قليل من شباب هذه الأيام من يقرأ ليوسف إدريس للأسف أو يعرفه أو حتى يعرف بضعة أشياء عنه رغم انه كان يعتبر نفسه في زمنه(رسول الكتابة) كما قال في احدى الحوارات ورغم انه صعد على قمة النجومية في (القصة) ووجد من يخدِم على هذه النجومية ,,وهو _كما غيره _تصور ان هذه القمه لا تسع إلا واحدا فقط فساهم في منع ظهور أي موهبة إلى جواره واستخدم السلطة في ذلك حتى اضحى هو بنفسة (سلطة ثقافية) كما قيل وأيضا استخدمته السلطة كما شاء لها الاستخدام والسلطة في هذا الوقت كان تستخدم المثقفين استخداما خديما خادوما ..وكان الأستاذ هيكل هو عراب كل الصفقات بين المثقفين والسلطة .. عدة محطات هامة استوقفتنى في سيرة يوسف إدريس رحمه الله واليوم 2/8 ذكرى وفاته من 28 عاما واذكر وقتها ان السيدة حرمة وفور إصابته بالجلطة اتصلت بالدكتور أسامة الباز وقالت له ان حياة زوجها في خطر فأمر بتجهيز طائرة إسعاف تحمله الى لندن لكن الأجل وافاه ,, وموقف د/أسامة الباز موقف رجل الدولة الذى يعرف لمن مثل يوسف ادريس قدره,, فقد خدم الرجل الدولة من موقعه أيما خدمة وكانت فكرة الحفاظ على الدولة من اهم شواغل د/ أسامة كما قال لنا أستاذي وأستاذ الجميع د/ عبد الوهاب المسيري .. علاقته بزملائه الروائيين والقصاصين وقد تناوله بكثير من الشروح والأدلة الناقد اليساري المعروف الأستاذ شعبان يوسف في كتابه الشهير (ضحايا يوسف إدريس وعصره) يقول الكاتب: ان كتابه هذا لا ينقص من قدر إدريس : (وأؤكد بأن كل هذه الأمور لا تنقص من تقديري لموهبة يوسف إدريس العاصفة في القصة القصيرة على وجه الخصوص ولا تنقص من صدقيته كذلك فهو كان يفعل كل ذلك منطلقا من شعوره الطاغي بذاته الفنية والأدبية والثقافية,, ذلك الشعور الذي جعله لا يرى أحدا قبله أو بعده أو أمامه!!!! وراح يطيح بكل من سبقوه وقال بأنه أول من كتب القصة المصرية وهكذا ألغى جيلين أو ثلاثة . لقد تحول الرجل الى سُلطة ثقافية؟ .... *** أجيال كاملة محاها او حاول محوها يوسف إدريس من الدكتور محمد حسين هيكل الأب الأول للرواية المصرية والعربية (زينب) عام 1914 ثم محمود تيمور فى القصة القصيرة(فى القطار)التى نشرها عام 1917 وحسين فوزى ومحمود طاهر لاشين ويحى حقى(قنديل ام هاشم)إلى سعد مكاوى وعبد الرحمن الخميسى وسهير القلماوى وأمين يوسف غراب ويحى حقى ويوسف جوهر ليس هذا فقط بل وامتدت هذه السلطة الماحية الى أبناء جيله : عبد الرحمن الشرقاوى ويوسف الشارونى وإدوارد الخراط وصلاح حافظ ومحمود السعدنى وعبد الله الطوخى ونعمان عاشور وألفريد فرج وصبرى موسى وسليمان فياض والكاتب الكبير مصطفى محمود الذى تجاوز كل ذلك ببرنامجه بالغ النجومية (العلم والإيمان). وكما اهتدت السلطة الى حنجرة عبد الحليم حافظ ومقال هيكل اهتدت الى يوسف إدريس ككاتب أول !! ... ومن خلال السلطة كان كل شىء يتم بسهولة سهيلة للغاية..(كان يخدم السلطة بكل ما يستطيع ومن هنا يستنتج أن هناك بالفعل ضحايا وهناك غرقى فى هذا المحيط الفنى) كما قال الأستاذ شعبان ويضرب مثلا مختلفا بالكاتب الموهوب (أبو المعاطى أبو النجا) الذى لم يكن منخرطا فى جماعات سياسية ولم يكن يعمل فى جريدة ينطلق منها للترويج,, يقول : ويعتبر أبو النجا علامة بالغة النصاعة والهدوء لذلك العصر العاصف عصر الحيرة والتساؤل والصعود القومى والانقلابات الفكرية الحادة دائما ما ترغب السلطة في دعم كاتب معين لتصنع منها (صانوعا) كبيرا لها مقابل أن يؤدي دورا في خدمتها لكن وكما يقول صديقنا الموهوب عمار على حسن: الدعم لا يناله كل أحد حتى لو سعى إليه إنما من تختاره السلطة وتتوافر فيه الشروط التي تريدها. لابد من توافر صفات عديدة أولها أن يكون موهوبا (كذلك كان هيكل وكذلك كان ادريس ..وكل من اتهم بانه صنيعة السلطان..كانوا موهوبون بالفعل) كي يكون قادرا على الإقناع وكذلك الدفاع عن الحاكم عند الطلب والقدرة على كتابة الخطابات العديدة وفي أوجهها المختلفة الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية وأيضا الهجوم على خصوم الحاكم وتسفيههم والسخرية منهم لدرجة التمزيق ولابد أن تأتي كل الخطابات في صياغات طبيعية أو شبه طبيعية . هكذا قال شعبان يوسف. *** المؤكد أن يوسف إدريس كان ابنا من أبناء اليسار وكان يسعى من خلال انتماؤه اليساري الى البحث عن (بقعة ضوء )سياسية تتيح له إبراز نجوميته فقد كان الرجل يعشق النجومية والأضواء وليس مثل السياسة في منح الأضواء والنجومية .. لكن السلطة ناوشته وأخذت وأعطت معاه,, كان يوسف إدريس من أعضاء حدتو القدامى(تنظيم ماركسى شهير) الذين تصادموا مع سلطة يوليو,, رأي إدريس أن الثورة تتمخض فتلد ديكتاتورية وبالفعل اعتقل يوسف إدريس ليخرج من السجن إلى قصر عابدين لمقابلة صلاح سالم كما قال ا/صلاح عيسى الذي يطلب منه التوسط في حل قضية وحدة مصر والسودان مع الحزب الشيوعي السوداني(!!) فشل صلاح سالم في مسعاه مع السودان لكنه نجح في مسعاه مع إدريس الذى كان قد بدا مراجعة الاستمرار مع (حدتو)وكانت هذه هي بداية اقتران إدريس بالسلطة من خلال المؤتمرات الحكومية ووزارة الثقافة والمؤتمر الإسلامي في عهد السادات. علاقة يوسف إدريس بالسادات كانت مشهورة فهو كان يكتب له بعض كتبه ومقالاته يقول إدريس نفسه : ظللت أعمل مع السادات حتى نقلني تماما من وزارة الصحة إلى المؤتمر الإسلامي لأتفرغ لكتابة ثلاثة كتب تحمل اسمه واعتبرتها مهمة وطنية عليا,, إذ أن أحدها كان عن حرب السويس الوطنية والعدوان الثلاثي ,, كان كتاب من خمسمئة صفحة وترجم ونشر باسم السادات في دار نشر هندية وزعته بالإنكليزية على العالم أجمع. *** لا انسى أيضا موقف يوسف إدريس من فوز نجيب محفوظ بنوبل عام 1988 وهو الموقف الذى ترك فيه إدريس العنان لنفسه دون أي ضوابط سياسية أو اجتماعية أو أخلاقية أو فنيه أو مهنية أو أى شيئية,, وراح يشنع ويهاجم ويتهم وقال: أنا الأحق من نجيب محفوظ وحصول نجيب محفوظ على الجائزة لم تكن بسبب تفوقه الأدبى لكن لأجل أسباب سياسية من أهمها تأييد محفوظ لزيارة السادات لإسرائيل ومعاهدة السلام. الحكايات تقول إن يوسف إدريس كانت لديه تربيطات من هنا ومن هناك وأيضا من كبار رجال الدولة بأن يكون المرشح العربى الوحيد لجائزة نوبل للأداب حتى انه اعلن في أكثر من لقاء أن بعض أعضاء اللجنة سربوا خبرا مفاده أنهم يؤيدون حصول يوسف إدريس للجائزة وهم متأكدون من ذلك وهكذا عشموا الرجل حتى اخذ في تخريم كل نقطه في أذنه واخذ يتحدث وكأنه قد حصل عليها بالفعل وإذ فجأة يتم الاعلان عن فوز نجيب محفوظ بنوبل للآداب! وقتها وبعد هدوء العاصفة كتب مقالا في الاهرام بعنوان (جائزة رفض الجائزة).. عم نجيب كان ابن بلد ويعرف يرد الصاع سبعمائة وقال معلقا على وصف إدريس بأنه أحق من نجيب محفوظ : إن يوسف إدريس لا يستحق جائزة نوبل ويكفيه حصوله على جائزة صدام حسين,, وحين اتصل إدريس بمحفوظ معتذرا وقال: لا تصدق ما سمعته عنى فهو غير صحيح.. فرد عليه المعلم الكبير(أنا ماسمعتش حاجة). طبعا يوسف إدريس لم يكن ليحتمل(نجومية )الراحل الكبير فضيلة الإمام محمد متولى الشعراوي وأدخل نفسه فيما شجر بين فضيلة الإمام والكاتب الكبير توفيق الحكيم عام 1983 وكتب مقالاً في الأهرام بعنوان(عفواً يا مولانا )وصف فيه فضيلة الشيخ بانه يتمتع بخصال راسبوتين المسلم(راسبوتين كاهن وساحر روسى)لديه قدرة على إقناع الجماهير البسيطة وقدرة على التمثيل بالذراعين وتعبيرات الوجه ويملك قدرات ممثل نصف موهوب... وحين شعر بأن الموضوع اكبر منه تراجع فورا وقال أنه من عشاق فضيلة الشيخ الشعراوي ويعتبره فلتة عبقرية إسلامية بل واهم ظاهرة دينية إسلامية ظهرت منذ أيام الأئمة الكبار أبو حنيفة والشافعي ومالك وابن تيمة وابن حنبل ,,وهو موقف كريم من إدريس,,وأذكر اننى قرأت كتابه(إسلام بلا ضفاف)واستفدت منه كثيرا. الكلام لا ينتهى عن هذا الكاتب الظاهرة في تكوينه واستمراره وانتاجه الغزير وعلاقاته بالدولة والمجتمع والناس وان كنا تحدثنا عن ال (أنا) التى كانت طاغيه في صولاته وجولاته فكذلك طبع(الإنسان) الذى يطغى ويكابر( إلا)...؟؟ وقلت قبلا أن(إلا) هذه التى ذكرت عقب كل وصف للإنسان في القرآن رحمت بنى الإنسان من أسوأ مصير ,,اذا انتبهوا لما بعدها من أوصاف ينبغى لهم الاتصاف بها . و لكن دعونا نحتفى بأمير القصة القصيرة في ذكرى وفاته ال 28 داعين له بالرحمة والمغفرة .