تابعت الحوار الإنسانى المشبوب بصراع العواطف المتلاطمة كأمواج بحر هائج، بين الكاتبة الكبيرة صافى ناز كاظم وابنتها الناشطة نوارة نجم، صافى ناز منحازة بقوة إلى موقف الرئيس محمد مرسى وترى أنه محق فيما اتخذه من إجراءات لضمان الوصول إلى صندوق الاستفتاء لاستجلاء حكم الشعب وقرار الشعب المصرى واختياره، وأن معسكر الناصريين والبرادعى والفلول هو معسكر انتهازى ومتآمر ويدفع بالبلاد إلى شر مستطير، بالمقابل نوارة لها موقف شديد السلبية من الإخوان بشكل عام وترى أنهم مشروع استبداد وأن الإجراءات التى اتخذها الرئيس محمد مرسى استبدادية وفرعونية ولا تبشر بخير، دخلت الأم وابنتها عبر شبكات التواصل الاجتماعى فى حوار أو جدل سياسى مثير، كل منهما تريد أن تقنع الأخرى بصحة فكرتها وسلامة موقفها، وأنا أعرف الاثنتين منذ كانت نوارة طفلة صغيرة تسكن مع والدتها فى شقة بأول شارع الجيش بميدان العباسية، قبل أن ينتقلا إلى مساكن هيئة تدريس جامعة عين شمس، وصافى ناز كاظم حالة استثنائية فى النخبة المصرية، لم أر لها مثيلاً بين نساء جيلها فى صلابتها السياسية والفكرية ونبلها فى الخلاف وصراحتها أيضًا، أو كما يقول العامة: اللى على قلبها على لسانها، وأذكر أنى عندما ذهبت إليها قبل عشرين عامًا بكتاب جديد لى لنشره، وكانت مديرة النشر فى دار نشر كبيرة قالت لى بعد أسابيع: أنا هانشر كتابك رغم أنى لست مقتنعة بأفكارك لكن أنا عاجبنى أسلوبك فقط فى الكتابة، فقلت لها: شكرًا، والمهم تنشرى الكتاب!!، وقد سبب لها ذلك الصفاء والصراحة مشكلات كثيرة حرمتها من حقوق مهنية وثقافية فى مجتمع درج على النفاق والتعامل بأكثر من وجه، رغم أنها قامة كبيرة فى جيلها، واصطدمت مع كبار رجال الدولة فى أيام عنف الدولة وداستهم بالأقدام ولم تعبأ، وخلافها شهير مع يوسف السباعى عندما كان وزيرًا وأراد إذلالها فلم يقدر، واعتقلت صافى ناز أكثر من مرة بسبب مواقفها السياسية المعارضة، ونوارة أو نوارة الانتصار كما كانت تسميها أمها فى كثير من طباعها نسخة من أمها، أخذت عنها الصلابة والجرأة والاعتداد بالنفس والصراحة الجارحة أحياناً، ولكنها أخذت من أبيها الشاعر "فؤاد نجم" بعض انفلات اللسان، وهو يعطى أحياناً انطباعاً ليس صحيحًا عن شخصيتها وأخلاقها، فى الجدل السياسى المشبوب بين الأم وابنتها لم تجد الأم فى النهاية سوى أن تدعو لها: اللهم اهد ابنتى، بينما نوارة بكل اندفاع الشباب وعصبيتهم أرادت أن تنهى الحوار بما تعرفه من "نقطة ضعف" أمها، وهو نوارة ذاتها، لأنها عند صافى ناز كاظم "الدنيا وما فيها"، قرة عينها وحبة قلبها، فدعت على نفسها أن تموت على يد الإخوان حتى تشعر أمها بالذنب من موقفها المؤيد للرئيس مرسى!! الحوار بين صافى ناز ونوارة يصحح الكثير من الصور المغلوطة التى يروجها إعلام مضلل ومزور، فلا صافى ناز كاظم أخذت "كيسين سكر وكيسين شاى" من الإخوان لكى تدافع عن محمد مرسى، ولا نوارة اتخذت موقفها المعارض من أجل التآمر على الوطن أو حتى على الرئيس نفسه، هى تعددية سياسية حتى داخل البيت نفسه، حتى بين الرجل وأبيه أو الأم وابنتها، ولولا تسلل الفلول إلى هذا الحراك السياسى ومنح بعض "الزعماء" غطاءً سياسيًا وإعلاميًا لجرائمهم بل وتحالفهم معهم، لأفضى هذا الجدل والحراك السياسى إلى تطور وعى الأمة وتعزيز مكاسب ثورتها وترسيخ قواعد الديمقراطية فيها، وأذكر أنه فى استفتاء مارس الشهير فى أعقاب الثورة كان هذا الانقسام فى الرأى داخل البيت الواحد، بل كان داخل الأسرة المتدينة نفسها، فالزوج الملتحى ذهب لوجهة فى التصويت والزوجة المنتقبة ذهبت لوجهة أخرى، فلا الأمة منقسمة ولا الحرب الأهلية قائمة، ولكنه الترويع المزيف، والرغبة فى تشويه مجمل الحراك السياسى من قبل من يشعرون بالخسارة أمام صندوق الديمقراطية.