تشعر أنه كلمات فى سطور، كتاب فجر الضمير لكاتب المصريات الأهم فى الدنيا هنرى برستيد، هو قيمة وقامة، كاتب من أصغر تلاميذ العملاق عباس العقاد، وطه حسين، ومصطفى مشرفة، فى الطفولة تعلم حروف الكتاب العظيم وفروض الصلاة من سيدة بسيطة هى الشيخة فاطمة محفظة القرآن العظيم وصفها فى مذكراته بأنها تشع النور داخله، هو أفلاطون الأدب العربى كما وصفه العقاد، عاش مائة عام منها تسعون عامًا فى قلب الصراع الفكرى والسياسى والاجتماعى للمحروسة، وهو من رفض أن يكون رئيس جمهورية مصر العربية بعد ثورة يوليو بعرض قدمه محمد نجيب، وموثق فى شهادات النحاس، ونجيب نفسه وصفه بأنه أستاذ الجيل، لطفى السيد، هو صاحب المقولة الشهيرة «الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية», الوطن يعنى «الأمة المصرية», يؤمن بأن التعليم طريق مصر للنهضة وتخرجت أول دفعة جامعية من الطالبات فى أثناء إدارته لجامعة فؤاد (القاهرة)، وقد تأثر بالشيخ محمد عبده الذى تعرف إليه فى أثناء دراسته وشجعه لما رأى تميزه فى الصحافة وميله للحرية والديمقراطية، مدرسة أحمد لطفى السيد امتداد لمدرسة الشيخ محمد عبده فى اعتناقها للإصلاح والتطور وابتعادها عن العنف السياسى, وانعكس ذلك على شخصية لطفى السيد فأصبح الناطق بلسان جيله حتى صار معلمه الأول، وكان لديه من الاستعداد الذهنى والعقلى ما بوأه مكان الصدارة الفكرية، فلم يتقيد بتقاليد الطبقة التى ينتمى إليها «طبقة الأعيان» ولم يتحرر منها, فتبنى المفهوم الليبرالى للحرية فى أوروبا, مناديًا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية وبغياب رقابة الدولة على المجتمع, فالأمة من حقها أن تحكم نفسها بنفسها, مشددًا على ضرورة أن يكون الحكم قائمًا على أساس التعاقد الحر بين الناس والحكام, دعا لطفى السيد للقومية المصرية رافضًا ربط مصر بالعالم العربى، يقول لطفى «إن مصريتنا تقضى أن يكون وطننا هو قبلتنا, وأن نكرم أنفسنا ونكرم وطننا فلا ننتسب لوطن غيره وكون أصحاب الفكر والقلم والنضال السياسى على شعراوى وعبد الخالق ثروت وسليمان أباظة حزب الأمة عام 1907 واُختير أحمد لطفى السيد سكرتيرًا عامًا له ورئيسًا لتحرير صحيفته المعروفة باسم «الجريدة», وكانت سياسة الجريدة تقوم على المطالبة بالاستقلال التام والدستور والدعوة إلى فكرة مصر للمصريين، وأشار أحمد لطفى السيد إلى هذا الاتجاه «نريد الوطن المصرى والاحتفاظ به، والغيرة عليه كغيرة التركى على وطنه، والإنجليزى على قوميته، لا أن نجعل أنفسنا وبلادنا على المشاع», وقد استمرت رئاسته للجريدة ما يقرب من سبع سنوات, ثم عُين أحمد لطفى السيد مديرًا لدار الكتب، وبعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918 استقال أحمد لطفى السيد من دار الكتب، اشترك مع سعد زغلول وعبد العزيز فهمى وعلى شعراوى وغيرهم فى تأليف وفد للمطالبة بالاستقلال، وسافر لطفى السيد مع الوفد المصرى إلى باريس لعرض مطالب مصر على مؤتمر السلام فى فرساى, وظهر متميزًا بعقليته المفكرة عن غالبية المجموعة المصاحبة له، ومن هناك بعث الوفد بنداء تاريخى إلى الأمة كتبه لطفى السيد «أيها المواطنون الأعزاء.. لقد رفعتم منذ عامين عن كبريائكم القومى ذلك العبء الذى يثقل كاهله, وبصيحة الاستقلال أعلنتم فى وجه العالم بأسره حقكم فى الحياة وما زلتم من ذلك اليوم تثبتون أنكم جديرون بأمانيكم الوطنية, وجاءت نتيجة الاستنارة برأيكم فى مشروع الاتفاق مثبتة أن الاستقلال ليس فى نظركم كلمة تردد فى الفضاء بغير معنى, بل أنتم تريدون استقلالًا حقيقيًا خليقًا بكم, وبمستقبلكم الذى سيرسل غدًا أشعته الوضاءة على مصر, هذا الاستقلال سنحصل عليه باتحادنا, وبروح التضحية والإيمان بأنفسنا وبعدالة قضيتنا المقدسة, إيمانًا هادئًا صادقًا.. فلتحيا مصروتمضي الأيام حتى يصبح لطفى السيد مديرًا للجامعة المصرية «جامعة القاهرة» بعد أن أصبحت حكومية عام 1925، وعمل على توسيع الجامعة لتضم عدة كليات منها كلية الحقوق والهندسة والزراعة والتجارة وحينما طلب منه صديقه محمد محمود أن يشارك فى وزارته عام 1928, ليشغل منصب وزير المعارف, ثم عاد إلى الجامعة فى العام التالى بعد استقالة وزارة محمد محمود. وابتعد عن الجامعة فى المرة الثانية حين قامت وزارة إسماعيل صدقى بإقصاء الدكتور طه حسين عن الجامعة عام 1932, وهو ما رآه لطفى السيد عدوانًا على استقلال الجامعة فقدم استقالته إلى وزارة المعارف احتجاجًا على هذا التدخل لأنه كان حريصًا على كرامة الجامعة وعمل على ابتعادها عن السياسة, ثم عاد إلى الجامعة بشرط أن يعدل قانونها بما لا يدع لوزارة المعارف الحق فى نقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة مجلسها, وتقدم باستقالته مرة أخرى عام 1937 احتجاجًا على اقتحام البوليس لحرم الجامعة, التى يراها حرمًا خالصًا يقوم على الحرية فى الرأى والتفكير, ويعود للجامعة مرة ثالثة مشترطًا أن يكف رجال الحكومة عن الاتصال بالطلبة وإقحامهم فى السياسة للمحافظة على الإخاء الجامعى بينهم, وبقى لطفى السيد مديرًا للجامعة حتى عام 1941. وشارك فى وزارة إسماعيل صدقى عام 1946 وزيرًا للخارجية, وهو أول صحفى عضو بنقابة الصحفيين جعل من الخارجية قيمة لفن الدبلوماسية الراقية ثم تولى رئاسة المجمع اللغوى ثمانية عشر عامًا ويقول الدكتور حسين فوزى النجار فى كتابه عن أحمد لطفى السيد كانت الترجمة جزءًا من رسالة الأستاذ لأمته ودعمًا لأفكاره التى نادى بها، وهى أنفع من التأليف فى بداية النهضة, استغرق الأستاذ فى ترجمة أرسطو قرابة ربع قرن.