لم يكتف العلم بإزاحة الكهنوت الديني في أوروبا في القرون الثلاثة الأخيرة ، بل واصل (معركته العلمية ) للإجهاز على فكرة الدين نفسه ، وأصبحت قضية( وجود الله) جزءا من الأبحاث و الدراسات العلمية التي ينبغي (اختبارها) وفقا للمنهج ) العلمي التجريبي الغربي.( وكان من نتيجة ذلك انتشار ظاهرة ما يسمى بالإلحاد العلمي ، وهو الأمر الذي دعا كثيرا من العلماء ذوي) الخلفية الدينية( إلى التصدي لتلك الموجة الإلحادية باتباع (منهج علمي آخر مضاد) للمنهج السائد حاليا والذي يطلق عليه stream science Main ،وقاموا بتأسيس منهج آخر لتفسير الكون ، أطلقوا عليه اسم التصميم الذكي Intelligent Design ، و هو اتجاه لقي دعما من معهد Discovery في الولاياتالمتحدةالأمريكية وينتمي إليه مجموعة من العلماء في التخصصات العلمية المختلفة . ونظرية التصميم الذكي أو ID لا تعنى بالتركيز على إثبات وجود إله دين معين بقدر ما تعنى بفكرة الألوهية أو الخلق ، فليس مهما هل هذا الإله هو إله المسيحيين أم البوذيين أم المسلمين . وقد أحرز أنصار التصميم الذكي تقدما ملحوظا في المواجهة مع الإلحاد و بخاصة نظرية التطور ، وذلك لعجز فرضية الانتخاب الطبيعي Natural selection عن تقديم تفسير مقنع لذلك التعقيد(complexity) في بنية الكائن الحي ، وخاصة مع اكتشاف (واتسون) و (كريك) للDNA عام 1953 ثم بعد ذلك التعرف على خريطة الجينوم البشري و الجينوم للكائنات الحية عموما بشكل يشبه شفرات الكمبيوتر و هم أمر لا يمكن أن يحدث تلقائيا دون وجود مصمم (خالق). و من أشهر العلماء الذين يؤيدون نظرية التصميم الذكي : جون أشتون ، وستيفن ماير ، و ديفيد بيرلينسكي و ستيف فولر وفيليب جونسون ومايكل دينتون وغيرهم ، وقد قاموا بكتابة العديد من الكتب الشهيرة يدور معظمها حول نقد و محاكمة نظرية داروين ، و إثبات قصورها العلمي . وقد شجع ذلك أنصار (الاتجاه الديني التقليدي) Creationists على التقاط أنفاسهم بعد أن تأكدوا من عجز النظريات الإلحادية عن تفسير الكثير من الحلقات المفقودة وفق منهجهم و اتجاههم (العلمي ) على الرغم من الضجيج الإعلامي الذي مارسوه وهم يبشرون بالإلحاد (دينا جديدا) لديه القدرة على ابتلاع كل خرافات (الدينيين) ، وقد تأكد (الدينيون) من أن أنصار الإلحاد العلمي وصلوا إلى طريق مسدود في تفسير نشأة الكون وبداية الحياة دون الحاجة إلى (خالق) ، فقدموا( أي علماء الإلحاد ) فرضيات لا تقل في بعض الأحيان عن خرافات و أساطير المعتقدات القديمة ، ولم يستطع ذلك ( العلم المزعوم) أن يقدم البديل العلمي المقنع دون اللجوء إلى تلك ( الأكروبات العلمية) هربا من فكرة الخالق ، وهذا دليل على أن تلك النظريات العلمية قد بنيت على افتراضات مغلوطة ابتداء، وإلا لما وصلت إلى ذلك المأزق (العلمي) .وقد حاول بعض أنصار نظرية الخلق creationism أن يوفقوا بين النصوص الدينية و الاكتشافات العلمية التي تتعارض مع ظاهر تلك النصوص بالوقوف في المنطقة الدافئة زاعمين أن لغة الكتب المقدسة لغة( مجازية) لا ينبغي أن تؤخذ بطريقة (حرفية )، وهو رأي مقبول لدى البعض .غير أن هناك اتجاها آخر أو أيدلوجيا أخرى ، تصر على أن لغة الكتب المقدسة وخصوصا القرآن لغة حقيقية لا تقبل المجاز في القضايا العلمية ، وأن ما يبدو من تعارض (ظاهري) بين النص و العلم يعود في حقيقته إلى خطأ النظرية العلمية نفسها ، وأن هذه النظرية سوف تصحح نفسها مع الوقت لتصل إلى حالة من التوافق مع النص . وأنا أميل إلى حد كبير إلى ذلك الاتجاه ، لكن المطلوب من أنصاره تقديم النظرية العلمية البديلة و المقنعة علميا بدلا من الاتكاء على النظرية الغربية والبحث عن شاهد لها في النص المقدس. ومن المتوقع في السنوات القادمة أن تشتد تلك المعارك بين تلك الأيدلوجيات حول الدين و العلم ، وهو أمر إيجابي يدفع الكثيرين إلى البحث و التساؤل ، وفي النهاية فإن العلم الصحيح لا يمكن أن يتصادم مع الدين الصحيح بل يدعمه ويتناغم معه ، وربما يأتي اليوم الذي يعلن فيه العلم أنه بحاجة إلى الدين .