لأنى أعرف أن رئيسنا يبحث بجدية عن نهضة الوطن، ولأنى أثق أنه يستمع لكل الآراء التى تساهم فى عملية البناء، ولأنى أعرف أنه لا صلاح لهذا الوطن بغير إصلاح المنظومة الإدارية للدولة، التى أصبحت ضرورة ملحّة وليست خيارًا، وبحكم طبيعة عملى ومشاركتى فى إعداد ومتابعة الخطط الإستراتيجية للعديد من دول العالم؛ فأنا أعرف جيدًا مدى الأهمية التى يجب منحها لهذه القضية، والتى يمكن من خلالها تحقيق أداء حكومى متميز، وإشعار المواطن بتحسن الخدمات الحكومية المقدمة، وهذه السياسات أثبتت بالتجربة نجاحها فى الكثير من دول العالم، حتى أن دولة مثل ماليزيا كانت بداية نهضتها مع مشروع عملاق حمل اسم "الإصلاح المؤسسى لأجهزة الدولة". ومن المؤكد أن التنظيم الإدارى للحكومة بوضعه الحالى لم يعد يتلاءم مع الدور والوظائف الموكلة إليها، فضلاً عن النهوض بمهمة إعادة البناء وتحفيز الاقتصاد، وتكمن المشكلة التى تواجه النظام الإدارى للدولة فى افتقاد الوزارات والهيئات الحكومية بشكلٍ عام إلى نهج التخطيط الإستراتيجى، القائم على رؤية واضحة المعالم، وخطط بعيدة ومتوسطة المدى، وحتى وحدات التخطيط الموجودة فى العديد من الهياكل الحكومية أصبحت عديمة الفاعلية، بسبب غياب الدعم الكافى لها. كما ظهرت بعد الثورة مشكلة تضاعف عدد الوزارات، وعدد الوظائف والموظفين، فأصبحت قدرة الجهاز الإدارى على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ضعيفة، بالإضافة إلى عدم تحديث الهياكل التنظيمية للوزارات والهيئات العامة، بما يتلاءم مع المهام والمسؤوليات الوظيفية المستجدّة، إضافة إلى تضارب وازدواجية فى صلاحيات عدد من الجهات الحكومية، ولا يخفى على أحد ما تعانيه الخدمات الحكومية من أساليب ووسائل عمل تقليدية وبيروقراطية، مع عدم وضوح للإجراءات المعتمدة فى إنجاز الخدمات، نتيجة الأنظمة والإجراءات المعقّدة، مما يؤدى إلى بطء عملية التنفيذ، وتحقيق مستويات متدنية من الإنتاجية. وبالتالى كان لزامًا على الدولة فى المرحلة القادمة تبنى فكرة الإدارة الإستراتيجية للعمل الحكومى، من خلال إعداد خطة إستراتيجية على مستوى الدولة ككل، يتم تحويلها إلى خطط إستراتيجية لكل وزارة وكل هيئة حكومية، ثم تتحول إلى خطط تنفيذية، مع اعتماد معايير للأداء الجيد ومؤشرات واضحة لقياس الإنجاز، من خلال بطاقات الأداء المتوازن، حيث يتم مراقبة الأداء والتقويم لهذه الخطط كل 3 أشهر. ولتنفيذ ذلك أقترح أن يتم تأسيس وحدة للتخطيط الإستراتيجى ومتابعة وتقييم الأداء المؤسسى، يشرف عليها رئيس الوزراء بشكل مباشر، وتكون لها صلاحيات واضحة فيما يتعلق بالتخطيط والتنسيق والمتابعة، ووضع مؤشرات الأداء لكل الهيئات الحكومية، مع إعادة تنظيم الهياكل الإدارية للوزارات وللهيئات العامة، وهذا يتضمن إمكانية الدمج ونقل الصلاحيات وإزالة الازدواجية. من المهم أيضًا أن تتولى هذه الهيئة وضع إستراتيجية التحول من مبدأ الإدارة التقليدية لشئون الموظفين اليومية، إلى فكرة إدارة الموارد البشرية الشاملة، بحيث يتم اعتماد نظام لتقييم أداء العاملين يتصف بالشفافية والموضوعية، يأخذ بعين الاعتبار إنجازات وإنتاجية الموظفين، بحيث يرتبط نظام الحوافز التى يمنح للموظف بمستوى أدائه، كما يرتبط بالأداء الإجمالى للمؤسسة التى يعمل فيها، أما آخر نصائحى التى أقدمها فهى خاصة بإنشاء نظام (الأمبودسمان)، وهو برنامج متعارف عليه دوليًا كنظام موحد لشكاوى المواطنين من الخدمات الحكومية، يمكن من خلاله مراقبة عمل كل الهيئات الحكومية، والتحقق من جودة الخدمة المقدمة للمواطنين، ومتابعة تنفيذ الشكاوى المقدمة. أعرف أن المهمة ثقيلة، وأن هناك الكثير من الأولويات على أجندة الرئاسة والحكومة.. ولكنى أتحدث الآن عن المفتاح الذى يمكن من خلاله تنفيذ كل مشروعات وبرامج السيد الرئيس، إذا كنا نبحث عن زيادة الاستثمارات، أو تحقيق التنمية، أو حتى استعادة الأمن، فالمدخل الحقيقى لكل ذلك هو إعادة تنظيم البيت من الداخل، وإعادة هيكلة المؤسسات، وعندها أعدكم بأن الخيل الجامح لن يستطيع أحد إيقافه. [email protected]