تتلون الحرباء بلون بيئتها، وتحصن نفسها بالانتماء إلى المجتمع الذى تعيش فيه، فهى خضراء إذا كانت فى منطقة تغلب عليها الزراعة الخضراء، وهى صفراء إذا كانت فى منطقة يغلب عليها اللون الأصفر. ومن الناس من كانوا بالأمس من سدنة النظام الحاكم، حيث يصفقون له سواء أصاب أم أخطأ، ويبررون بطشه بالمخالفين له، ويستخدمون الإعلام المرئى والمقروء لتشويه صورة "الأعداء"، فينعتونهم بصفات كاذبة قبيحة، وتجميل صورة "الأصدقاء" بوصفهم بصفات أقرب إلى الكمال، فهم جزء من هذه البيئة! وسقط النظام كما أراد الشعب ولم يعد التصفيق للنظام السابق مغنمًا مفيدًا للمصفقين، بل لعله يكون قد أصبح مغرمًا فى جو عام يدينه ويخرج مثالبه وعيوبه.. فانطلق من كانوا يصفقون بالأمس يهللون للنظام الجديد على أمل جناية ما كانوا يجنونه فى النظام السابق، وينتمون إلى النظام الجديد.. فلا مبدأ، ولاضمير، ولا خلق.. ومن العجيب أن وسائل الإعلام "الحكومية" قد فرضت على قرائها ومشاهديها هذه الشخصيات المريضة الكريهة التى لا تفتأ تلوث الجو العام بالافتراءات والأكاذيب بدعوى تقديم الرأى والرأى الآخر..! وقام إعلامنا المشاهد والمقروء بتقريب هؤلاء، وإقصاء آخرين وهم أكثر عفة وفضلاً، وأصبح المتلونون يمثلون فى إعلامنا نصيبا مفروضا! ولكى يزداد المتلونون خداعا للناس، فإنهم يبدون وكأنهم مخالفون للنظام الحاكم، فيقول بعضهم: ما خبرة الخارجين من السجون فى حكم البلاد؟ وهذا قول مردود عليه من واقع تاريخنا نفسه، إذ أن "الزعيم الخالد" الذى حكم مصر ثمانية عشر عامًا، لم تكن لديه خبرة فى حكم البلاد حين قام بانقلابه العسكرى، ومن المؤكد أن الأستاذ الدكتور الجامعى وهو فى الستين من عمره يكون أكبر خبرة من البكباشى الذى اعتلى حكم مصر وهو فى الثانية والثلاثين من عمره.. وأما السجون التى كانوا فيها، فالمعلوم أنها كانت سجون ظالمة نتيجة البطش الذى مارسته الأنظمة الحاكمة، وهى ليست مجالا للمعايرة.. وهناك أمثلة فى دول أخرى اعتلى الحكم فيها من لم تكن لهم خبرة إدارية أو سياسية ولكنهم تعلموها بالممارسة. إن المتلونين الفاسدين الذين يدافعون عن غلق قناة رقص شبه العاريات التى كان يطلق عليها "التت" بدعوى أن السماوات الآن مفتوحة وكل شىء معروف ومباح.. إنما هم يسعون إلى توسيع دائرة الإفساد بدلاً من تقليصها.. إن قرار غلق هذه القناة هو من أفضل الأحكام القضائية، ويجب بالإضافة إلى ذلك تنقية التليفزيون من القنوات المفسدة، إذ أنه من غير المعقول أن تسبدل قناة "التت" بقناة "الدوم تك" التى تعرض نفس الشىء! لا بد من مفهوم آخر للترفيه ليس من ضمنه الإفساد، فضلاً عن تنشئة الأبناء والبنات التنشئة الأخلاقية الفاضلة فى المدارس، وذلك بالأخذ بكل النظم التى تؤدى إلى حسن "التربية" و"التعليم"، فما نراه فى أيامنا هذه وبعض ماهو مسجل على الفيسبوك والتويتر من ألفاظ خارجة صادمة جارحة لاتدل على "تربية" ولا "تعليم". من الضرورى تنشئة الصغار على مكارم الأخلاق، "فالعلم وحده ليس يجدى". من الضرورى تحصين أبنائنا فى المدارس ضد الهجمات الشرسة التى تشنها علينا مؤسسات ودول تسعى إلى تخريب الأخلاق وإفساد الضمائر والجنوح إلى العنف وسفك الدماء، ووسائلهم فى ذلك الكمبيوتر وبعض البرامج التليفزيونية والأفلام. إن كتاباتهم وآراءهم المعلنة تقول ذلك، فلماذا يهتم الغرب "بتحرير" نسائنا من كل شىء، وينفقون فى ذلك ما ينفقون حتى نكون سواء! فهم يرون أن نموذج المرأة الغربية هو ما يجب اتباعه.. لماذا يتدخلون فى شئوننا رغم أننا لا نتدخل فى شئونهم؟ ولماذا يضغطون بكل قوة فى هذا الاتجاه مستعينين بالمتلونين و"المتحررات" من نسائنا اللاتى يطبقن المبادئ التلمودية بأن "الإنسان حر فى أن يفعل بجسده ما يشاء". الناس تعرف المتلونين، فقد سقطوا مع سقوط النظام، ولن يستطيعوا خداع أحد. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]