من حق رئيس تحرير أي صحيفة أن يمنع نشر مقالات، وهذا معمول به في العالم كله دون أن يثير الاستهجان. يعلم العاملون في المهنة ذلك جيدا ويتوافقون عليه، ولا يثير الكاتب أي أزمة لأنه يفهم أن لرئيس التحرير سياسة ومنهجا ورؤية ومعايير يريد تطبيقها لنجاح صحيفته. لا يوجد واحد منا لم يُعتذر له عن نشر مقال كتبه ولم يعجب رئيس التحرير، وكلنا يتقبله بصدر رحب ويلجأ إلى كتابة مقال بديل. وهذا أمر موجود في البلاد التي تتمتع فيها الصحافة بحريتها كاملة، ويقع مع أشهر الكتاب وأكثرهم إيمانا بحرية الكلمة. كنت مرة في مكتب المرحوم الأستاذ عبدالوارث الدسوقي مساعد رئيس تحرير الأخبار السابق، وكان مسؤولا عن المقالات، واستمعت إليه متحدثا إلى الكاتب الكبير الأستاذ مصطفى أمين، طالبا منه أن يغير المقال لأن الأستاذ موسى صبري رئيس التحرير أيامها لم يجزه. هذا يحدث مع مصطفى أمين، ومن أحد تلاميذه وممن كان من مرؤوسيه، بل وفي إمبراطوريته الصحفية التي أسسها من ماله قبل تأميمها وتخرج فيها أشهر الصحفيين المصريين وألمعهم. لم يشتك الأستاذ مصطفى أمين ولم ير في ذلك استهدافا لحرية الصحافة، ولم يلعن موسى صبري. ما حدث خلال الأيام السابقة بعد اختيار رؤساء تحرير جدد للصحف القومية يدخل في حملة استهداف الرئيس مرسي وحكومته، ومحاولة لإثبات نظرية بائرة عن أخونة الإعلام. هؤلاء لم يعترضوا يوما على اختيارات جمال مبارك لرؤساء تحرير الصحف القومية، وأنصحهم بقراءة مقال كتبه الأستاذ محفوظ الأنصاري رئيس تحرير الجمهورية الأسبق عقب أن أعاده الأستاذ محمود نافع رئيس تحرير "الجمهورية" السابق للكتابة، فقد حكى تفاصيل مريرة عن علاقة جمال بالصحافة في العهد البائد. منع محمد حسن البنا رئيس تحرير الأخبار الجديد مقالا للكاتبة عبلة الرويني، ثم مقالا للأديب يوسف القعيد، فقامت قيامة أرامل مبارك ونصبوا مأتما على حرية الصحافة "المذبوحة"! للبنا كرئيس تحرير قراره السيادي في صحيفته، وهو أحد أبناء مؤسسة أخبار اليوم ولم يهبط عليها بالباراشوت، وللرويني والقعيد أن يغضبا من عدم النشر، لكنه من قبيل "الاستعباط" تصوير الأمر على أنه استهداف لحرية الإعلام من النظام الجديد، فالإعلام المصري ينقد مرسي وحكومته بما يشاء، إلى حد الانفلات والشتائم والقصص المفبركة، والتلفزيون الحكومي على سبيل المثال يستضيف أي اسم بدون النظر إلى القوائم الممنوعة التي كانت في السابق. يجوز توجيه الانتقاد لرئيس تحرير الأخبار أو غيره على التوسع في منع المقالات بما يشكل انتقاصا من ممارسة الصحيفة نفسها لحريتها، لكن لا يجب التعميم وإلقاء التهم على النظام، وإظهار أرامل مبارك مدافعين عن حرية التعبير والرأي، وهم أبعد ما يكون عن ذلك. في المقابل فإن بعض الكتاب يلجأ إلى استفزاز رؤساء التحرير الجدد بمقالات يكتمون في صدورهم الرغبة في منعها حتى يأخذونها شماعة لإثارة فزاعات أخونة الإعلام. [email protected]