عندما تتجول عبر المدن الجديدة التي أنشئت حول القاهرة يأخذك العجب فقد صارت القاهرة القديمة التي نعرفها من شبرا لمدينة نصر ومن حلوان للمرج منطقة محدودة فى بؤرة تجمعات جديدة صارت هى القاهرةالجديدة فعلاً. تلك التجمعات ليست فقط أماكن للسكني ولكنها تشكل أنماطًا جديدة للحياة لم يعرفها المصريون من قبل، حياة أرقي وأكثر ثراءً وبهاءً ونظام مختلف، يجعل مصرنا الحبيبة تسير على خطى الدول الأوروبية والأمريكية بشكل سريع من ناحية ضخامة عدد السكان ونظام العلاقات ونمط الحياة. نمط الحياة ليس ملابس وسيارات ونوادي ومدارس انترناشيونال فقط، ولكنه بالتأكيد يستبطن قيماً مختلفة بداخله وتحديداً قيماً غربية تماماً، كل ذلك يجب أخذه في الاعتبار من قبل القيادة السياسية لتدرك كم التنوع الهائل في تكوين المجتمع المصري الذي لم يعد مجتمعًا متشابهًا شديد التجانس كما كان من قبل ولكنه صار معقدًا مركبًا، وبالتالي فإن الإصرار على التعامل معه بالأساليب القديمة لن يحقق نجاحًا. لابد من أخذ هذا التنوع الثقافي والقيمي في الاعتبار ودراسة الأساليب العصرية للتواصل والتأثير في تلك الدوائر الاجتماعية المتجاورة والمتداخلة، إن الولاياتالمتحدةالأمريكية بها من التعدد والتنوع الثقافي والعرقي ما يجعل اتخاذ القرار أمرًا مركبًا يحتاج دراسات مسبقة ومستشارين ووسيلة مناسبة يتم قبولها. ليس مهمًا فقط أن نخطط على الورق لقرارات وسياسات نراها مفيدة وصائبة فكثيرًا ما تفشل السياسات المفيدة الصائبة لعدم قبولها اجتماعيًا وتصادمها مع أشواق الناس وأحلامهم، كما أن الأسلوب الذي يتم تمرير القرار به هام جدا أيضًا، فلابد من التمهيد الإعلامي وتسليط الضوء على الفائدة المرجوة منه وعمل استطلاع للرأي أولا وشرح وإيضاح القرار بطرق مختلفة تناسب كل الطبقات وتصل لجميع الإفهام فيبدو بعد ذلك القرار نابعًا من الشعب وموجهًا لصالحه ومحققًا لأحلامه وأهدافه. لقد اختلف الناس وصارت مسألة الاقتناع والشفافية هامة جدًا ويعتبر اتخاذ القرار المفاجئ نوعًا من التسلط والاستبداد مهما كانت فائدته وصوابه، وذلك ما لم يعد مقبولاً، كما أن القرار المفاجئ يمهد لبيئة قابلة للشائعات والتخوين مما يزيد الاحتقان والاستقطاب والعداوة والكراهية بين الفئات المختلفة. مصر لم تعد كما كنا نشاهدها فى أفلام زمان الأبيض وأسود حيث كانت القاهرة بها أربعة شوارع رئيسية يمر فى كل منها عدة سيارات تمرق سريعًا من جهة لأخرى وعدة محافظات زراعية هادئة، فقد صارت مصر بلدًا متضخمًا مزدحمًا مكتظًا بالمشكلات وارتفع سقف التطلعات بشكل لا يوصف واستحدثت أنظمة معيشة مختلفة وزاد التنوع الثقافي من أقصى اليمين لأقصى اليسار مرورًا بأشكال من العبثية والفوضوية، مما يزيد من عبء الحكم ويجعل لزامًا على الرئيس استيعاب كل هذه الأطياف والعمل من أجلها واتخاذ قرارات وسياسات على مقاسها أيضًا ولن يتمكن من ذلك إلا بواسطة مستشارين أقوياء معبرين حقا عن كل تلك الجهات يقدمون له المشورة في شكل دراسة موثقة ويتم اتخاذ القرار على أساسها. يحتاج الناس أيضًا حلمًا قابلاً للتحقيق يلتفون حوله وتمثيلاً عادلاً لكل الفئات في صناعة القرار واستيعاباً لكل الطاقات خاصة الشباب لننهض بمصر التي يمكن مجازًا أن نسميها الولاياتالمتحدة المصرية.