قل للغني المستعز بماله ... مهلًا لقد أسرفت في الخيلاء جبل الفقير أخوك من طين ومن ... ماء ومن طين جبلت وماء فمن الفسالة أن يراك مبذرًا ... ويكون رهن مصائب وبلاء وتظل ترفل في الحرير أمامه ... وتراه قد أمسى بغير كساء انصر أخاك فإن فعلت كفيته ... ذلّ السؤال ومنّة البخلاء يا أغنياء وما الغنى بمشرف ... ما لم يكن أهلوه أهل سخاء إن كانت الفقراء لا تجزيكم ... فالله يجزيكم عن الفقراء هكذا تحدث الشاعر المهجري عن الفقراء وضرورة أن يشعر الغني بالفقير ويساعده قدر ما استطاع، إنه إيليا ضاهر أبو ماضي الذي ولد في مثل هذا اليوم عام 1889 بقرية المحيدثة بلبنان، ويأتي الثالث بين شعراء المهجر، بعد جبران وميخائيل نعيمة. يزخر شعر أبي ماضي بالتفاؤل والإقبال على الحياة بإسباغ الجمال على البشر والطبيعة، ويستثنى من ذلك درته الشهيرة "الطلاسم"، وكمعظم المهجريين يتصف بالجرأة في التعامل مع اللغة ومع القالب العمودي الموروث . نشأ أبو ماضي في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة؛ فدخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة. عندما اشتد به الفقر في لبنان، رحل إيليا إلى مصر عام 1902 بهدف التجارة مع عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ، وهناك التقى بأنطون الجميل، الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة "الزهور" فأعجب بذكائه وعصاميته إعجابًا شديدًا ودعاه إلى الكتابة بالمجلة، فنشر أولى قصائده بالمجلة، وتوالى نشر أعماله، إلى أن جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم "تذكار الماضي" الذي صدر عام 1911م عن المطبعة المصرية، وكان أبو ماضي إذ ذاك يبلغ من العمر 22 عامًا. اتجه أبو ماضي إلى نظم الشعر في الموضوعات الوطنية والسياسية، فلم يسلم من مطاردة السلطات، فاضطر للهجرة إلى أمريكا عام 1912 حيث استقر أولًا في مدينة "سنسناتي" بولاية أوهايو، وأقام فيها مدة أربع سنوات عمل فيها بالتجارة مع أخيه البكر مراد، ثم رحل إلى نيويورك وفي "بروكلين"، شارك في تأسيس "الرابطة القلمية" في الولاياتالمتحدةالأمريكية مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. أصدر مجلة "السمير" عام 1929م، التي تعد مصدرًا أوليًا لأدب إيليا أبو ماضي، كما تعد مصدرًا أساسيًا من مصادر الأدب المهجري، حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر، وبخاصة أدباء المهجر الشمالي كثيرًا من إنتاجهم الأدبي شعرًا ونثرًا، واستمرت في الصدور حتى وفاة الشاعر عام 1957م . يعتبر إيليا من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة، ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره، ولاسيما الشعر الذي قاله في ظل الرابطة القلمية وتأثر فيه بمدرسة جبران. أهم الأعمال دواوين: تذكار الماضي، إيليا أبو ماضي، الجداول، الخمائل، تبر وتراب.