للناس الحق في التعبير عن آرائها بكامل حرياتها , ولا يجوز لأحد – مهما كان شأنه – أن يصادر رأيا لأحد . وإذا كانت الحرية مكفولة للإنسان في أهم قضية في الوجود , وهي قضية الإيمان بالله – عز وجل – " .. فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ .. " الكهف , الآية :29 ، فكيف بما هو دونها من القضايا والآراء .. ؟! إن رسالات السماء ما جاءت إلا من أجل أن تحرر الإنسان من سلطان الإنسان , ليكون حرا كما خلقه الله.
وهذا المعني رسخه عمر – رضي الله عنه – بقوله : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ", وأكده علي – كرم الله وجهه – في قوله : " لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا ". هذه الحرية الغالية هبة الله للإنسان , وفطرته التي فطر الخلق عليها , يجب علي الإنسان , ألاّ يفرط فيها , وأن يغالي بها , يحيا من أجلها , ويموت في سبيلها .. ولكن , هل الحرية انطلا ق من كل قيد , أو انفلات من أي ضابط ؟! كلا .. ؛ إنها التزام ومسؤولية , وسر تكليف الإنسان دون سائر الأحياء , بتعمير الأرض , وضبط مسيرة الحياة بوحي السماء.! فالحرية لها ضوابطها , وتبعاتها , التي تجعل الإنسان علي حذرٍ مما يفعل , ويقظةٍ لما يريد , وإلا أصبحت فوضى تحيل حياة الناس إلي جحيم لا يطاق . ولذا , فالبون شاسع بين الحرية والفوضى , بين من يكون حرا مسؤولا منضبطا في أقواله وأفعاله , ومن يكون عبدا سائبا عابثا يقول ما يؤذي , ويفعل ما يضر ..! إن ما يموج به المجتمع من شحن وتصعيد وإثارة وتحريض , من قبل الإعلام , وبعض القوي السياسية , ليس من الحرية في شيء , بل هو من ( الفوضى العابثة ) التي أدت – بالفعل – إلي الانفعال وزيادة حدة التوتر, وسفك الدماء , وإزهاق الأرواح البريئة , والتعدي علي المؤسسات , وتخريب المنشآت. إن الكثير من الإعلاميين لا يحملون رسالة بناء , بل باسم حرية ( الرأي والتعبير) ينفّذون مخططات الهدم والتدمير .! وإن من يسمون بجبهة الإنقاذ – زورا وبهتانا – لا يسعون إلي إنقاذ الوطن , وحقن الدماء , ووأد الفتن , بل يحاولون - بكل ما يملكون من قوة - الانقلاب علي الشرعية , وهدم كل ما قام من مكتسبات الثورة , لتعود البلاد إلي مربع الصفر .. إن من يريد إنقاذ البلاد , لا يدعو إلي زيادة الاحتقان بالحشد والجمع , ولا يوفر غطاء سياسيا للفوضى والتخريب . لقد ضرب النبي الكريم – صلي الله عليه وسلم – مثلا يوضح البون الشاسع بين الحر القائم علي حراسة سفينة البلاد والعمل علي إنقاذها وإنقاذ من عليها من الهلاك والغرق , والفوضوي العابث الذي – من أجل مآربه الذاتية – يسعي جاهدا لإغراق السفينة وهلاك من عليها . عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ , فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا , فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا " ( رواه البخاري ) ليت القوم يعلمون , أن الجميع – علي اختلاف التوجه وتباين الانتماء – علي سفينة واحدة , ولا ينقذها من الغرق إلا الحرية المسؤولة والنصيحة الخالصة لا الفوضى العابثة , والفضيحة الكاذبة . إن التاريخ لم ولن يرحم , وستلاحق لعناتُه كلَ من أساء استغلال الحرية , ودعا تحت مظلتها إلي الفوضى والهمجية , وقتل النفوس البريئة , وتخريب منشآت الدولة الحيوية . فالبون شاسع , بين الإعلام الهادف الصدوق , والإعلام المغرض الكذوب , وبين جبهة إنقاذ الوطن , وجبهة تدمير الوطن , وبين الحرية المسؤولة , والفوضى المجنونة .! ___________ داعية ، وباحث في الفكر الإسلامي أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]