كمال حبيب رجعت إلي الدعاء التي يستحب للمسلم أن يذكره في ليلة القدر فوجدته ماعلمه النبي صلي الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ، ووجدتني أعود للمعجم لمعرفة معني " العفو " ، لماذا الدعاء بالعفو ، فوجدت مادة العفو تدور حول الزوال والمحو ، فيقال " عفا الأثر " إذا زال وانمحي ويقال " عفت الريح الأثر " أي محته ودرسته والدرس هنا يفيد معني أكثر من مجرد الزوال ففيه معني تحطيم الذنوب ، وعفا له بماله أي أعطاه مازاد علي نفقته ، وعفا عن الذنب أي لم يعاقب عليه . وأعفي فلانا من الأمر أي أسقطه عنه فلم يحاسبه عليه ولم يطالبه به ، والعافية معناه البراءة من العلل ، والمعافاة من الجندية أي إسقاط واجب التجنيد عن الشخص لسبب يدعو لذلك ، وأذكر أن زملاءنا الذين حصلوا علي شهادة المعافاة من التجنيد كانوا فرحين بها جدا ، وكأنها المعافاة من هم ثقيل . وتعافي فلان من المرض أي نال العافية والسلامة ، واستعفي من كلفه أي أسقط عنه التكليف . والعافية هي الصحة التامة ، والعفو هو مازاد علي الحاجة . أظن أن البيان اللغوي للكلمة أجاب علي سؤالنا لماذا هذا الدعاء ؟ لماذا تقول أمنا عائشة رضي الله عنها ليلة القدر " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ففي الدعاء شهادة لله بما هو أهله في هذه الليلة المباركة التي تتنزل فيها الملائكة والروح حتي مطلع الفجر ، وهي سلام وأمان طوال ليلها ، وأظن أن سلامها والله أعلم راجع لما يقدره " العفو " في هذا الليلة وهو المعافاة والمسامحة والعافية أي السلامة التامة من الذنوب لمن وافي ليلها ، فالعافية التي تصيب المسلم في هذه الليلة هي عافية الروح والضمير ، واليوم رأيت مريضاَ يمسك موضع قلبه من جسده وهو يتألم ، فحزنت له ، وكذا آلام الذنوب التي تصيب الروح والضمير هي أشد فتكا بالإنسان ، فشهادة المعافاة التي يمن بها الله علي المسلم في هذه الليلة المباركة هي التي تعافي ضميره وتريح باله وتصلح وجدانه . إن ليلة القدر هي ليلة المسامحة الكبري ، وكنا ونحن صغار في المدرسة نسمي يوم الأجازة من الكتاب " مسامحة " أي تركنا بلا إرهاق الذهاب إلي الكتاب . وكذا ليلة القدر هي ليلة التوبة الكبري والمسامحة العظيمة التي يمنحها الله لعباده الصائمين ، ولذا جاء في الأثر أن آخر رمضان " عتق من النار " ، فرمضان هو شهر العافية وهو شهر العفو وهو شهر المعافاة وهو شهر تجلي الله لعباده في مشهد من مشاهد أسمائه الحسني وهو " العفو" . سلام ليلة القدر ونزول الملائكة والروح علي المسلمين هو تعبير عن السلام أي العافية من الذنوب ورمضان يكفر الذنوب التي بينه وبين رمضان الذي بعده . معني العفو في هذه الليلة المباركة هو إنعام الله علي عباده المسلمين الصائمين بشهادة معافاتهم من الذنوب والعقاب والعذاب وراحة الضمير والبال التي لا تمنح إلا في مدرسة الصوم . فعلينا أن ندعو بهذا الدعاء الجميل السهل ليلة السابع والعشرين خاصة وليالي الوتر من العشر الأواخر في رمضان . [email protected]