شبابنا بخير ولا ينقصهم إلا التنظيم والتربية، لم يجدوا فى مجتمعهم بيئة تربوية أو تعليمًا حقيقيًا، وفى الحقيقة هم من ربوا أنفسهم باجتهادات شخصية لا تصيب كثيرًا، آباؤهم وأمهاتهم لديهم الكثير من المفاهيم الخاطئة للتربية ويتركون الأساسيات ويركزون على جزئيات لا تصلح وحدها، كما أنهم مشغولون عنهم بمكابدة الحياة. ليس هذا فحسب، بل إنهم بمجرد خروجهم للمجتمع يجدون حتى مخزون القيم الذى تربوا عليه فى أسرهم هو عملة قديمة غير قابلة للتداول، يضحك كل من يراها ويشيح بوجهه متهمًا صاحبها بأنه "قديم قديم يعنى". لابد من تدخل الدولة لسد فجوة التربية التى لم تعد البيوت قادرة عليها وحدها ولم تعد واردة أصلاً فى المدارس، لماذا لا تنشئ الدولة نظامًا خاصًا يستوعب الشباب بمجرد التخرج فيما يشبه نظام الخدمة العامة الذى كان معمولاً به من قبل، على أن يكون أكثر جدية وفعالية، حيث يتم إلحاق الشباب بمعسكر تدريبى ثلاثة شهور أولاً تطبق فيه مبادئ الجندية، الاستيقاظ مبكرًا وممارسة التدريبات البدنية والتعود على تحمل المشاق والالتزام بالمسئولية وتنفيذ الأوامر والصبر عليها مهما كانت. ثم بعد ذلك يكلفون إجباريًا بأداء الخدمة العامة لمدة عام فى مواقع بعيدة عن أسرهم، مقابل طعامهم وسكنهم وصرف راتب رمزى ، وفى خلال العمل الذى يؤدونه للدولة كواجب وطنى يستمر مخطط التثقيف والتوجيه لهم، فيقرر عليهم مبادئ الحياة الأسرية تمهيدًا لدورهم بعد ذلك كأزواج مسئولين عن أسرة، ثم نبذة عن تاريخ وجغرافية وطنهم، وتتاح لهم الفرصة لاكتشاف مواهبهم وتأهيلهم للعمل المناسب. ستكون فرصة رائعة لتعويدهم على الجلد والنشاط والصبر وتحمل المشاق، وأيضًا لتوجيههم فى العمل، فمن يجتهد ويحصل على تقدير مميز فى أحد المجالات يتم توجيهه للعمل المناسب فى القطاع العام أو الخاص، ومن يرد منهم إنشاء مشروع خاص يتم مساعدته وتوفير الإمكانيات له بأسعار وشروط ميسرة. هؤلاء الشباب طاقة جبارة، وهى طاقة إما أن توظف لصالح الوطن فتنهض به وتتقدم، أو تتحول لطاقة سائلة فى الشوارع والميادين تحترف المظاهرات والاعتصامات وتكتفى بالاحتجاج كوسيلة للتعبير عن نفسها ضد مجتمع ظالم لم يتح لشبابه فرصة تحقيق الذات واكتشاف القدرات وتوظيفها. البنات أيضًا تكون لهم مؤسسة مشابهة مع فارق واحد هو عدم تغريب الفتيات، فتتجه لأقرب مركز لسكنها لتتعلم كل المهارات النسائية من طهى وإدارة بيت ومعاملة الزوج وآداب المعاملات الاجتماعية وتتساوى مع الشباب فى تعلم أسس التربية الوطنية وإعادة اكتشاف الذات وتوجيهها. إن إعداد الشباب لمستقبلهم القريب كأزواج وزوجات وعاملين فى سبيل رفعة الوطن وبناء أنفسهم هو الخطوة الأولى التى اتخذتها جميع الدول المسلمة التى سبقتنا فى التنمية والنهضة مثل ماليزيا وتركيا وإيران، وقد أثبتت هذه المنظمات الشبابية جدواها وفعالياتها فى تنظيم جهود الشباب. لدينا شباب لا ينتظمون فى العمل لعجزهم عن الاستيقاظ المبكر والالتزام بمواعيد وشباب لا يعرف إمكانياته الحقيقية ولا يجد من يوجهه، لدينا شباب يتحلون بقدرات مميزة ولا يعرفون كيف يستثمرونها. لدينا فتيات رائعات، ولكن لا تعرف إحداهن كيف تدير بيتها أو تتعامل مع زوجها وأهله أو حتى ترعى طفلها عندما يأتى، ولذلك فإن الارتفاع الكبير فى نسب طلاق حديثى الزواج هو فى الأساس جهل وقصور فى الفهم والإعداد وسوء تصرف من الطرفين يؤدى إلى صدام وفشل، وحتى البيوت التى تستمر تُمتَلأ تعاسة وحزن ولا تعرف كيف تستمتع بمباهج الحياة. فى الحياة المعاصرة شديدة التعقيد، علينا أن ننظم ونستثمر البشر لأنهم أغلى وأثمن ما نملك، وخاصة الشباب ولا يكفى أن نتركهم يصرخون فى الشوارع صرخات تقول لمن يفهمها هذه طاقتنا وحيويتنا، فإما أن تحتوونها وتكون لكم ذخرًا وقوة، وإلا فاحذروا لأنها سترتد عليكم.