لم تتوقف عمليات التشويه والتخريب المتعمد بالعبارات المؤذية، من طرف بعض المواطنين، على وسائل المواصلات العامة مثل الأتوبيس والميكروباص والترام والقطار والمترو ومترو الأنفاق، بلّ امتدت للأبنية العامة والآثار التاريخية، وهو أمر خطير من منظور السياحة والمظهر الحضاري والجمالى، لدولة ومجتمع، يحملان بين جنباتهما عدة حضارات إنسانية. فقد وقفت مؤخرًا، مندهشًا حزينًا أمام عمليات التشويه المتعمد للأبنية العامة والجسور والأنفاق بمدينة القاهرة، وذلك عبر كلمات وعبارات (ثورية) كتبت من طرف البعض، على جدران مجمع التحرير ودورات المياه العامة – هى قليلة- بالميادين ومداخل مترو الأنفاق ومخارجه وجدرانه الداخلية، بل ومبنى نقابة الصحفيين. لا يتوقف التشويه والتخريب، على وضع مثل هذه الكتابات على الأبنية العامة، بل إن بعض تلك العبارات، تحمل كلمات خارجة وجارحة للرأي العام والمارّة، وهو أمر يشوه الثورة ذاتها ويلقى بظلاله على أخلاق شعب عريق، وبدلًا من تحول ميدان التحرير لمكان جاذب للسياح والأجانب والمصريين والعرب، تحول لمكان منفر طارد. عبر تلك المناظر والعبارات المؤذية التى وضعت على جدران مجمع التحرير وبقية الأبنية الموجودة بالميدان والشوارع المتصلة به، أو تلك الكلمات والعبارات المكتوبة على الخيم المحتلة لوسط وأركان الميدان. كنت فى غاية الخجل والاضطراب والحيّرة، حين طلب مني بعض الأجانب الذين أرافقهم، ترجمة الكلمات والعبارات المكتوبة على خيم المعتصمين بالميدان أو جدران المجمع وبقية الأبنية بالميدان أو على جدران محطات مترو الأنفاق. ماذا أترجم يا ربي؟! نفس عملية التخريب والتشويه المتعمدة وجدتها على جدران بعض الأبنية العامة بمدينة الإسكندرية، بل والأدهى، أن تجدها، عزيزي القارئ، على جدران الآثار التاريخية ومنها قلعة قايتباى التحفة المعمارية التاريخية! حتى الآثار التاريخية التى يتردد عليها السيّاح الأجانب للوقوف على قيمة وعظمة العمارة المصرية القديمة، يقوم البعض من الجيل الجديد، دون تفكير، بتشويهها بكلمات وعبارات وكتابات، لا معنى ولا قيمة لها. قد يقع البعض فى هذه الخطيئة الحضارية، ربما نتيجة لتردى أحوال منظومة التعليم والتأهيل والتدريب، وانصراف وسائل الإعلام العامة والخاصة، نحو التراشق والتصارع والتجاذب السياسي، بدلًا من القيام بدور التعليم والتوجيه والتنوير للمجتمع والأجيال أو ربما نتيجة للإهمال العائلي والأسري، الشائع، بترك الأطفال والصغار دون تربية وتوجيه. غير أن الشيء غير المفهوم، هو وقوف مجالس المحافظات والحكم المحلي والجمعيات الثقافية مكتوفة الأيدى أمام هذا التشويه، مع أن هذا من صميم عملها ودورها! عبر سنوات طويلة مضت، زرت الكثير من الآثار التاريخية لبعض البلاد، ودرت فى شوارعها وأزقتها وميادينها ولكنى لم أجد مثل هذه التصرفات الشاذة والغريبة، مع أن البعض من تلك البلدان، أقل قيمة تاريخية وحضارية من مصر. هذه الكتابات والعبارات والكلمات المشوهة لتاريخنا وأخلاقنا التى نراها بكثرة هذه الأيام على جدران الأبنية العامة أو الآثار التاريخية، مؤشر آخر على شكل التردى الذى وضعت فيه مصر وأجيالها الجديدة على أيدي الحكم العسكري الأمني الاستبدادي. ومن ثم، تكشف هذه التصرفات الشاذة، عن أن مشاكل مصر ليست منحصرة فقط، فى تردى الخدمات العامة أو نقص فى المواد البترولية والغذائية أو انهيار المرافق والبنية التحتية أو ضعف مستويات الدخل الفردي والقومي أو عجز الموازنة العامة، أو حتى تغيير أفراد الحكم، بل هناك أزمة نفسية وهوة حضارية كبيرة، لدى الجيل الذى ولد ونشأ فى ظل الحكم الفاشل للعسكريين. وإذا كانت المشاكل ذات الطابع المادي والمالي، يمكن أن تشهد تحسنًا ما، مع مرور الأيام وتغيّر معدلات العمل والإنتاج، غير أن الهوة الحضارية للجيل الجديد، يمكن أن تأخذ سنوات طويلة من العمل والجهد والصبر من طرف المدنيين، لكى تشهد تغيّرًا جذريًا. فهل نبدأ العمل والإصلاح لمعالجة كم المشاكل المزمنة، ونتوقف عن الكلام والصياح والعويل الإعلامي؟!