك التوجه إلى الله تعالى بالدعاء بالتوفيق والعون، والله من فوق الجميع يسمع ويرى. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.