بعد ستة أيام، يتجه الناخبون المصريون المقيدون بالجداول والبالغ عددهم اثنين وثلاثين مليون ناخب، إلى صناديق الانتخاب لاختيار أحد المرشحين العشرة المتنافسين على منصب رئيس الجمهورية. لقد فتحت هذه المعركة -الأولى من نوعها في مصر- آفاق الحوار السياسي على أقصاه على نحو علني في المجالين السياسي والاقتصادي، وهو ما طرح أمام الجمهور تنويعة خصبة من البرامج والمراجعات. وإذا كان المرشحون العشرة قد أجمعوا على قضية تعديل الدستور الحالي، لإكسابه طابعاً ديمقراطياً يحقق الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فإن هذا الإجماع الذي مثل أولوية لديهم حدثت فيه تفاوتات في الدرجة المطلوبة للتعديل. ففي حين طرح مرشحا حزبي الوفد والغد د. نعمان جمعة ود. أيمن نور، فكرة التغيير الشامل للدستور وتبعهما في هذا الطرح بعض مرشحي الأحزاب الصغيرة مثل د. فوزي غزال مرشح حزب مصر 2000، فإن مرشح الحزب الوطني، وهو الرئيس مبارك، حدد مواضيع بعينها في الدستور الحالي لتكون محل التعديلات المستهدفة. ويقوم طرح التغيير الشامل للدستور على آلية متشابهة لدى المرشحين، وهي الوعد بإنشاء جمعية وطنية من الخبراء والشخصيات العامة والسياسية وقيادات المجتمع المدني فور انتهاء الانتخابات لصياغة دستور جديد للبلاد، يقدم للحوار المجتمعي الواسع، ثم يطرح للاستفتاء لكسب تأييد الشعب له. في حين يقوم طرح الحزب الوطني ومرشحه الرئيس مبارك على أساس إعطاء سلطة إقرار التعديلات الجزئية المقترحة للبرلمان المصري الجديد الذي سينتخب في شهر نوفمبر. ويلاحظ أن الطروح في المجال الاقتصادي تعكس فروقاً جوهرية بصورة أكبر بين المرشحين، ففي حين يسير مرشح الحزب الوطني في اتجاه يجمع بين تشجيع النمو الرأسمالي، من خلال تشجيع القطاع الخاص على لعب دور أكبر في عملية قيادة الاقتصاد من ناحية، وبين الاهتمام بمحدودي الدخل والطبقات الضعيفة من ناحية ثانية، ويسايره في هذا التوجه المتوازن الحزبان المعارضان الكبيران، "الوفد" و"الغد"، نجد الأحزاب الصغيرة تقدم مواقف ذات طابع يساري اشتراكي، مثل حزب مصر العربي الاشتراكي الذي يمثله في المعركة الرئاسية المرشح وحيد الأقصري، ومثل حزب التكافل الذي رشح أسامة شلتوت. لقد ارتفعت من جديد في مصر نبرة الدفاع عن التوجه الاشتراكي ورفض برامج الخصخصة وبيع شركات القطاع العام والمناداة بالدور الأكبر للدولة في عملية التنمية وإدارة الاقتصاد من خلال مرشحي الأحزاب اليسارية الصغيرة. ورغم هذه الفروق الجوهرية في التوجه الاقتصادي، فإن هناك قضايا عاجلة احتلت نفس الأولوية في برامج جميع الأحزاب خاصة فيما يتعلق بالمعالجة اللازمة لمشكلة البطالة المتفاقمة بين الشباب، ولمشكلة انخفاض الدخل الفعلي لطبقة الموظفين على تنوع التخصصات والأعمال، نتيجة لضعف الأجور من ناحية وازدياد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار من ناحية ثانية. كذلك احتلت قضية محاربة الفقر من خلال برامج التأمين الصحي ومدّ مظلة التأمينات الاجتماعية وتأمين معاش لمن لا عائل له وتخصيص إعانات للبطالة، نفس الأولوية في برامج جميع المرشحين بطروح ومداخل مختلفة للحلول. ومن القضايا التي ركز عليها مرشحو أحزاب المعارضة منذ بداية الحملة، قضية محاربة الفساد الحكومي الذي يؤدي إلى إهدار الثروة الوطنية.. وكذلك قضية البذخ الحكومي والإنفاق المسرف، وهما قضيتان التفت إليهما منظمو الحملة الانتخابية للرئيس مبارك بعد أيام من انطلاق المعركة الرئاسية عندما لاحظوا أن وقع الحديث فيهما يجتذب الأسماع إلى مرشحي المعارضة، فبدأوا في طرح حلول للمشكلتين. خلاصة القول هنا إن المعركة الانتخابية الرئاسية قد أبرزت كل مشكلات الحياة المصرية إلى السطح لأول مرة، ليس فقط في الصحف المعارضة بل وأيضاً في التلفزيون الرسمي والصحف المملوكة للدولة بما يضع الناخب أمام القرار بتحديد المرشح الذي يعبر عن الأولويات التي تهمه أكثر من غيرها حسب شريحته الاجتماعية. ------- صحيفة الاتحاد الاماراتية في 1 -9 -2005