من المؤكد أن تسجيل الأحداث التاريخية الكبرى بمختلف الوسائل يكون على درجة قصوى من الأهمية وخاصة إذا ما واكبت الوسيلة الحدث أو كانت قريبة منه، إذ أن تاريخ الأمم تكتبه الوقائع اليومية التى تسجلها وسائل الإعلام المختلفة سواء منها المكتوبة أو المرئية. والأفلام السينمائية من وسائل الإعلام ذات التأثير المباشر أو غير المباشر على تشكيل الوجدان وتوجيهه فى الاتجاه المطلوب.. وبعد مرور تسعة وثلاثين عاما على حرب رمضان (أكتوبر 1973) المجيدة، نلاحظ أننا لم نوف هذه الحرب حقها من ناحية القصور الشديد فى عمل أفلام سينمائية تواكب الحدث الكبير، ولم نوف أبطالها حقهم، سواء منهم الشهداء والجرحى، أو من اجتاز هذه الحرب سالما ثم رحل إلى ربه بعدها، أو من بقى حيًا وهو شاهد عليها حتى يومنا هذا.. ويتساءل البعض: هل من المعقول أن يكون تسجيلنا لمثل هذه الحرب العظيمة هزيلاً إلى درجة اختزالها فى بضعة أفلام لا تتجاوز فى عددها أصابع اليد الواحدة على مدى 39 سنة؟ أم أن اتفاقاً ما قد أبرم على عدم تسجيل هذا الحدث الكبير فى صورة أفلام سينمائية؟ إننى أرى أنه من الضرورى أن تسجل أحداث هذه الحرب العظيمة قبل أن يطوى أبطالها النسيان فى أفلام سينمائية تحكى لشباب هذه الأمة كيف قاتل آباؤهم وكيف أبلوا البلاء الحسن، وكيف كان سعيهم إلى الشهادة فى شهر رمضان المعظم، وكيف أن "الله أكبر" قد زلزلت الأرض من تحت أقدام بنى يهود المتغطرسين الظالمين المغتصبين لأرض الغير، أصحاب الأكذوبة الكبرى بأن جيشهم لا يقهر.. وقد قصم الله ظهره.. البطولة والفداء.. الرجولة والإباء.. الدفاع عن الأرض والعرض.. رفض المذلة والخنوع.. طلب الشهادة فى سبيل الله لتبقى كلمة الله هى العليا، هذه المفاهيم العظيمة التى سطرها أبناء مصر بدمائهم فى حرب العاشر من رمضان، ستظل مفخرة الأمة على مدى تاريخها بعد أن عبرت بنا فى عام 1973 الهزيمة النفسية التى لحقت بنا فى 1967.. إن من شبابنا من ولد بعد عام 1973، ويتوق إلى التعرف على صور البطولة والفداء التى سجلها الآباء والأجداد، وحياة كل واحد منهم يمكنها أن تكون قصة لفيلم سينمائى يبرز هذه الشجاعة النادرة.. فاختراق خط بارليف قصة، وخراطيم المياه قصة، ولمصمم كبارى العبور قصة، ولصائد الدبابات قصة، وللمدفعية وشجعانها قصة، ولمضادات الطائرات قصة، ولشهداء الطيران قصة، ولمقاتلى البحرية قصة، ولأسر عساف إيجورى ولوائه المدرع قصة، وهكذا توجد آلاف القصص الواقعية التى يمكن أن يحكيها من كان شاهدا عليها وخاض غمارها، فلكل من شارك فى هذه الحرب قصة حياة وطموحات وأمل.. أليست هذه القصص أهم وأجدى من الغثاء الذى تقدمه السينما المصرية والذى يؤدى كثير منه إلى تخريب البقية الأخلاقية المتبقية؟ إننا لا نحتاج إلى مؤلفين لكتابة قصص الفداء، فهذه الحرب فيها من الوقائع ما هو أعظم من أى قصص تحكى، إذ أن فيها من الأحداث التى سجلها أبطالها الذين خاضوا غمارها ما يصلح لعمل العديد من الأفلام العظيمة.. تنتج السينما الأمريكية أفلامًا عن الحرب العالمية الثانية أفلامًا حتى يومنا هذا على الرغم من مرور ما يقارب 70 عامًا على انتهائها، وعن حرب فيتنام التى انتهت فى الستينيات، وفى جميع هذه الأفلام يظهر المقاتل الأمريكى فى صورة البطل الشجاع الذى لم تنجب البشرية مثله.. ذلك لأن مثل هذه الصورة (المبالغ فيها أحيانا مثل سلسلة أفلام رامبو)، تجعل الثقة تنمو فى نفس المواطن بجيشه، كما تعطى القدوة الحسنة فى من يدافعون عن أوطانهم، فضلاً عن إخافة من تسول له نفسه مهاجمة هذا الجيش.. لا يكفى نشر بعض ذكريات القادة الصناديد على صفحات الصحف فى شهر أكتوبر من كل عام، إذ أن تأثير الأفلام السينمائية يتجاوز تأثير الصحف بكثير، لذلك فتكون الأفلام السينمائية بجانب الصحف على درجة كبيرة من الأهمية.. فهل نأمل فى أن نرى فى القريب أفلامًا سينمائية واقعية محترمة، ينشغل بها كتاب القصة لسنين طويلة، تسجل لنا قصصًَا من بقى على قيد الحياة من مجاهدينا الذين عاصروا هذه الحرب، يحكونها بأفواههم قبل أن يرحلوا عنا؟ إننى أهيب بكل وطنى مخلص أن يدفع فى هذا الاتجاه، ولعل جيشنا الباسل يقوم بتمويل بعض هذه الأفلام كجزء من تاريخه المشرف؟