الدكتور محمد سليم العوا من المفكرين الرواد الذين لا ينكر فضلهم وتميزهم إلا جاحد وقد شاء الله أن أقترب منه فأنا أحد مريديه (إن صح التعبير) في جمعية مصر للثقافة والحوار التي تتشرف برئاسته وأتشرف أنا بعضويتها، وهو في العادة من يعقد قران أولادي وبناتي الذين تزوجوا ما لم يكن خارج البلاد. ورغم هذه العلاقة المتجذرة فأحياناً ما أختلف مع بعض آرائه وأطروحاته كما حدث في موضوع فتوى إباحة قتل المسلم الأمريكي لأخيه المسلم الأفغاني ضمن الغزوة الأمريكيةلأفغانستان وفي موضوع تجريد حملة الشيوخ لإنقاذ صنم (بوذا) من التدمير على يد حكومة إمارة أفغانستان الإسلامية وهذا الاختلاف يزيد من قدر الأستاذ العوا ولا ينقصه خاصة إذا جاء من أحد تلاميذه. وها أنذا أختلف معه من جديد فقد كتب مقالا بجريدة الأسبوع المصرية نقلته عنها المصريون تحت عنوان الأحزاب الجديدة وقد قدم إليه بمقدمة رائعة حيث قال: ( في أوقات الشدة الوطنية يرى كل ذي رأي أن واجبه تقديم ما يستطيع تقديمه إلى وطنه. ويرى الذين يمارسون العمل السياسي اليومي، أو يتمنون ممارسته، أن الرأي وحده لا يكفي، وبعضهم يرى أنه لا يجدي، ولذلك يتجمع المتقاربون من هؤلاء ليكونوا أشكالاً جديدة من القوى السياسية فهذه حركة، وهذا تجمع، وهذه جبهة) ثم أثنى على حركة كفاية حيث قال: ( في مصر لدينا حركة كفاية التي ولدت من رحم تجمع مناضلين أفراد منهم ذوي الماضي اليساري، والناصري، والإسلامي، ومنهم المنتمون إلى أحزاب قائمة ومنهم من لم ينتم إلى حزب أصلاً وهي تعبر عن نفسها بالتظاهر والكتابة وتطالب بديمقراطية حقيقية وحرية كاملة) وأثنى كذلك على التجمع الوليد برئاسة الدكتور عزيز صدقي حيث قال:( ولدينا محاولة جادة لإنشاء تجمع سياسي جديد يضم شخصيات معروفة ذات ماض سياسي في الحكم وخارجه). وأثنى بعد ذلك على الجميع حيث قال:( وهذه التجمعات هي في الواقع أحزاب، بالمعنى الكامل للكلمة، لا ينقصها إلا الترخيص الحكومي الذي نرجو أن يلغي قريباً عند تعديل قانون الأحزاب السياسية الموعود). ثم أزداد ثناؤه فقال:( إن هذه الأحزاب تكاد أن تكون معبرة عن كل ألوان الطيف السياسي بمصر، وربما صح أن نقول في العالم المعاصر). إلى هنا ونحن نتفق تماماً مع الأستاذ العوا إلا أنه بعد ذلك مباشرة تحول إلى اتجاه آخر تماماً بعيداً كل البعد عن المقدمات العظيمة التي ساقها قبل ذلك وبدأ بقوله ( رغم ذلك فإن هناك من ذوي التأثير الفكري والثقافي في المجال السياسي من لا ينتمون إلى أي من هذه الحركات والتجمعات) وهذا تقرير لا غبار عليه فطبيعة الأشياء أن يتواجد أناس يغردون خارج السرب وهم دائماً يمثلون الاستثناء من القاعدة لكن الغريب أنه عقب ذلك مباشرة بدأ الأستاذ العوا التنظير لهذا الاستثناء ليقعده كقاعدة ، وكأنه وبحسه العالي شعر بعدم منطقية الطرح فبدأ بالدفاع حيث قال:( وهم يتخذون هذا الموقف عن قناعة وبصيرة وليس لسبب آخر). ثم بدأ ينظر لعدم المشاركة في الفاعليات الموجودة والتي سبق الثناء عليها حيث قال:( فقد دعي إلى المشاركة في هذا التجمع أو في التحضير له عدد من الشخصيات الثقافية والفكرية وجدوا أن الانضواء تحت لواء أي تجمع يحد من استقلاليتهم ويقيد رؤيتهم ويؤدي بهم إلى الامتناع عن التعبير عن بعض ما يحبون التعبير عنه بالحرية التي يمارسونها الآن لا يقيدهم إلا ما تمليه عليهم ضمائرهم وما يرونه محققاً لمصلحة الوطن) ثم تطرف في الطرح حتى جعل هؤلاء المغردين خارج السرب فوق الأحزاب والجماعات في تعال غير مقبول حيث قال:( وتخسر الأوطان، أكثر مما تكسب الأحزاب والجماعات، إذا فقدت هؤلاء المستقلين المتحررين من كل قيد إلا قيد ما يمليه الضمير ويلزم به العقل وتدعو إليه المصالح الوطنية العامة) ومن وجهة نظري فهذا طرح يدعوا إلى الانعزالية داخل الأبراج العاجية بعيداً عن المواجهة وتحمل مسئوليتها ماسكين العصا من المنتصف ثم من الذي يحدد هذه النخبة المصطفاة.. وماذا لو اعتبر كبار الناشطين في كل الاتجاهات أنفسهم ضمن هذه النخبة المصطفاة، ألن ينفرط عقد كل التجمعات ويذهب ريحها ! هل هذا هو المطلوب؟ أما المراقب المحايد الذي لا تربطه عاطفة تجاه الدكتور العوا فأخشى أن يعتبر أن هذه من جنس الانتهازية التي ينطبق عليها قول الله تعالى في سورة النساء: {الَذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُوا ألَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وإن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا ألَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ونَمْنَعْكُم مِّنَ المُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ ولَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً.... مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إلَى هَؤُلاءِ ولا إلَى هَؤُلاءِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً}صدق الله العظيم ، مع كامل التحوط لفارق التصنيف ، لأن الصراع ليس بين إيمان وكفر ، وإنما بين إصلاح وفساد في الأرض عظيم .