انتهي التصويت علي التعديل الدستوري في مصر ومرت الأمور بسلام آمنة علي الرغم من بعض المناوشات والتشويش في بعض أحياء العاصمة المصرية القاهرة والذي ردت عليه السلطات الأمنية بتشنج غير مبرر، حتي أن بعض المراقبين اعتبره نتيجة إرسال ضوء أخضر من البيت الأبيض لقمع المعارضة وهو أمر محير فعلا. نسبة المشاركة في الإستفتاء لم تكن كبيرة والظاهر أن السلطة لم تكن ترغب في أن تكون المشاركة الشعبية مشاركة واسعة تجعل من الديمقراطية كما لو كانت مطلبا في متناول الشعب المصري الذي نعتقد أنه أصبح بحق جديرا بحياة سياسية متطورة حتي لا تبقي إسرائيل في أنظار الغرب هي الديمقراطية الوحيدة التي يثق فيها الشريك الغربي المهيمن علي اللعبة في الشرق الأوسط. ليس الهدف من هذا الكلام تكرار الحديث عن أنماط الانتخابات العربية الكلاسيكية التي عهدناها والتي أدمنت عليها الأنظمة العربية وفق اللعبة المرسومة سلفا، لكن هي فرصة ذهبية للوقوف علي حقيقة الظاهرة الجديدة الآخذة في النمو في الساحتين السياسية والإعلامية في العالم العربي، فقد أصبحت لدينا نخب مشاركة لأنظمتنا في الحكم عن بعد، فهي تلعب بوعي منها وبتكليف من السلطة، دور سحرة فرعون فتزين لها كل سلوك. ومن سوء حظنا أن هذه النخبة يندرج ضمنها الفنان والكاتب والمفكر وأستاذ الجامعة فلم يعد للمجتمع المدني وقواه الحية أي دور سوي تزيين السلطة وحمل الرأي العام علي القبول بسلوكها مهما كان منافيا لمصالحنا كشعوب ولطموحاتنا القومية كأمة. مهمة هذا الصنف من الكتاب والاعلاميين والسياسيين الإنصات لمطالب الشارع والاستيلاء علي هذه المطالب من خلال ترجمتها إلي مقالات ذات عناوين بارزة في الصحف الرسمية وشبه الرسمية والمستقلة حتي في الدول العربية فيصبح الحديث عنها من قبل المعارضة بمثابة الترديد لما ترفعه الحكومة وأنصارها. بل إن الأمر تعدي ذلك إلي تحويل هذه المطالب إلي مسلسلات ومسرحيات وفنون وأغنية الهدف منها تلهية الرأي العام وتخديره عن الفعل وصرفه عن متاعبه اليومية وإشغاله عن التفكير في القضايا الكبري وتثبيط الهمة عن إنجاز ما هو منوط بالمواطن الحر. هذه الظاهرة الشبيهة تقريبا بشعراء البلاط والمديح في السنوات الخوالي برزت بوضوح وجلاء في الساحتين الإعلامية والسياسية في مصر خصوصا في الأسابيع الأخيرة التي سبقت الاستفتاء، فقد تعالت الأصوات المناهضة لعملية التعديل الذي اعتبرته مناورة لإسكات البيت الأبيض وإرضائه بمثل هذه الإجراءات السياسية التي لا تتعدي نصوص الدستور ولا تترجم إلي أفعال تقي المواطن المصري من الشذوذ السلوكي للدولة. كما ظهرت أصوات أخري مكلفة بمهمة انتقاد النظام وتعرية عورته المغلظة مقابل أن يفعل النظام نفسه وهو الذي كلف شعراء العصر بالهجاء والمديح في نفس الوقت، فالمعارض مكلف بمهمة الضحك علي الدهماء في حين تباشر الدولة أبشع أشكال الاغتصاب: فعلي المستوي السياسي تضرب الحكومة بيد من حديد علي أصوات المعارضة الفاعلة ومنها حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين التي وجدت علي الساحة منذ أكثر من سبعة عقود والتي قبلت باللعبة السياسية والتزمت بمراعاة مصالح مصر العليا لعلها تجد مكانا تحت الشمس، فما راعنا إلا وقد زجت السلطات الأمنية بمئات منهم في السجون إلا لمجرد التظاهر للمطالبة في أن يكون هذا التعديل متماشيا مع متطلبات ما يطمح إليه الشعب المصري. إن أرض الكنانة وحب هذا القلب النابض هو الذي يدفعنا لتناول أوضاع مصر التي لو استقامت لوفرت علي المنطقة برمتها جملة من المصاعب والأزمات المزمنة، فنحن ننتقد هذه الأوضاع لحبنا وشفقتنا علي إخواننا في هذا البلد الكبير وليس تشفيا ولا حبا في هدر أوقاتنا. وفي الحالة المصرية فإن الملاحظ أنه عندما ترعد سماء واشنطن ينزل المطر الديمقراطي من السماء العربية، فتري النيل يحمل دستورا جديدا ليبشر به الشارع المصري ويزف إليه ميلاد مسيح جديد لا أقصد دجالا بالطبع بإمكانه دستوريا أن يكون بديلا جديدا لعزيز مصر الذي حكم البلاد من غير يوسف فحرم المصريين من وزير نبي سمته الحفظ والأمانة وهما الشرطان الضروريان لأي أمن واستقرار وتقدم. المعارضة الدينية التي مثلها يوسف النبي بعد أن أفرج عنه الرئيس مبارك والذي تقلد أخطر منصب في الحكومة Chanceller . لم يستعمل العصا لجمع أكثر ما يمكن من الجباية وتكديسها في خزائن الدولة بل رسم خطة اقتصادية محكمة لا مكان فيها للفساد الإداري، وأني له ذلك وهو نبي لذلك لم نعجب من عدم ارتياح الرئيس بوش لما حدث في مصر حيث قال: فكرة أن يعبر الناس عن معارضتهم للحكومة ثم يتعرضون للضرب ليست وجهة نظرنا بشأن الكيفية التي يجب أن تكون عليها الديمقراطية . ولذلك نقول إن ما تحتاجه مصر لتنهض اليوم من جديد هو ما احتاجته ماضيا: قوة وأمانة وصدق لتنفيذ سياسات واضحة المعالم وولوج درب الديمقراطية الذي ينبغي أن يكون خيارا استراتيجيا لا رجعة عنه. إن مصادرة الحريات في الوطن العربي بعد خروجه من حروب الاستقلال واستفراد هذه القوي الجديدة ممثلة في القائد الملهم والزعيم المنقذ الذي حل مؤسسات المجتمع المدني التقليدية لفائدة مشاريع تحديثية تخدم مصلحة الخارج علي حساب الداخل، والفتك بكل الخصوم والمعارضين السياسيين وتحويل ثلاثة مليون نسمة إلي Pouieres d individus = Dusts of individuals كما كان يصف أحد الزعماء العرب البارزين، واستمرار هذه الدول في التداين وخوض حروب لا ناقة ولا جمل فيها للشعوب العربية هو الذي ارتهن القرار السياسي للخارج، فحول هذه الحكومات إلي أداة بيد الخارج الذي استعملها لضرب شعوبها فلما فشلت علي كل المستويات ويئس من إمكان إصلاحها فافتقرت إلي الحد الأدني من المصداقية أصبحت عبئا علي الغرب الذي ضاق بها ذرعا فتسلط عليها ليملي خططه في الإصلاح القهري!