فى بداية فبراير سنة 1978 وصل إلى منزل البروفيسور عطية عامر أستاذ اللغة العربية بجامعة ستكهولم خطاب من الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة نوبل، تطلب منه أن يرشح أديبًا عربيًّا للجائزة الأهم عالميًّا. أتاه الخطاب يسعى بعد 11 عامًا من تبرعه بترشيح عميد الأدب العربى طه حسين للجائزة، فى عام 1967، وقت أن كان الزمن غير مناسب، لأن الغرب كله كان ضد مصر وضد عبد الناصر. السياسة والأدب كائنان لا يفترقان، إلا فى زمن الإخوان، لذلك كان الراحل أنور السادات يدعم توفيق الحكيم لنوبل، وكان السابق مبارك يزكى عبد الرحمن الشرقاوى، لكن اختيار الفيلسوف عامر بقى محفوظًا، كما يقول هو فى كتاب لم يُنشر بعد. وبعيدا عن صدق رواية الرجل التى ساقها الكاتب التونسى أحمد حسن كغام، ونشرتها جريدة «الأهرام» فى أوائل التسعينيات، أو حتى حواره المطول مع الصحفى وحيد موافى، الذى يُنشر فى كتاب قريبًا، وما يكتمه يوسف القعيد وجابر عصفور فى صدرهما، أو يصرحان به على استحياء عن ملابسات فوز محفوظ بنوبل، فإن صاحب «أولاد حارتنا» يستحقها. منذ وصول أول خطاب من الأكاديمية لعامر عام 1978 وتمر السنون، والجائزة تظهر كل عام بلا اسم عربى، وكل عام تطلب الأكاديمية من عامر مرشحًا، وكل عام يختار هو نجيب محفوظ، لكنها فى أحد الأعوام طلبت منه مرشحًا ثانيًّا، فرشح يوسف إدريس. عراق الثمانينيات كان قبلة للمثقفين والسياسيين العرب، على سبيل الدعم «الناعم» فى حربها ضد إيران، ليكون إلى جاور الدعم «العسكرى والمالى» من أمريكا وحلفائها من العرب، فقيل إن صدام حسين كان يعطى بعضهم ما سمى وقتها ب«كوبونات النفط» نظير دفاعه عن حزب البعث، ربما كان منهم يوسف إدريس، الذى وصل إلى العاصمة السويدية ستكهولم فى رحلة للترويج لنفسه مرتديًّا فى يده ساعة عليها صورة الرئيس العراقى الراحل، أثارت استياء كل من شاهدها. وكغام هو صاحب دار المعارف فى سوسة بتونس، سأله مرة عن حقيقة ما يقال عن دور عامر فى فوز محفوظ بنوبل، فقص عليه القصة، ونشرها الكاتب التونسى فى فصل سمّاه «الجندى المجهول»، وأرسله إلى سامح كريّم، المشرف الأدبى على الصفحة الثقافية بجريدة «الأهرام»، فما كان الأخير إلا أن ينشر مقالًا فى صفحة كاملة بالجريدة بعنوان «أستاذ جامعى وراء ترشيح نجيب محفوظ لنوبل»، ومعه أربع صور لطه حسين وتوفيق الحكيم وصورة لعامر وصورة لمحفوظ. قرأ صاحب الثلاثية المقال، وانفعل بشدة، حتى إنه هاتف يوسف القعيد، الذى قال لعامر إنه لم يرَ محفوظ أبدا منفعلًا هكذا، وطلب منه أن يتم تحديد موعد لمقابلة عامر، وبعد سنة كاملة، جاء البروفيسور إلى القاهرة، واتصل بالقعيد فحدد موعدا فى «جروبى» بوسط القاهرة، والتقيا أربع مرات «كل مرة خمس ساعات»، وفى كل مرة كان القعيد يؤكد له أن محفوظ يريد أن يلتقى به، لأنه يعتقد بأن اليهود لهم الفضل فى حصوله على الجائزة. الأديب الكبير يوسف القعيد سأله مرة، «هل كوفئ محفوظ على موقفه الحيادى من معاهدة كامب ديفيد؟»، فكان رده أنه يعتقد أن لا دخل للسياسة بنوبل للآداب على الإطلاق، والدليل أنه عرف قبل حصول محفوظ على الجائزة إن اللجنة انتهت إلى مرشحين اثنين، هما محفوظ المصرى وشاعر صينى، وأنه إذا حصل عليها الأخير فإن محفوظ سوف يحصل عليها فى العام الذى يليه. صاحب «اللص والكلاب» بعد أن كان يطلب لقاء مع عامر، يبدو أنه غيّر رأيه، ولم يكتف بذلك، فكلف الصحفى بمجلة «الإذاعة والتليفزيون»، إبراهيم عبد العزيز، بالرد عليه وعلى ما كتبه كغام، ففعل، ونشر كل هذا فى كتاب بعنوان «أنا نجيب محفوظ»، الذى أكد خلاله صاحب نوبل أن لا دليل على صدق الرواية إلا عطية عامر.