نكبتنا في نخبتنا التي لم تشارك في الثورة، وكان أغلبها مع النظام السابق إلا القليل من المقاومين، وكلهم تقريبًا الآن انقلبوا وصاروا يتصدرون الثورة زورًا وبهتانًا، هذه النخبة السياسية الآن في خصام وثرثرة وتضييع للوقت من أجل أهداف شخصية أو فئوية، والوطن أصبح مثل الجريح الذي ينزف دمًا في الصحراء، وينهش لحمه هؤلاء الوحوش. إذا شعرت أن هذا الكلام يتطابق إلى حد كبير مع الوضع الذي نعايشه هذه الأيام في مصر، فلا تستغرب عندما تعرف أنه بالفعل صدر منذ أيام.. ولكن على لسان رئيس الوزراء التونسي (حمادي الجبالي) الذي تعيش بلاده أزمة قريبة الشبه من الأزمة الحالية في مصر، وبالرغم من أن البعض ما زال يحسد تونس على اختيارها طريق الدستور أولًا، إلا أن النتيجة التي وصلت إليها الثورة في البلدين تكاد تتطابق تمامًا، بدءًا من أغلبية برلمانية نالتها الأحزاب التي تمثل تيار الإخوان المسلمين، لتصبح من بعدها على رأس السلطة التنفيذية في كلا البلدين، وصولًا إلى مشهد الاستقطاب والانقسام الذي تعايشه البلدان اليوم، والذي نحتاج أن نعيد قراءته بهدوء لنفهم الحقائق ونعرف الدوافع. اشتعلت الأحداث في تونس بشكل مفاجئ يوم 27 نوفمبر (لا تستغرب من تطابق التوقيت مع مصر)، عندما دعا الاتحاد العام للشغل (إتحاد العمال) إلى الإضراب العام والتظاهر في ولاية (سليانة)، للمطالبة بتحسين أوضاعهم الاجتماعية، وإطلاق سراح بعض المسجونين، والمطالبة بإقالة محافظ الولاية، حيث وقعت اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن أسفرت عن وقوع أكثر من 220 إصابة بين الأهالي، الذين ردوا بحرق الإطارات المطّاطية وغلق الطرقات وحرق مراكز الأمن والمقرات الحكومية في أكثر من مدينة، لتبدأ سلسلة من المظاهرات المعارضة التي قادها (اتحاد الشغل)، قابلتها مجموعة من المظاهرات المؤيدة لسياسة الحكومة، ويأتي يوم 4 ديسمبر حاملًا الاشتباك الأول بين المؤيدين والمعارضين، حيث كانت تلك البداية لمجموعة من الاعتداءات التي طالت مقرات حزب النهضة وكذلك اتحاد الشغل، وهو ما دعا الرئيس التونسي (منصف المرزوقي) إلى إلقاء خطاب يدعو فيه لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة، وهي الدعوة التي رفضها حزب النهضة الحاكم، لأنها ليست من صلاحيات رئيس الدولة، (أرجوك أن تعتبر تعدي الاختصاصات من باب المصادفة) وقابلها اتحاد الشغل بالدعوة إلى الإضراب العام، والعصيان المدني في كل تونس يوم 13 ديسمبر القادم. بالطبع يمكن قراءة المشهد بزوايا مختلفة، فقد توحدت مواقف المعارضة ممثلة في (اتحاد الشغل) و(الجبهة الشعبية)، التي تضم مجموعة من الأحزاب اليسارية والقومية، عندما اعتبرت أن حركة النهضة ومن خلال ميليشياتها (لا تستغرب من استخدام نفس مصطلح الميليشيات) تدفع البلاد نحو الفوضى والعنف، وأعلن نواب المعارضة مقاطعتهم لجلسات المجلس احتجاجًا على الأحداث، أما حزب النهضة فقد وجه الاتهام لبعض الأطراف المعادية للثورة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، وقدم بعض التنازلات عندما وافق على تبديل المحافظ بمساعد يقوم بتسيير الأعمال، والتحقيق في التجاوزات المنسوبة للمحافظ. البعض يؤكد أن كلمة السر في الحالة المصرية والتونسية هي قانون العزل السياسي، حيث يستعد المجلس التأسيسي التونسي الآن لإقرار قانون يمنع المسئولين الحكوميين بالحزب الحاكم في عهد الرئيس المخلوع (زين العابدين بن علي)، من الانضمام إلى أحزاب أخرى، ومن المشاركة في الحياة السياسية طيلة 5 سنوات، وهو قريب من المادة التي تم إضافتها للدستور المصري لعزل قيادات الحزب الوطني من ممارسة السياسة لعشر سنوات، ولكن أيًا كانت الأسباب الحقيقية لتصاعد الأحداث في البلدين فينبغي أن نتوقف بهدوء مع كلمات الشيخ (راشد الغنوشي) زعيم حزب النهضة والتي تهمنا كثيرًا في قراءة المشهد الحالي: (ما دمنا جميعًا نحتكم إلى قواعد العملية الديمقراطية.. فيجب أن نعرف أن هناك طريقتان لتغيير الحكومات، إما اللجوء إلى البرلمان لسحب الأغلبية منها، أو انتظار الانتخابات القادمة، إذا كانت الانتخابات النزيهة هي التي جاءت بالحكومة، فلا يمكن إسقاطها في الشارع.. حتى وإن خرجت المظاهرات بالملايين). [email protected]