هو أبو زيد عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي، ولد بتونس في غرة رمضان سنة 732ه، ورحل إلى فاس، وغرناطة، وتلمسان، والأندلس، كما توجهَ إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، ووَلِيَ فيها قضاء المالكية، وظل بها ما يناهز ربع قرن حيث توفي فى مثل هذا اليوم عام 1406م، ودفن في مقابرها عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا. وقد نشأ ابن خلدون في بيت علم ومجد عريق، وحفظ القرآن في وقت مبكِّر من طفولته، وكان أبوه هو معلِّمه الأول، كما درس على يد مشاهير علماء عصره، وقد اتجه إلى الوظائف العامة بعد موت عامة أساتذته في الطاعون الذي أصاب بلادهم، والتحق بوظيفة كتابية في بلاط بني مرين، ولكنها لم تكن لترضي طموحه، وعينه السلطان أبو عنان - ملك المغرب الأقصى - عضوًا في مجلسه العلمي بفاس، فأتِيحَ له أن يعاود الدرس على أعلامها من العلماء والأدباء، الذين نزحوا إليها من تونس والأندلس، وبلاد المغرب. رحل ابن خلدون إلى غرناطة تاركًا أسرته بفاس، ثم عاد إلى وهران بالجزائر؛ ليستقر في قلعة ابن سلامة هو وأهله أربع سنوات، ومن هنا بدأت مسيرته مع كتابه "العبر في ديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر" المعروف بين العامة باسم "تاريخ ابن خلدون"؛ لتكون مقدمَة هذا الكتاب أول وأشهر مقدِّمة صنفت في علم الاجتماع، وشئون الاجتماع الإنساني وقوانينه، وقد عالج فيها ما يطلَق عليه الآن "المظاهر الاجتماعية" أو "العمران البشري"، أو أحوال الاجتماع الإنساني. بسط ابن خلدون في مقدمته الشهيرة كل ما لديه من علم ومعرفة، فجاءت شيئًا ثمينًا، بل متقدمة جدًا على العصر الذي كتبت فيه، وهي تحتوي على ستّة فصول: الأول في العمران البشري، وهي تقابل "علم الاجتماع العام"، وقد درس ابن خلدون ظواهر المجتمع البشري، والقواعد التي تسير عليها المجتمعات. والثاني في العمران البدوي، وقد درس الاجتماع البدوي، كاشفًا أهم خصائصه المميزة، وأنه أصل الاجتماع الحضري وسابق عليه. والثالث في الدولة والخلافة والمُلْك: وهو يقابل (علم الاجتماع السياسي)، وقد درس قواعد الحكم، والنُّظُم الدينية، وغيرها. والرابع في العمران الحضري: وهو ما يقابل (علم الاجتماع الحضري)، وقد شرح جميع الظواهر المتَّصلة بالحضر، وأصول المدنية، وأن التحضُّر هو غاية التمدُّن. والخامس في الصنائع والمعاش والكسب: وهو ما يقابل (علم الاجتماع الاقتصادي)، وقد درس تأثير الظروف الاقتصادية على أحوال المجتمع. والسادس في العلوم واكتسابها: وهو ما يقابل (علم الاجتماع التربوي)، وقد درس الظواهر التربوية، وطرق التعلم وتصنيف العلوم. كما درس ابن خلدون الاجتماع الديني والقانوني، رابطًا بين السياسة والأخلاق.