كتبت في مقالي السابق عن أهمية الحديث عن الفكر الإخواني وتطويره إلي صيغة مرنة يستطيع من خلالها أن يتعامل الإخوان مع متغيرات الواقع ومستجدات العصر مع استمرار المحافظة علي الثوابت الإسلامية وعن التباسات في تاريخ الجماعة جعلت بعض يصفها بالتطرف، متهماً إياها بأنها تستبطن غير ما تعلن وهذا الالتباس أري أنه يرجع إلي وجود خطين متوازيين في الفكر الإخواني بقيا يمارسان تأثيراً على فكر حركة الإخوان عالمياً، الأول رسائل حسن البنا، والثاني فكر سيد قطب.وقد تحدثت عن الخط الحسني أو فكر حسن البنا ووسائله وآثاره واليوم نستكمل الحديث عن الخط القطبي أو فكر سيد قطب وآثاره يقول الأستاذ محمد قطب أخو سيد قطب : "فكر سيد قطب هو الامتداد الحقيقي لفكر حسن البنا, فحسن البنا في رسالة التعاليم يقول: "ولا نكفر مسلمًا بذنب متى نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها"، وسيد قطب يتحدث عن قيد أو شرط "وعمل بمقتضاها". فيري محمد قطب أن فكر سيد يدور حول العمل بمقتضى الشهادتين، وليس مجرد ترديدهما فقط.(1) ومن المؤكد أن منطلقات سيد قطب في التعبير عن قضيته تتلاقى مع فكر حسن البنا، لأن موضوع فكره بالأساس يدور حول وجوب تحكيم شرع الله، وهو ما عبر عنه حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس للإخوان بقوله: "فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف. هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا, ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف".(2) وبنفس الروح كانت جماعة الإخوان عام 1948 اعلنت معركة المصحف حتى تحدد الدولة موقفها من القرآن باعتباره المصدر للتشريع والحكم، وكتب البنا أربعة مقالات في صحيفة الإخوان اليومية، أنهى مقالته الأخيرة بقوله: "ليس بعد النصيحة أو البيان إلا المفاصلة أو الجهاد" فهل كان ذلك بداية تحول في الفكر الحسني لكن القدر لم يمهله وجاء قطب فأكمل. (3) ووجه الاختلاف أن حسن البنا كرس نفسه للتنظيم وللإصلاح وأعطاهما الأولوية، أما سيد قطب فقد أعطى الفكر والاعتقاد السياسي الأولوية، فكرس نفسه للتمييز بين الكفر والإيمان في علاقة الحكم والحاكم بالمحكومين، علاقة النظام الكافر، والمجتمع المحكوم الراضي بهذا الحكم والآثار المترتبة على ذلك.(4) فسيد قطب قسم المجتمعات تقسيماً ثنائياً، مجتمع إسلامي وآخر جاهلي، يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا: "والإسلام -عند سيد قطب- لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات، مجتمع إسلامي ومجتمع جاهلي. المجتمع الإسلامي: هو الذي يطبَّق فيه الإسلام عقيدة وعبادة، شريعة ونظامًا، وخلقًا وسلوكًا. والمجتمع الجاهلي: هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه تصوراته وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه. ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسًا ممن يسمون أنفسهم "مسلمين"، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام… وقد يكون المجتمع -إذا لم يطبق الشريعة- مجتمعًا جاهليًا ولو أقر بوجود الله -سبحانه-، ولو ترك الناس يقيمون الشعائر لله في الِبَيعِ والكنائس والمساجد".(5) ويضيف العوا قائلاً "هاتان الفكرتان: (الجاهلية) التي أصابت المجتمعات الإسلامية -بل البشرية كافة- والتحرر منها والانعتاق من أسرها بتطبيق (الحاكمية)، هما الفكرتان الرئيستان في منهج سيد قطب الفكري، وهما الإضافة التي زوّد بها سيد قطب نهر الفكر السياسي الإسلامي. وحول هاتين الفكرتين تدور كل الأفكار الأخرى التي تصادفنا في كتب سيد قطب، وفي مقالاته، بل وفي تفسيره للقرآن الكريم "في ظلال القرآن"، كلما تعلَّق الأمر بالفكر السياسي أو بالحياة الاجتماعية".(6) ولعل كتابه معالم في الطريق من أشهر كتبه ومن أكثرها جدلاً. تتركز فيه أفكاره الأساسية في التغيير الذي ينشده وإن كان أصله مأخوذاً من كتابه في ظلال القرآن في طبعته الثانية، وفي أجزائه الأخيرة من طبعته الأولى ويتناول فيه كما ذكر العوا فكرتي الحاكمية والجاهلية (7) وتبنت هذا الفكر مع تداعياته ومآلاته جماعات إسلامية، فكفرت المجتمع المسلم في الدول الخاضعة لغير حكم الله ولم يحرك ساكناً، واتهمته بأنه مجتمع جاهلي، بينما اكتفى قسم بتكفير النظام وأجهزته وأجازوا إباحة دماء من ينتمي لهذا النظام، وترتب على ذلك موجات عنف أصابت بعض الدول العربية ولا سيما مصر. ولهذا الأمر قام حسن الهضيبي المرشد الثاني بعد حسن البنا -أثناء فترة سجنه عام 1969- بإجراء مراجعة لفكر الإخوان الذي ظهر خلال فترة الصدام مع النظام الناصري وعلى وجه التحديد ما ارتبط منه باجتهادات سيد قطب، فأكد في المراجعة على فكر الجماعة كما استقر به الأمر إبان حياة المؤسس حسن البنا، ووفقاً للأصول العشرين، وهو عدم تكفير أي من المسلمين، وأن واجب الدعاة هو الدعوة إلى الله فقط أما الحكم بالكفر من غيره فليس إليهم، وذلك في كتاب (دعاة لا قضاة)، ومن أهم ماجاء فيه بطلان القول بعدم إسلام من نطق بالشهادتين إذا جل مفهومهما وبطلان القول بإشتراط العمل وضرب مثلا بعم الرسول لقد كان أبو طالب يحتضر في فراش الموت والرسول عليه الصلاة والسلام إلى جواره ويلح عليه أن ينطق "لا إله إلا الله محمد رسول الله" حتى يشهد بها له عند الله [البخاري ج2 ص119 مسلم: المحلى ج11 ص210]، فما جدوى هذه الشهادة وما قيمتها وما الداعي لأن يطلبها الرسول – صلى الله عليه وسلم – من عمه إن كانت بذاتها لا تخرج قائلها من الكفر وتدخل به في الإسلام..؟ (8) وتبقي كلمة أنه لم يتردد الإخوان في تخطئة سيد قطب في بعض اجتهاداته بعكس البنا ربما لحصافة البنا وميله إلي التدرج وعبقريته في التنظيم ، فأرجع البعض سبب تخطئة قطب إلى ظروف السجن وهول التعذيب الذي تعرض له الإخوان، وأنه كسائر البشر يصيب ويخطئ وأخطأ في بعض اجتهاداته، والبعض الآخر قال إنه أسيء فهم الرجل بسبب بعض العبارات التي توهم غير ما يعتقده حقيقة. ورغم ذلك يظهر الإخوان حرصاً على الاستفادة من مؤلفات سيد قطب ومؤشر بسيط لذلك مبيعات كتاب الظلال في معرض الكتاب ولكنهم يشددون على التزامهم بالمنهج الذي أرساه البنا في تقديم الإصلاح والنصح للأمة، وهو ما استقر في كتابات بعض شيوخهم المعاصرين من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ فيصل مولوي وأري أن الغالب اليوم علي فكر الإخوان اليوم خليط من الفكرين الحسني والقطبي مع تحسينات كثيرة أزالت تشدد القطبي وطورت في تنظيم و إصلاح الحسني حتي أن بعض التحولات الفكرية تجاوزت بعض أفكار البنا تحت ضغوط العمل السياسي وتحت تصدر المشهد والوصول إلي سدة الحكم وهو الأمر الذي يدفعني للسؤال هل الإخوان بحاجة إلي رسالة تعاليم جديدة ومعالم جديدة في طريق الدعوة ؟ الهوامش (1) محمد قطب :واقعنا المعاصر (2) حسن البنا :مجموعة الرسائل ،رسالة المؤتمر الخامس (3) حسن البنا مقال «معركة المصحف – أين حكم الله؟». جريدة «الإخوان المسلمون» اليومية (العدد 627 السنة الثالثة بتاريخ الأحد 7 رجب 1367، 16 مايو سنة 1948) (4)محمد قطب :واقعنا المعاصر (5) محمد سليم العوا: الفكر الإسلامي في الفكر السياسي المصري (6)السابق (7)سيد قطب :معالم في الطريق ،دار الشروق الطبعة السادسة 1979 (8) حسن الهضيبي :دعاة لا قضاة أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]