الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد ،،، فقد ذكر الله الرجولة في القرآن الكريم في أكثر من خمسين موضعًا ، فذكر الرجل ، والرجلين ، والرجال ، وقرن الرجل بالمرأة في آيتين اثنتين ، والرجال بالنساء في عشرة مواضع ، ولنا مع الرجولة ، وصفاتها فى القرآن والسنة الوقفات التالية : الوقفة الأولى : المقصود بالرجولة :- ذكر الله الرجولة في القرآن ، وذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته ، وأراد الله بالرجولة النوع تارة ، وأراد بها الصفة تارة أخرى ، وأراد بها النوع والصفة تارة ثالثة . أما النوع : فيقصد بالرجولة الذكورة ، فقد قال الحق سبحانه وتعالى : { وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً } ( النساء : 1 ) ، وقال : { وَلاَ تَتَمَنَّوا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَى بَعضٍ ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبنَ } ( النساء : 32 ) ، وقال: { إِنَّكُم لَتَأتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ } ( الأعراف : 81 ) . وأما الصفة : فيقصد بالرجولة توافر صفات الرجولة في الذكر فقد قال سبحانه وتعالى : { مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً } ( الأحزاب : 23 ) ، فكلمة المؤمنين جمع مذكر سالم ، ولم يقل الله - عز وجل - كل المؤمنين رجال وإنما قال : { مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ } ، ومن للتبعيض أي ليس كل ذكر رجلاً وإنما كل رجل ذكر ، فأراد هاهنا صفة الرجولة ولم يرد النوع أي الذكورة . وأما النوع والصفة : فيذكر الله - عز وجل - الرجولة ويريد بها توافر النوع والصفة ، ومن ذلك قوله تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ ، وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم } ( النساء : 34 ) ، فلابد للقوامة من الذكورة ومن الرجولة فنحن نرى رجالا تقودهم النساء وذلك راجع إلى إنتفاء الصفة مع وجود النوع . الوقفة الثانية : الاشتراك في الحكم :- إذا ورد لفظ الرجل في القرآن الكريم والسنة ولم يرد دليل على إختصاص الرجل بالحكم ، فالأصل دخول النساء في الحكم مع الرجال لقوله - صلى الله عليه وسلم - : { إنما النساء شقائق الرجال } ( رواه الترمذي ، وصححه الألباني ). فحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، جاء فيه السبعة بلفظ رجل ، ومع ذلك فهذا الحديث يشمل الرجال والنساء ، فمن النساء من سيظلهن الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله . الوقفة الثالثة : صفات الرجولة في القرآن والسنة :- أولاً : في القرآن :- أ- الطهارة بشقيها المادي والمعنوي : قال تعالى : { لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ ، أَحَقٌّ أَن تَقُومَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبٌّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُطَّهِّرِينَ } ( التوبة : 108 ) . ب - الصدق مع الله : قال تعالى : { مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ } ( الأحزاب : 32 ) . ج - إيثار الآخرة على الدنيا : قال تعالى : { رِجَالٌ لاَ تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلاَ بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَومًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبصَارُ } ( النور : 37 ) . د - القوامة وحسن التوجيه لبيوتهم وذويهم : قال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ ، وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم } ( النساء : 34 ) . ه - الإيجابية : وتتمثل في : 1- مؤمن « يس » والسعي لتبليغ دعوة الله ومناصرة الأنبياء : قال تعالى : { وَجَاءَ مِن أَقصَى المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسعَى قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا المُرسَلِينَ } ( يس : 20 ) . 2- مؤمن آل فرعون والدفاع عن رمز الدعوة ضد مؤامرة الكفار : قال تعالى : { وَقَالَ رَجُلٌ مُؤمِنٌ مِن آلِ فِرعَونَ يَكتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } ( غافر : 28 ) . 3- التحرك السريع لدرء الخطر وبذل النصيحة : قال تعالى : { وَجَاءَ رَجُلٌ مِن أَقصَى المَدِينَةِ يَسعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ المَلأَ يَأتَمِرُونَ بِكَ لِيَقتُلُوكَ فَاخرُج إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } ( القصص : 20 ) . ثانيًا في السنة : 1- القيام بالفرائض : عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : { إن أعرابيًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة ، قال : تعبد الله لا تشرك به شيئًا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان ، قال : والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ، فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا } ( متفق عليه ) . 2- الصلاح : عن ابن عمر- رضي الله عنهما – قال : { رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق « حرير سميك » وليس مكان أريد من الجنة إلا طرت إليه ، قال : فقصصته على حفصة ، فقصته حفصة على النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : أرى عبد الله رجلاً صالحًا } ( متفق عليه ) . 3- الصبر على الشدائد : عن خباب بن الأرت - رضي الله عنه – قال : شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا . فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه ، والله لَيَتِمَنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون } ( رواه البخاري ) . 4- الثبات : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – { خرج عليهم وهم جلوس فقال : ألا أخبركم بخير الناس ، فقلنا : نعم يا رسول الله ، قال : رجل ممسك برأس فرسه أو قال : فرس في سبيل الله حتى يموت أو يقتل ، فأخبركم بالذي يليه ، فقلنا : نعم يا رسول الله ، قال : امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس } ( رواه الترمذي وصححه الألباني ) . 5- الأمانة والقناعة والحكمة : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : { كان فيمن كان قبلكم رجل إشترى عقارًا فوجد فيها جرة من ذهب فقال : إشتريت منك الأرض ولم أشتر منك الذهب . فقال الرجل : إنما بعتك الأرض بما فيها ، فتحاكما إلى رجل فقال : ألكما ولد ؟ فقال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال : فأنكحا الغلام الجارية وأنفقا على أنفسهما منه وليتصدقا . } ( رواه إبن ماجه وصححه الألباني ) . فسبحان الله كيف كانت أمانة المشتري وقناعة البائع وحكمة القاضي بينهما !! 6- السماحة : عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه – قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً بائعًا ومشتريًا } ( رواه ابن ماجه وحسنه الألباني ) فالسماحة في البيع والشراء والإقتضاء تحتاج إلى رجل ، فكم رأينا من يبيع ويعود في بيعه من أجل أموال قليلة أو يبيع على بيع أخيه . 7- قيام الليل : عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : { نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل . قال سالم : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً . } ( متفق عليه ) . 8- ترك الحرام : عن إبن عباس - رضي الله عنهما – قال : { لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء . وفي رواية : لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال . } ( رواه البخاري ) . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : { لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل . } ( رواه أبو داود وصححه الألباني ) . الوقفة الرابعة : الرجولة والنبوة :- أرسل الله - عز وجل - الرسل وبعث الأنبياء وكلهم بلغوا الكمال في صفات الرجولة ، ولم يرسل الله - عز وجل - أنثى قط ، مصداقًا لقوله تعالى : { وَمَا أَرسَلنَا مِن قَبلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } ( يوسف : 109 ) ، ( النحل : 43 ) ، ( الأنبياء : 7 ) ، أما من قال بنبوة مريم وأم موسى - عليهما السلام - مستدلاً على ذلك بالوحي لهما فمردود عليه بأن الوحي هنا بمعنى الإلهام ومنه قوله تعالى : { وَأَوحَى رَبٌّكَ إِلَى النَّحلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعرِشُونَ } ( النحل : 68 ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الذي قتل مائة نفس : { فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تباعدي وإلى هذه أن تقربي وقال : قيسوا ما بينهما فوجدوه إلى هذه أقرب بشبر فغفر له } ( متفق عليه ) . والوحي هنا إلى أرض المعصية وأرض التوبة ، ولم يقل أحد بنبوة النحل أو الأرض ؟! كما أن الله - عز وجل - قد حسم القضية بقوله تعالى : { مَا المَسِيحُ بنُ مَريَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرٌّسُلُ وَأُمٌّهُ صِدِّيقَةٌ } ( المائدة : 75 ) ، ولم يقل نبية ، بل إن كفار قريش يعلمون أن الأنبياء رجال فقد حكى الله عنهم قولهم : { وَقَالُوا لَولاَ نُزِّلَ هَذَا القُرآنُ عَلَى رَجُلٍ ، مِنَ القَريَتَينِ عَظِيمٍ } ( الزخرف : 31 ) ، وقولهم : { وَقَالُوا لَولاَ أُنزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ وَلَو أَنزَلنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ * وَلَو جَعَلنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسنَا عَلَيهِم مَا يَلبِسُونَ } ( الأنعام : 8 – 9 ) . الوقفة الخامسة : الرجولة وعلامات الساعة :- عن أنس - رضي الله عنه – قال : { سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا لا يحدثكم به غيري ، قال : من أشراط الساعة أن يظهر الجهل ويقل العلم ويظهر الزنا وتشرب الخمر ويقل الرجال ويكثر النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم رجل واحد } ( رواه البخاري ) . وذكر قلة الرجال وكثرة النساء مع إرتكاب الكبائر وظهور الجهل وقلة العلم يدل على أن قلة الرجال وكثرة النساء أمر سيئ تترتب عليه مفاسد كثيرة . وعن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : { لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ أسمه إسمي وأسم أبيه إسم أبي يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئت ظلمًا وجورًا . } ( رواه أبو داود وقال عنه الألباني حديث حسن صحيح . ) أخيرًا ، فبعد أن ذكرنا الرجولة ومعناها في الكتاب والسنة ، فما أحوجنا اليوم أن نتصف بصفات الرجولة ، فوالله ما ضيعنا الدين إلا بتضييعنا لصفات الرجولة ، فعندما سقطت الأندلس وقف آخر ملوكها يبكي ، فقالت له أمه : { إبك بكاء النساء ملكًا لم تحفظه حفظ الرجال } . فعلينا بالتحلي بصفات الرجولة وتعليمها لأبنائنا حتى نعيد للإسلام صولته كما كان . وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين . * نائب رئيس هيئة قضايا الدولة * الكاتب بمجلة التوحيد