منظومة الرياضة في أي بلد لا تنفصل عن النظام العام في الدولة ، ومساحات الحرية واستقلال السلطات ، فهي تتنفس من الهواء الذي يتنفسه باقي مؤسسات الدولة والمنظمات العاملة فيها ، ووفق التقاليد والقواعد المرعية ، سواء كانت نصوصا مكتوبة أو أعرافا مفهومة والكل يعرف أنها ملزمة وإن كانت غير مكتوبة ، وبالتالي فسلوكيات اتحاد كرة القدم المصري لا يمكن تصور أنها تعمل بشكل مستقل ، أو تملك قرارها الحقيقي والحاسم ، فمساحة الاجتهاد لديها محدودة ، وفي المسائل الأهم لا يمكنها الإقدام على الخطوة فيها إلا بعد مراجعة "أصحاب القرار" الحقيقيين ، وفي أزمة لاعبنا "العالمي" محمد صلاح ، لا يملك أي شخص في اتحاد الكرة أن يخوض أو يعلق إلا وفق حدود رسمت له ولهم ، ووفق أجواء وتوجهات يعرفها مسبقا ويعمل في إطارها ، وفي ظروف البلاد الآن يصعب أن تتصور أي مؤسسة ، رياضية أو غير رياضية ، تعمل باستقلال ، وتملك سلطات حقيقية . مشكلة محمد صلاح الحقيقة مشكلة لها ظلال سياسية ، محمد مغضوب عليه رسميا ، ولا يحصنه ولا يحميه من "التأديب" إلا حضوره العالمي الطاغي ، صداقته العلنية مع المغضوب عليه محمد أبو تريكة ، ومشكلته مع شركات إعلانية تحاول استغلال اسمه بدون وجه حق ، وهي شركات مملوكة لجهات مهمة في الدولة ، كذلك رفضه الانغماس في "مولد" النفاق السياسي الذي عصف بالكثيرين في مصر الآن مع الأسف ومحاولة ترويج ذلك على أن "تكبر" وليس تعففا عن الوضاعة ، وبالتالي ، فعندما يتحدث اتحاد الكرة المصري عن محمد صلاح بصفة "المدعو محمد صلاح" فهو احتقار عايشوه وعلموا أجواءه ، ولو لم يفهموا ذلك ما كانوا ليجرؤا على احتقار نجم عالمي وإهانته بهذا الشكل . منظومة الرياضة في العالم الثالث بشكل عام تكون غالبا تحت سيطرة قيادات لا صلة لها بالرياضة أساسا ، وتخضع أحيانا لأهواء شخصية ، أو تحيزات عصبية رياضية ، وكان شائعا في الستينات أيام حكم الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر أن المؤسسة العسكرية تسيطر تماما على منظومة الرياضة ، حتى أن المشير عبد الحكيم عامر كان القائد العام للجيش وهو أيضا رئيس اتحاد كرة القدم المصري ، وبسبب حبه للزمالك من صغره وتشجيعه له كان منحازا إليه بشكل دائم ، ووضع شقيقه حسن عامر رئيسا للنادي ، كما اختار الفريق أول عبد المحسن مرتجي قائد القوات البرية لرئاسة النادي الأهلي والفريق أول سليمان عزت رئيسا للنادي الأوليمبي السكندري ، وهؤلاء جميعا نالوا الهزيمة المذلة في حرب 67 . وكان الجيش وقتها يمنح أبرز اللاعبين رتبة ضابط شرف ، مثل اللواء عبد العاطي كفته في زماننا ، بما يسمح له بتقاضي معاش من القوات المسلحة ، وكان نادي الزمالك يعيش أيام مجده مع المشير ، لأنه لا يوجد عضو باتحاد الكرة أو حكما يمكنه أن يفعل شيئا يغضب المشير ، ويحكي الناقد الرياضي الكبير عبد الرحمن فهمي أن نادي الزمالك كان في مواجهة كروية ضد نادي القناة عام 1963 على نهائي الكأس ، وبدا أن القناة الذي كان صاحب جولات أيامها ، يقترب من الفوز ، فحدث هرج ومرج في المدرجات وألقيت زجاجات وطوب فنادي الحكم اللاعبين والإداريين وهددهم بإلغاء المباراة واحتساب النتيجة فوزا للقناة إذا لم تتوقف الهوجة ، فما كان من لاعب الزمالك محمد رفاعي إلا أن صفع الحكم على وجهه ، وبعد المباراة رفع عضو باتحاد الكرة مذكرة لرئيس الاتحاد يناشده بمعاقبة اللاعب ، وكانت المذكرة لا تتعلق بأن لاعبا اعتدى على حكم ، وإنما تتصل بأن اللاعب هو مجند والحكم هو برتبة عميد بالقوات المسلحة ، وما حدث يعتبر كسرا للقواعد العسكرية ! ، وانتهى الموقف بأمر من المشير بأن عضو الاتحاد هذا لا يدخل أي نادي رياضي طوال حياته . وعندما كتب الراحل "الجميل" نجيب المستكاوي في الأهرام يشتكي من مجاملة الحكام للزمالك ، اتصل المشير بمحمد حسنين هيكل ، وقال له : خلي نجيب يلم نفسه ! . ومن طرائف ما شهدته "منظومة" كرة القدم في مصر ، أنه في عام 71 ، استعاد النشاط الرياضي في مصر الحركة بعد توقف عدة سنوات بسبب النكسة ، وحدث أن شاركت مصر فى كأس فلسطين لكرة القدم في ذلك العام ، وهى الكأس التى كانت تشرف عليها جامعة الدول العربية ، وخسرت مصر البطولة حيث فاز بها منتخب العراق ، فهاجم الصحفيون مدرب مصر وقتها الكابتن محمد الجندى وحملوه أسباب الهزيمة ، وقالوا : كيف نخسر كأس فلسطين، ونحن نمتلك أفضل اللاعبين وأقوى فريق، من المسئول عن الفضيحة ؟ ومن يتحمل مسئولية هذه الهزيمة النكراء إذا لم يتحملها المدرب؟! ، فرد الجندى على الهجوم قائلا : جايين تتهمونى وتحاسبونى وتحملونى المسئولية عن ضياع كأس فلسطين، دا فلسطين ذات نفسها ضاعت وما حاسبتوش إللى ضيعوها ، جايين تحاسبونى أنا على ضياع كأس فلسطين ! [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1