نقيب أطباء مصر: لن نقبل بحبس الطبيب طالما لم يخالف قوانين الدولة    بعد افتتاحه.. كل ماتريد معرفته عن البيانات والحوسبة السحابية الحكومية    نائب وزير الإسكان يؤكد على أهمية توفير الفرص الاستثمارية بالمدن الجديدة    أبرزها جودة التعليم والتصنيع الزراعى.. ملفات على طاولة مجلس الشيوخ    مستشفيات جامعة الأزهر تستقبل مصابي غزة ومرافقيهم وتقدم لهم الرعاية الطبية الكاملة    الدولار اليوم.. أسعار العملات في البنك الأهلي وموقف السوق السوداء الأحد 28-4-2024    معيط: آخر فرصة للاستفادة من مبادرة استيراد سيارات المصريين بالخارج "غدا"    نيابة عن رئيس الجمهورية.. «مدبولي» يُشارك في الجلسة الافتتاحية للاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    وزير خارجية فرنسا يعلن تقديم مقترحات لمسؤولين لبنانيين لمنع التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل    مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى في سادس أيام عيد الفصح اليهودي    موعد مباراة آرسنال وتوتنهام اليوم في الدوري الإنجليزي    بوكايو ساكا يطارد رقمًا قياسيًا في الدوري الإنجليزي.. شباك توتنهام الطريق    «هيوافق».. شوبير يكشف كواليس صادمة بشأن انتقال محمد صلاح للدوري السعودي    التفاصيل الكاملة ل جريمة طفل شبرا.. كيف راح ضحية «الدارك ويب»؟    «الداخلية»: شرطة المرور تضبط 21866 مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط 2.25 طن دقيق مدعم قبل تهريبه وبيعه في السوق السوداء بالشرقية    الرئيس السيسي للشباب: حاجة تشتغلها وأنت في بيتك ممكن تدخلك 100 ألف دولار في الشهر    «الوثائقية» تُعلن عرض ندوة نادرة ل نور الشريف في ذكرى ميلاده    الرئيس السيسى: إنشاء رقمنة فى مصر تحقق التقدم المطلوب    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    بدء التشغيل التجريبي لوحدة كلى الأطفال الجديدة بمستشفى أبوكبير المركزي    أقباط الأقصر يحتفلون بأحد الشعانين في كاتدرائية الأنبا متاؤس الفاخوري.. صور    محافظة القاهرة تستمر في أعمال إزالة الإشغالات والتعديات عن الأرصفة    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    شكوك حول مشاركة ثنائي بايرن أمام ريال مدريد    إصابة جندي إسرائيلي في هجوم صاروخي على منطقة ميرون    محافظة القليوبية: توريد 25565 طن قمح للشون والصوامع بالمحافظة    إدخال 183 شاحنة مساعدات إلى غزة عبر معبر كرم أبوسالم    خالد محمود يكتب: مهرجان مالمو للسينما العربية.. حضرت المدارس وتميزت الأفلام الوثائقية    مصرع شخص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم بصحراوي أسوان    مطروح تستعد لامتحانات الترم الثاني.. غرف عمليات ومراعاة مواصفات الأسئلة    الصحة: تقديم الخدمات الطبية لأكثر من مليون مواطن فوق سن 65 عاما ضمن برنامج رعاية كبار السن    42 عاما على تحريرها تنمية سيناء رد الجميل لشهداء الوطن    غدا.. «بلينكن» يزور السعودية لمناقشة وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    بعد اتهامها بالزنا.. عبير الشرقاوى تدافع عن ميار الببلاوى وتهاجم محمد أبو بكر    أنا وقلمى .. القادم أسوأ    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : شكرا سيدى على الدعوة00!؟    انطلاق دورة دراسات الجدوى وخطط الصيانة ضمن البرنامج التدريبي للقيادات المحلية    العودة في نفس اليوم.. تفاصيل قيام رحلة اليوم الواحد للاحتفال بشم النسيم    التصريح بدفن جثة شاب لقى مصرعه أسفل عجلات القطار بالقليوبية    بطلوا تريندات وهمية.. مها الصغير ترد على شائعات انفصالها عن أحمد السقا    سعر الدولار الأحد 28 أبريل 2024 في البنوك    تصفح هذه المواقع آثم.. أول تعليق من الأزهر على جريمة الDark Web    السكك الحديد تعلن عن رحلة اليوم الواحد لقضاء شم النسيم بالإسكندرية    رفض الاعتذار.. حسام غالي يكشف كواليس خلافه مع كوبر    مصرع 5 أشخاص وإصابة 33 آخرين في إعصار بالصين    آمال ماهر ل فيتو: مدرسة السهل الممتنع موهبة ربانية ومتمرسة عليها منذ الطفولة    اشتباكات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي غرب رام الله    فضل الصلاة على النبي.. أفضل الصيغ لها    بالأسماء.. مصرع 5 أشخاص وإصابة 8 في حادث تصادم بالدقهلية    هل مرض الكبد وراثي؟.. اتخذ الاحتياطات اللازمة    ما حكم سجود التلاوة في أوقات النهي؟.. دار الإفتاء تجيب    نصف تتويج.. عودة باريس بالتعادل لا تكفي لحسم اللقب ولكن    اليوم، أولى جلسات دعوى إلغاء ترخيص مدرسة ران الألمانية بسبب تدريس المثلية الجنسية    أمير هشام يفجر مفاجأة بشأن احتفال محمد عبدالمنعم المثير للجدل    هل يمكن لجسمك أن يقول «لا مزيد من الحديد»؟    ما هي أبرز علامات وأعراض ضربة الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة موضوعية لمسودة الدستور
نشر في المصريون يوم 14 - 11 - 2012

فى البداية أحب أن أوضح الحالة الآنية للعمل الإسلامى بصفة عامة ومدى قوته أو ضعفه
وفى حقيقة الأمر إن الأمة لها حالتين وهما: إما حالة ضعف وإنكسار وإما حالة عز وإستقرار وبينهما فى أغلب الأحيان مراحل إنتقالية للعبور من هذه الى تلك
إن ما نعيشه اليوم بعد ثورة 25 يناير وتقدم العاملين فى الحركة الإسلامية مع جموع الشعب المصرى ليثورا ضد نظام مبارك المعادى للفكرة الإسلامية ولتطبيقها فى أرض الواقع ، إنما هو نقلة هائلة للعمل الإسلامى والعاملين تحت ظلاله ، فنحن كنا فى حالة ضعف وإنكسار قبل هذه الثورة المباركة ولم ننتقل بعد الى حالة التمكين والإستقرار ، فنحن إذن فى مرحلة إنتقالية من الضعف الى التمكين
وبناءاً عليه فإن هذا يتطلب منا أن نحدد أهدافنا وطموحاتنا فى هذه المرحلة بغاية الدقة وهذا يطرح علينا التساؤل الآتى:
هل نحن فى مرحلة إقامة شريعة الله أم أننا فى مرحلة بسط حريات لنا ولغيرنا؟
إن إسلام الفرد المسلم لا يتم إلا بعد أن يحكم شريعة الله فى كل صغيرة أو كبيرة فى حياته الفردية أو فى حياته المجتمعية لأن هذا أصل من اصول ديننا وهو من صلب توحيدنا لله تعالى فالإسلام هو قبول شرع الله ورفض ما سواه ، وهذا الأمر من جهة الشرعة لكننا يا إخوانى نتعبد الى الله بأمرين هما الشرعة والمنهاج أى الشريعة وطريقة إقامتها ، فالشريعة تقول لنا هذا حلال وهذا حرام وهذا توحيد وهذا شرك أما الطريقة والمنهاج فيقول لنا كيفية إقامة هذه الأحكام ، لذلك قال الله لنا {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} المائدة48 ،
لذلك فإننى أريد أن أضع أمام حضراتكم تبيانا لطريقته صلى الله عليه وسلم فى إقامة الدين فى الفترة المكية وايضا بداية العهد المدنى حتى يتبين لنا كيف نتحرك اليوم وحتى نحاول أن نجيب على التساؤل المطروح
لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا ، لا شك أنهم كانوا فى مكة المكرمة فى حالة إستضعاف وأيضا فى بداية العهد المدنى بعد هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الى المدينة وإقامة دولته فيها كان الأمر كذلك ، ألم تقرأوا يا إخوانى قول الله عز وجل فى سورة آل عمران {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 123 وغزوة بدر هذه كانت فى شهر رمضان للسنة الثانية لهجرته صلى الله عليه وسلم أى فى السنة الخامسة عشرة لبعثته صلى الله عليه وسلم ورغم ذلك يصف الله عز وجل حال المسلمين بالضعف وايضا فى قوله تعالى {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الأنفال26 نجد تأكيدا لنفس الحالة.
لذلك ليس معنى أن حاكما مسلما حكم البلاد أن التمكين الكامل للإسلام قد تم وأن حالة الأمان الشاملة قد عمت ، لكنها إرادة الله أن يمن على الذين استضعفوا فى الأرض {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص5 حتى ينظر سبحانه وتعالى كيف نعمل لإقامة هذا الدين ولتمكينه حتى تخلص الأرض كلها لله {قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}الأعراف129 ، لذلك ماذا كان يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه الفترة المكية وبداية العهد المدنى؟ إنما كان يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذه المرحلة إنما هو تخلية الطريق أمام الدعوة الإسلامية لكى تنطلق الى الناس دون عوائق أوحواجز وحتى يبلغ دين الله للناس كما أراده الله ، لذلك انظروا ماذا كان يطلب رسول الله من الناس فى مكة ، فعن جابر بن عبد الله قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يعرض نفسه على الناس بعكاظ ومكة وفي الموسم يقول: من ينصرني؟ من يؤويني؟ حتى أبلغ رسالة ربي عزّ وجلّ وله الجنة.
ولماذا هاجر صحابة الرسول الى الحبشة ، إنهم هاجروا لكى يجدوا بيئة يتحركون فيها بكل هدأة وطمانينة ولأنهم كنز رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يحافظ عليهم ولم يعودوا إليه حينما هاجر الى المدينة رغم تغير الظروف وإقامة الدولةالإسلامية ولكنهم عادوا بعد غزوة خيبر اى بعد سبع سنوات من الهجرة الى المدينة وبعد القضاء على اليهود أهل الفتنة والخديعة والكره للإسلام أى بعد استقرار الدولة الإسلامية مما يؤكد مدى حرصه صلى الله عليه وسلم على توافر مناخ الحرية لصحابته حتى يفتحوا الدنيا كلها بعد ذلك وهذا الذى حصل بعد عودتهم فكانوا هم الفاتحين والقادة للبلاد بعدها
ولماذا ذهب رسول الله الى الطائف فى السنة العاشرة لبعثته ، ذهب لأنه بدأ يستشعر أن الحالة والمناخ فى مكة فيه من الظلم والقهر والإستبداد مما قد لا يسمح بنشر الدعوة وإقامة الدولة فى هذا المكان لذلك ذهب الى الطائف لعله يجد فيها مأوى ويجد فيها منعة له حتى يبلغ دين الله الى الناس بحرية
وأيضا فى نهاية العهد المكى فى السنة الثانية عشرة لنبوته صلى الله عليه وسلم فى بيعة العقبة الثانية وهى تمهيدا لإقامة الدولة بعد بضعة شهور ماذا قال رسول الله للمبايعين له فى آخر شرط يشرطه عليهم ألم يقل لهم {وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم يثرب، تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة} وحتى قبيل صلح الحديبية فى السنة السادسة من الهجرة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ! لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلَّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ الَّذِي أَرَادُوا، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوَّةٌ، فَمَا تظنّ قُرَيْش، فو الله لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ عَلَى الَّذِي بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السَّالِفَةُ }، إذن الذى كان يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم فى فترات الضعف هو أن يجد مناخا صالحا فيه من الحرية له ولصحابته حتى تصل رسالته صافية نقية واضحة الى الناس كافة ، وحينها تقبل الناس على دين الله والإلتزام به وفهمه كما أراده الله ، وهذا ايضا هو الهدف من شرعة الجهاد فى سبيل الله لأنه إنما شرع لإزالة الطواغيت من أمام الدعاة حتى يوصلوا رسالتهم الى الناس دون شوشرة من الأنظمة الأرضية المحاربة للشريعة وحتى تتاح للناس فرصة إلقاء السمع والإنصات الى من يدعونهم الى جنات ربهم
لذلك نحن اليوم لسنا فى مرحلة إقامة شريعة الله ولكننا فى مرحلة حريات عامة مع المحاولات الجادة والمستمرة لإستقرار قيمة الحرية فى المجتمع المصرى والتى تسمح لنا بالتحرك فى كل الإتجاهات ونشر دين الله بفهم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح حتى نصل بالناس الى أن يكونوا مع الحركة الإسلامية ولكن ليس من منطلقات عاطفية أو لأننا أفضل من الآخرين أو لأننا أكثر أمانة منهم أو لأنه فى ظل الشريعة يكثر الخير والنماء والمال وإن كان هذا كله سيتحقق بإذن الله حينما يحكم الشرع النبيل ، ولكن من منطلقات عقدية واضحة لا لبس فيها ولا عاطفة أى يقفون معنا لأن الوقوف مع شريعة الله اسلام والوقوف ضدها ومع غيرها ردة وكفر وحينها فقط ينحازالناس للقضية الإسلامية ولا تتذبذب مواقفهم مرة مع التيار الإسلامى ومرة مع العلمانيين دون ثبات وإستقرار وذلك لعدم وضوح فكرتنا الإسلامية ومشروعنا الإسلامى
لذلك الشرعة تقول لنا أنه يجب على كل مسلم أن يناصر قضية تطبيق وتحكيم الشريعة ويقف معها ولا يقف مع غيرها ولا يتهاون فى أمر المطالبة بتحكيمها والسعى الى ذلك ومنهاج النبوة لإقامة هذه الشرعة يقول لنا أن قضيتكم هذه هى قضية عقدية ولكن لابد وأن تسعوا الى إيجاد بيئة يتوافر فيها من حفظ الكرامة الإنسانية ومن إتاحة الحريات العامة لكل الناس حتى تبلغوا رسالات الله الى الناس كما أرادها الله عز وجل دون معوقات وفى هذه الحالة تصل كلمات ربنا الى الناس وتدخل الهداية الى قلوبهم ويقبل الناس على دين الله أفواجا
وبعد هذه المقدمة الطويلة فإننى أنتقل مع حضراتكم الى مسألة الدستور وهل تحقق مسودة الدستور الصادرة بتاريخ 24 10 2012 هذا الهدف الواضح وهو صياغة ما حصلنا عليه من حريات بعد ثورة 25 يناير فى نسق عام يحفظ لنا حرياتنا وكرامتنا؟
بداية أحب أن أوضح لحضراتكم أن أى دستور يوضع للناس لينظم لهم الطريقة والمرجعيات التى يرجعون إليها حالة اختلافاتهم انما يظل حبرا على ورق ويمكن العبث به والتحايل عليه وقد يبقى ولكن مع وقف التنفيذ لذلك فإن مسالة الدستور هى مسألة مدى حيوية وفاعلية المجتمع ليحافظ على إمكانية تفعيل مواده ، فإن كانت المجتمعات مجتمعات حية كان دستورها ايضا حيا وفعالا وإن كانت ميتة فدستورها فى فى حالة همود ، لذلك فإن كل الدساتير المصرية السابقة (دستور 1923 ، والإعلان الدستورى المؤقت عام 1953 ، ودستور 1956 ، والإعلان الدستورى لعام 1961 ، ودستور 1971) كانت تنص على أن السيادة للشعب ومع ذلك شاهد الشعب فى ظل هذه الدساتير من الإهانة والإمتهان والسحق وإنتهاك حرياته وكرامته ما لا مثيل له ، لذلك علي الشعوب أن تحافظ دائما وأبدا على إستحقاقاتها وحقوقها التى تنالها لا على الأوراق ولكن فى أرض الواقع.
لقد قرأت مواد الدستور مادة مادة ولم أستطع الاهتداء الى قواعد جديدة حاكمة تضمن ألا تعود هذه السيادة الشعبية الى موقعها القديم فى قبضة نفوذ السلطة ، لذلك أخشى ما أخشاه أن نكون أمام سيادة للشعب على طريقة أجهزة أمن الدولة السابقة ومن الملفت للنظر ان المادة 49 تكفل الدولة سلامة الانتخابات وجديتها ونزاهتها وهل نصت الدساتير السابقة على غير ذلك من التزوير الفاضح والذى وصل ذروته فى انتخابات 2010 ، لذلك يقول الشاعر الكبير فاروق جويدة (اعترف بأننى عجزت فى قراءتى لمسودة الدستور فى العثور عن الضمانات الحاكمة لعدم استنساخ الديكتاتورية والاستبداد) ولذلك تجد نصا يبيح للحكومة حل مجلس الشعب الذى يفترض فيه أنه يحاسبها
أمر آخر ملحوظ بقوة فى هذه المسودة أنها أعطت لكل أصحاب عقيدة ما يرغبون في اثباته والنص عليه من المواد فمثلا تجد المادة 2 تتحدث عن الشريعة الإسلامية للمسلمين وإن كان النص الموجود بالمسودة الحالية لا يفى بطموح الإسلاميين لأنهم يطمحون فى أن يكون النص كالتالى :الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع والمادة 3 تتحدث عن حقوق المسيحيين واليهود فى التحاكم الى شرائعهم وهذا أمر مباح لهم فى شريعتنا فلا ضير فى وجود نص كهذا ، وأيضا فإن الدستور أعطى لكل مجموعة من المصريين لها توجه معين سواء اسلامى أو ليبرالى فى أن يتبنى ما يشاء من الآراء والأفكار بل ويكتبها وينشرها ويصورها أى حرية مطلقة لا رادع لها اللهم إلا اذا كان التيار الإسلامى فعالا وله قوة فى مؤسسات الدولة من الممكن أن يفعّل نص المادة 2 وشارحتها المادة 220 والمادة 40 والتى تنص على حظر الإساءة أوالتعريض بالرسل كافة (والغريب أن هذه المادة لم تنص على حظر الإساءة الى الذات الالهية) فى تقييد تلك الحرية المطلقة ولكن اذا كان التيار الليبرالى هو صاحب السلطة فسيفعل المادة 41 والتى تنص على أن لكل انسان حق التعبير عن فكره ورأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبيروايضا سيفعل المادة 44 والتى تنص على الحرية المطلقة للصحافة والاعلام وحظر الرقابة على ما تنشره تماما
ولذلك فالتوجه صاحب الوجود الفعال سيكون له الكلمة الفصل فى تفسير الدستور لذلك أعتقد أننا سنشهد سجالات ومعارك عديدة فى مرحلة ما بعد الدستور ، لكن الدستور إجمالا يتيح الحريات للجميع وعلى العاملين فى الحقل الإسلامى التوجه بسرعة الى عموم الأمة المصرية وعرض دين الله المنزل (اسلام الفطرة) على الناس فى هذا المناخ من الحرية الذى يتيحه الدستور لأن هذه هى الضمانة الوحيدة لتفعيل المواد التى تحافظ على شريعتنا وهويتنا وحرياتنا.
أمر آخر يخص مسألة الحريات وهو أن مجلس الدفاع الوطنى غالبيته من العسكريين وهو مجلس غير فنى وبالتالى كان يجب أن يكون هناك تمثيل أكبر للمدنيين فيه, وايضا هناك غموض فى مسألة ميزانية القوات المسلحة وكيف يمكن أن تدار ومسألة محاسبة المخالفين والمختلسين منهم أمام القضاء العسكرى وهو فى حقيقة الأمر ليس بقضاء وهو أمر داخلى خاص بالقوات المسلحة وأعطت مسودة الدستور استقلالية تامة لهذا النوع من القضاء وأن قضاته غير قابلين للعزل وهذا أمر مرفوض تماما كما أن وجوب أخذ رأي مجلس الدفاع الوطنى فى مشروعات القوانين المتعلقة به تعتبر معطلة للمجلس التشريعى فى إقرار ما يراه مناسبا من قوانين خاصة به
أما بالنسبة للنائب العام فهو نائب عن المجتمع نيابة عامة فى تحريك الدعوى والادعاء فيها امام المحكمة المختصة فهو صاحب الدعوى الجنائية وهو النائب العمومى المختص بالدفاع عن مصالح المجتمع وبالتالى من المهم أن تكون مدته أربع سنوات كما نصت المادة 178 أما مسألة أن غالبية الجهات القضائية أنهم مستقلون تماما وغير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم إلا للقانون وهم أهل القانون وخاصته فهذه فيها من إعطائهم صلاحيات فائقة وغير عادية وكان من الممكن أن تكون هناك لجان منتخبة لمراقبة هذه السلطات من مجلسى الشعب والشيوخ المنتخبين
يتضح لى أن الدولة بالشكل الحالى سيكون بها من الحريات لكل الجهات سواء التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية وأجهزة المراقبة والمحاسبة وأن هناك فصل بين السلطات غير عادى وأظنه زائدا عن حده وأيضا حريات مكفولة لكل الإتجاهات الفكرية من اسلامية وعلمانية وللأدباء والفنانين وغيرهم فهو دستور مريح لكل الناس بمختلف مشاربهم وعلى حسب قوة كل تيار فى الشارع يستطيع أن يجيش إمكاناته المادية والإعلامية والمجتمعية للضغط للوصول الى اهدافه والمحافظة على آماله وطموحاته والشيئ الغريب الملاحظ أنه رغم هذه الحالة من الإستقلاليات فى الدولة بمعنى أنه لن يكون هناك رئيس واحد فى الدولة بل رؤساء كُثُر ، لم يتم النص على أهمية البحث العلمى وعمل هيئة بحثية مستقلة له أيضا لإدارة شئون البحث العلمى الصادر من الجامعات أو من مراكز البحوث على حد سواء للتنسيق بينهم وأيضا للربط بين الجهات البحثية والجهات التطبيقية التنفيذية فى الدولة لضمان خروج الأبحاث الى حيز التنفيذ خاصة أننا نريد أن ننهض بمصرنا بعد هذه الثورة المباركة وأنه لا نهضة حقيقية إلا بالعلم والتكنولوجيا
بقى لى فى النهاية أن أبين لكم أن المادة 67 والتى تنص على حظر تشغيل الأطفال قبل تجاوزهم سن الإلزام التعليمى فى أعمال لا تناسب أعمارهم ، أن هذه المادة فيها من الظلم للأطفال الكثير وهذه هى الفئة الوحيدة فى المجتمع المصرى التى لم تأخذ حريتها فى الدستور لأننى لا أفهم ولا أريد أن أتفهم على الإطلاق أى أعمال تناسب أطفال لم يتجاوز أعمارهم 6 سنوات لذلك أرجو من السادة الفضلاء واضعى الدستور فى اللجنة التأسيسية أن يلغوا الفقرة التى تقول (فى أعمال لا تناسب أعمارهم) فى هذه المادة
فى نهاية الأمر فإن هذا الدستور لا يرقى لطموحات التيار الإسلامى فى إقامة شريعته ولكننا فى مرحلة إتاحة الحريات لكل الناس والتخلية بيننا وبين جموع المصريين ومواد هذا الدستور تتيح لنا هذه الفرصة فليعرض العاملين فى الحركة الإسلامية مشروعهم الرامى لإقامة دين الله على المصريين بكل وضوح وشفافية ودقة لمفاهيم الإسلام وسيأتى الله بالناس لهم أفواجا
أخيرا فما كان من توفيق فمن الله وحده لا شريك له وما كان من خطأ فمنى ومن الشيطان والله ورسوله منه براء
أخوكم د. محمد أحمد نصر
الباحث والناشط السياسى الإسلامى
أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.