هل بات مهما للرئيس مبارك أو للمعارضة المصرية أن تدين الإدارة الأمريكية الممارسات القمعية للنظام المصري ضد معارضيه أو أن تنتقد تعذيب شاب من "كفاية" والاعتداء عليه جنسيا في قسم شرطة قصر النيل ؟! بل إن المشهد يكاد "يفطس" من الضحك ، كلما شاهدت المتحدث الرسمي الأمريكي ، وهو يطل بطلعته البهية على الصحفيين ، منتقدا النظام المصري ، كلما تعامل الأخير بوحشية مع أبناء شعبه . بات المشهد أقرب إلى الكاريكاتورية منه إلى الجدية ، حتى الرئيس مبارك نفسه ، بات يتهكم على الأمريكيين ، ويبرق الرسالة تلو الأخرى التي تقول لهم ، إذا كان بيتك من زجاج فلا تفذف غيرك بالحجارة !. من البلاهة والعته حقا ، أن يثق المرء في صدق نية الولاياتالمتحدة ، ازاء حقوق الإنسان في العالم ، في الوقت الذي ترتكب فيه المجازر في حق المدنيين العزل في العراق وافغانستان ، بلغ بها بعد تعدد وتكرار الفضائح مبلغ أن تضع نفسها موضع مقارنة مع ما ينسب إلى أبي مصعب الزرقاوي من مجازر مشابهة! حتى في الحالة المصرية ، كانت الإدارة الأمريكية ، تتعامل مع المصريين ، بمنطق طائفي وتحيزى مفضوح ، إذ تتظاهر بالغضب على "حقوق الإنسان" المهدرة في مصر ، إذا كان من تعرض للانتهاكات محسوبا على التيار الليبرالي العلماني ، فيما تغض الطرف تماما عن التعذيب الحيواني والوحشي الذي يتعرض له المعتقل ، إذا كان محسوبا على أي تيار إسلامي ، حتى لو كان من الفصائل الأكثر اعتدالا ووسطية . الإدارة الأمريكية تظاهرت بالغضب من طريقة تعاطي السلطات المصرية مع "الشواذ جنسيا" و"البهائيين" ومن محاكمة سعد الدين إبراهيم وأيمن نور ومن تعذيب شابين من كفاية مؤخرا ، فيما لم تفتح فمها للاحتجاج على اعتقال شخصيات كبيرة في وزن د. عصام العريان ود. محمد مرسي أثناء مشاركتهما في تظاهرة مؤيدة للإصلاح السياسي والديمقراطي في مصر . لايزال الرجلان قيد الاعتقال حتى الآن ، والأمريكيون يتحدثون في كل شئ بداية من قضية هند الحناوي الفضائحية وانتهاء بالمثليين وعبدة الشيطان ، إلا عن عصام العريان ومحمد مرسي !. وأول أمس أبدت الإدارة عن غضبها بسبب اعتقال الشرقاوي والشاعر ، حسنا ! ولكن ماذا عن العريان ومرسي وعن نحو 25 ألف معتقل بلا محاكمات ؟! لم تدافع الإدارة الأمريكية مثلا عن حرية المذيعات المصريات في ارتداء الحجاب متى شئن ذلك ، بل سكتت وهن يطردن من عملهن بسبب خيارهن الحر ، رغم صدور أحكام قضائية لصالحهن ، غير أن تليفزيون الفساد "وهز الوسط" وعدو الطهارة والعفة ، طلع لسانه للجميع ، ورفض أن يعيدهن لأعمالهن . السفير الأمريكي بالقاهرة ، شاهد بنفسه في ذهابه وأيابه ، مئات النساء من أمهات وزوجات المعتقلين الإسلاميين ، وهن يفترشن الأرض على مدى أكثر من شهرين ، يستغثن بكل ذوي الضمائر الحية ، أن يساندهن بالضغط على النظام للافراج عن أبناهن وأزواجهن المعتقلين بلا جريرة وبلا تهم وبلا محكمات منذ عشرات السنين في سجون نظام لايعبأ ولايحس ولا يشعر بقيمة ومشاعر وأحاسيس البني آدمين . ولم يعبأ بهن أحد لا "ماما أمريكا" في واشنطن ولا "أم الغلابة" السيدة الفاضلة في القاهرة ، ولا القوى العلمانية والليبرالية التي تصدع أدمغتنا ليلا ونهارا بقيمة الحرية وحقوق الانسان ! المشكلة الحقيقية التي لا يريد أحد أن يعترف بها أن الجميع يكذب : الأمريكيون يكذبون والنظام يكذب والقوى الليبرالية العلمانية التي نراهن عليها في حماية قيم العدل والحرية والديمقراطية تكذب هي الأخرى ، ويكيلون بعشرات المكايل فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان ، فلا حقوق إلا لهم ولمن كان على شاكلتهم أما الآخرون ففي نظرهم فائض بشري لاحق له في الحياة من أصله ! [email protected]