جمال سلطان المأساة التي عرضت لها في زاوية الأمس عن قصة اعتقال حسن الغرباوي وبقائه في المعتقل سبعة عشر عاما بدون محكمة أو قانون أو قضية أو جريمة رغم حصوله على خمسة وستين حكما قضائيا وجوبيا بالإفراج ، أثارت شجون الكثير من القراء ، لدرجة أن صديقا صحفيا يعمل في الخليج أرسل يعرض علي تحويلها إلى عمل فني درامي !! ، وفي تقديري أن الأكثر أهمية الآن هو البحث في صيغ قانونية وسياسية لتصفية هذه الأوضاع القائمة والحيلولة دون تكرار مثل هذه الجرائم الرسمية وهي جرائم أخلاقية مستمرة حتى اليوم ، فهناك آلاف الحالات صورة طبق الأصل من حالة حسن الغرباوي ، والفارق الوحيد هو في عدد السنوات ، هناك من قضى ثلاثة عشر عاما ، وأما من قضى عشر سنوات فهذا كثير جدا ، وهي مآسي عرفتها مصر للمرة الأولى تحت لافتة " الاعتقال المتكرر " بمعنى أن يرفع المعتقل قضية يتظلم فيها من قرار اعتقاله وغالبا تقضي المحكمة بالإفراج عنه ، فيحق للداخلة أن تطعن على الحكم شرط أن تقدم الأدلة على جدية قرار الاعتقال ، والغالب أن الداخلية لا تملك أية أدلة وإنما هي تقديرات لرجل الأمن أو نوع من التأديب للشاب أو أهله ، وبالتالي تحكم المحكمة في المرة الثانية بالإفراج الوجوبي ولا يحق للداخلية فيه أن تعترض أو تطعن، فتقوم الداخلية بالتحايل على القانون ، قانون الطوارئ نفسه ، وتخرج المعتقل على الورق من السجن بترحيله إلى أقرب مركز شرطة أو مقر لمباحث أمن الدولة ، ثم يعود إلى السجن في آخر اليوم بقرار اعتقال جديد ، فيتظلم منه المعتقل ، وهكذا .. ، تدور المسألة بدون نهاية ، في الفترات الأخيرة لم تعد الداخلية تعبأ حتى بالشكليات ، فيتم انجاز المسائل كلها على الورق ، لأن المسألة كثرت ، وكانت الداخلية قبل ذلك تقوم بالتنكيل بالمعتقل الذي يتظلم ، بأن تنقله مثلا من سجن أبو زعبل القريب إلى وادي النطرون ، فيدوخ أهله خلفه السبع دوخات ، ولكن لما كثرت التنقلات ، وتعبت الداخلية من التنكيل أوقفوا هذه السلوكيات ، ومسألة الاعتقال المتكرر ظاهرة غير إنسانية على الإطلاق ، وغير آدمية ، وتجعل من القضاء مسخرة ، ومن العدالة مأساة ، ومن القانون ألعوبة ، ولذلك لا بد من التقدم بمشروع قانون في أسرع وقت ممكن ، يمنع الجهات الرسمية من إصدار أي قرار اعتقال جديد لمن أفرج عنه القضاء قبل مرور سنتين أو أكثر على حكم الإفراج الوجوبي عنه ، هذا فقط هو الذي يعيد للعدالة قدسيتها ويعيد للقضاء احترامه لنفسه واحترامه عند الناس ، أما بدون ذلك فإن قرار الاعتقال يكون قد صدر وجاهز للتنفيذ بعد دقيقة واحدة من حكم الإفراج القضائي عن المعتقل ، ويصبح الحكم مجرد تذكار هزلي في يد المعتقل وأسرته ، وتظل كلمة وزير الداخلية الأسبق زكي بدر الخالدة : القضاء يحكم بما يريد وأنا أحدد العقوبة التي أريد ، تظل هي القانون الوحيد الذي يحكم في العباد والبلاد ، ناسخا كل حكم وكل قضاء وكل قانون ، إن المعلومات التي سربت مؤخرا تقول بأن الترزية أعدوا قانونا بديلا لقانون الطوارئ تحت اسم قانون الإرهاب ، وقد بشرنا صفوت الشريف بأن قانون الإرهاب أشد صرامة من قانون الطوارئ ، أصلها حكومة ناقصة فضائح وجرائم ، فعلى المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وكل شريف في برلمان مصر المقبل وكل كاتب أو صاحب مسؤولية أخلاقية في هذا البلد أن يضعوا هذه المسألة على رأس أولوياتهم ، لأن ضحاياها بالآلاف ، بل بالملايين إذا ضممنا إلى المعتقلين زوجاتهم وأطفالهم وآباءهم وأمهاتهم وأقاربهم . [email protected]