لم يمكث خيري رمضان طويلاً في الحبس. قضى ليلة في انتظار تحريات الأمن الوطني، وقضى ليلة أخرى بعد قرار النيابة حبسه أربعة أيام على ذمة الحقيقات، ثم أفرج عنه قاضي المعارضات. لست أتمنى الحبس لأحد، ولا تقديم البلاغات في أحد، خاصة المشتغلين بالعمل العام الذين تنهمر عليهم البلاغات انهماراً، وهذا لم يحدث طوال عقود سابقة بهذا الشكل، وبجانب الجهات الرسمية التي تقدم البلاغات كما حدث مع خيري، وهي قليلة، هناك محامون صاروا متخصصين في تقديم هذه البلاغات، يتابعون كل ما يُكتب، أو يُقال، وتجد البلاغ متضمناً التدوينات، أو التغريدات، أو المقالات، أو الفيديوهات. من أين يأتون بالوقت لمتابعة كل هذا بدقة؟. ولا متى يعملون في قضاياهم التي يفتحون منها بيوتهم، ويربون من دخلها أولادهم؟. ولا ما هي مكاسبهم من وراء مطاردة كل من يكتب، أو يتكلم، بما لا يعجبهم، أو لا يعجب من قد يكون يستعين بهم، أو يسعون هم إليه؟. فكرة أنهم يدافعون عن الدولة ضد الأشرار الذين يسعون لهزها/ تهديدها/ تفتيتها/ إسقاطها/ هي فكرة ومقولة مهينة للدولة في مصر، وحتى لو كانت "شبه دولة" كما قال السيسي يوماً. فالدولة، أو "شبه الدولة"، لم تهتز، أو تتهدد، أو تتفتت، أو تسقط، فيما تعرضت له تاريخياً من محن أشد كثيراً من المحن التي يظنون أنها تتعرض لها اليوم. الدولة التي لم تسقط، وهي تنتقل من احتلال إلى آخر لقرون طويلة، هل تسقط اليوم من بعض أبنائها الذين لهم صوت مختلف أملاً منهم أن تكون أفضل؟. وهل تسقط من مجموعات تطرف/ إرهاب لا تهز شارعاً ضيقاً في حارة قديمة طالما يشعر أهلها بالرضا العام؟. وهل تسقط من الترويج الدائم بأن دولاً خارجية تستهدفها، ويضيق أو يتسع عدد هذه الدول باستمرار حسب مستجدات مواقفها مما يجري في البلاد، وبينها دول معينة تُصنف في خانة الأعداء، وهي ليست في حالة تسمح لها بالفعل المؤثر، ولا التهديد الذي يمكن أن يهز أهراماتها الشامخات. ومواصلة ترويج مثل هذه الأقاويل إهانة للقواعد الراسخة، والجذور العميقة، والتاريخ الطويل لمصر الدولة. لم أكن سعيداً أن يُحبس خيري رمضان، أو يكون متهماً في بلاغ أساساً في موضوع يشوبه الغموض، وتفاصيله لا يقبلهما العقل والمنطق لدى الكثير ممن تابعوه، وربما الجزء الغاطس من الموضوع فيه المنطق والحقيقة، لكنه عموماً لم يكن ذكياً ولا موفقاً وهو يعرضه، فقد تضمن إهانات، من حيث أراد أن يكشف عن معاناة. هذا الموضوع يجرنا إلى مسألة الغموض العام الذي يلف هذه المرحلة في صنع السياسات، والقرارات، ومرد ذلك غياب المعلومات، وغياب الوضوح والصراحة، والمباشرة، في قضايا وملفات عديدة مهمة، وغلبة صوت واحد، ونغمة واحدة، وتبرير واحد في الإعلام رسمياً أو خاصاً، مما لا يُفهم منه شيء بشأن ما يجري، لهذا يكون ذهاب البعض لوسائل إعلام أخرى لمحاولة العثورعندها على بعض الترياق، وفيها من يمارس التضليل، ويدفع في اتجاه التحريض، ويبالغ ويضخم كثيراً، ويوظف حالة الغموض الداخلية، وفرض رؤية موحدة على الإعلام لينشط هو في صنع قصص وحكايات، وتقديم تفسيرات، تفتقد غالباً للدقة والمصداقية، وينجرف في هذا النهر الغائم خليط من أصحاب نوايا حسنة، وباحثين عن حقيقة، مع متربصين، وكارهين. تصحيح وضع الداخل يقضي على المقولات المضادة دون أي جهد، إعلان الحقيقة كاملة وصريحة بشجاعة سيقف حائلاً ضد رواج أكاذيب، أو تمرير تضليل، أو تلوين مخادع للمعلومات، أو توجيه خبيث للأحداث والمواقف. الإعلام الآخر مزدهر بالقضايا والمتابعين لأن هناك من يصنع له هذه الخدمة عندما يحجب الذي يجب أن يُقال، وعندما يسعى لفرض منظومة رؤية معينة على العقل الجمعي، وهذا صار مستحيلاً اليوم في ظل وجود شبكة انترنت أخطبوطية عملاقة تعجز النظم التقليدية بأفكارها وسياساتها التقليدية عن مواجهتها مهما فرضت عليها من الرقابة والقيود، ومهما أكثرت من الحجب والمنع. الحديث متشعب، لكن وإجلاءً لمعنى العنوان، فإن رمضان خيري، هو اسم يمكن أن يُطلق على كل من كان نصيبه من نشطاء العمل العام، وخاصة الصحفيين، من البلاغات، أو القبض عليه دون بلاغات، البقاء في الحبس الاحتياطي الطويل، والتجديد له باستمرار، فالحالة مع خيري رمضان كان فيها نوع من اللطف والرفق واللين، والحالة مع كل رمضان خيري في البقاء خلف القضبان، تعكس غياب هذه الصفات الطيبة الحانية، حيث نتمنى أن يُعاد النظر في وضعية المحبوسين لطفاً بهم، ولطفاً بمرحلة جديدة ، نأمل أن يكون مفتتحها فلسفةً سياسيةً جديدةً. [email protected]