مبادرات بين الحين والآخر تخرج للمطالبة بالمصالحة مع جماعة الإخوان، أبرزها للدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون، وآخرها مطالبة الإعلامي عماد الدين أديب بما أسماه الحوار مع "المتعاطفين" مع الجماعة، وبين المبادرتين نقف كثيرًا. فليس جديدًا على إبراهيم طرح أمر "المصالحة" وأذكر في حواراتي معه أنه يراها نتيجة حتمية من وجهة نظره لأي صراع سياسي، أما أديب فحين تحدث عن الحوار مع "المتعاطفين" لم يكن صريحًا بالقدر الكافي إلا أن الكثيرين رأوا في الأمر تمهيدًا للمصالحة. بالطبع الكثير من المتعاطفين مع الجماعة الذين تحدث عنهم أديب - ليس لهم دور فى صناعة القرار من الأساس داخل التنظيم- وهم حين تحدثهم عن "العنف" الذى سلكته الجماعة، يقولون بسخريتهم المعهودة: "ومن أدراكم إن الإخوان تورطوا فى سفك الدماء"، نقول لهم هذه أمور لا نتكهن بها، فقد أعلنت عنها بعض قيادات الإخوان نفسها، ولماذا نذهب بعيدًا فجبهة أنصار محمد كمال، التي لها صولات وجولات في هذا الصدد تحدثت عن استخدامها العنف علانية وقالت: "السلمية ليست من ثوابت الجماعة ولا ثوابت الدين". وبين دعوات أديب وإبراهيم نجد الجماعة نفسها مشرذمة منقسمة بين "العواجيز" الذين يديرون الصراع السياسى بمنطق "التقية"، وهؤلاء لا تأمن لهم كثيرًا لأنك لا تعرف ما يضمرون، وفصيل الشباب الذي ينتهج العنف بشكل معلن ويرى إن الحرس القديم أضاع الجماعة بسبب ما أسموه "سلميتهم"، على الرغم أن هؤلاء "العواجيز"، منهم من كان يخرج على منصة "رابعة" ويدلى بتصريحات عدائية كانت تبث عبر الشاشات ولا تعبر عن أى سلمية، وبالتالى مع من تكون "المصالحة"، وهل أصبحت القيادات القديمة قادرة على السيطرة على العنف الذى تنتهجه كوادرها. إذا كان إبراهيم يرى أن نهاية أى صراع هى الجلوس على طاولة المفاوضات، -وهى نظرية سياسية سليمة- يظل السؤال الأهم يطرح نفسه هل الجماعة نفسها مستعدة لهذا الأمر، وما الذى قدمته فى هذا الصدد حتى نجزم بأنها مؤمنة بها، وهل هى قادرة على تحمل تكلفة تلك المصالحة، فالأمر لا يقع على عاتق الدولة وحدها فهناك شهداء أريقت دماؤهم من أبناء "الجيش" و"الشرطة"، أعرف أن هناك من سيقول وماذا عن دماء "رابعة" أقول بدون تردد: "الدم المصرى كله حرام"، هم أبناء مصر الذين غرر بالكثير منهم من قبل القيادات التى هربت وتركتهم يدفعون ثمن تصريحاتهم العدائية، فهل آن الأوان أن تعترف "الجماعة" بأخطائها فى حق أنصارها، وماذا عن خطاياها فى حق ثورة 25 يناير بعد تقلدها الحكم، فهل تعلنها صراحة بأن رغبتها فى الاستئثار بالسلطة دون مشاركة القوى المدنية التى ساعدتها ورفضها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتشبثها بعد ذلك ب"الحكم" تسبب فى ضياع مكاسب الثورة، وهل تملك الجماعة الجرأة وتقر بأن العمليات الإرهابية التى وقعت فى شتى أنحاء البلاد بعد الإطاحة بها عقب ثورة 30 يونيو، أعطت الذرائع للسلطة لممارسة انتهاكات صارخة في حق الحريات وحقوق الإنسان، وصلت بالبلاد إلى هذه النقطة الصفرية من "اللا سياسة". الواقع يقول إن الجماعة لا تتحدث عن أى مصالحة ولا تقدم على أى خطوات تجاه الأمر، وما خرج من تصريحات لإخوان الخارج لا يعبر عن أى تغيير فى منهجها بفصل العمل الدعوى عن السياسى، أو الاعتراف بشرعية 30 يونيو، فالإنكار لا يزال سيد الموقف، وبالتالى على أى أرضية يمكن أن تتم المصالحة طالما أن الطرف الآخر لا يزال يعيش دور المظلومية ويتغافل عن خطاياه فى حق الوطن، إذا كان هذا المصطلح فى قاموسهم، فالذى يستبدل "الجماعة" بأفكارها عن "الوطن" يكون فهم أمر عصى عليه.