عادت قضية المساواة بين الجنسين في تونس إلى الساحة مرة أخرى بعد تسريب بعض المعلومات عن التقرير الذي ستقدمه لجنة «الحريات الفردية والمساواة» للرئيس التونسي، والمتعلقة أساسا بتمكين الأم التونسية من منح لقبها لأبنائها وإلغاء المهر، وهو ما أثار انقساما جديدا داخل المجتمع التونسي، حيث هاجم عدد من رجال الدين اللجنة واتهموها بتخريب المجتمع التونسي، وحذروا من «الفتنة». فيما اعتبر الليبراليون أن هذا الأمر يكرس المساواة التي أقرها الدستور، قبل أن تؤكد اللجنة أن المعلومات المسربة تم تأويلها بشكل خاطىء. وكانت لجنة «الحريات الفردية والمساواة» التي كلّفها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بدراسة مقترح المساواة بين الجنسين، ناقشت أخيرا بعض مقترحاتها مع لجنة «المرأة» في البرلمان، ومن بينها حرية اختيار اللقب العائلي للأبناء (من الأب أو الأم) وإلغاء المهر في عقد الزواج، وتمكين الجنسين من الاختيار بين نظام الإرث الإسلامي (للذكر مثل حظ الأنثيين) أو نظام المساواة في الميراث. أثارت هذه المقترحات عاصفة من الجدل في البلاد، حيث اتهم رجل الدين المعروف، الشيخ رضا الجوادي، اللجنة ب»تخريب الأسرة وتدمير القِيم»، مشيرا إلى أن هذه اللجنة «يستحيل الوثوق بها ولا تمثّل الشعب التونسي المسلم في شيء، وهي مشروع فتنة خطيرة ولا يُمكن قبول فرض شذوذها الفكري على بلد الزيتونة». وكتب الشيخ شهاب الدين تلّيش أمين عام نقابة الأئمة على صفحته في موقع «فيسبوك» تحت عنوان «لجنة تخريب الهوية والتعدي على المقدسات وليس لجنة الحريات الفردية والمساواة»: «وأخيرا وجدنا الحلول المناسبة للحد من تدهور المقدرة الشرائية للتونسيين عبر الخروج بهذه المقترحات المؤدلجة ومنها رئاسة العائلة المشتركة بين الأب والأم وإلغاء المهر في عقد الزواج وحرية اختيار اللقب العائلي للأب وللأم وإقرار الاختيار المسبق للنساء والرجال بين نظام الإرث الإسلامي أو نظام المساواة في الإرث، مقترحات استفزازية لمجموعة مؤدلجة تريد تصفية حسابات أيديولوجية قديمة مع هوية المجتمع وثقافته الدينية. الدعوة ملحة لكل مكونات المجتمع الأهلي لتوحيد الجهود والتصدي سلميا لخطورة ما ستعلنه هذه اللجنة في مقبل الأيام». ووصف الباحث سامي براهم مقترح اللجنة بتمكين الأم من منح لقبها بأنه «عبث ما بعده عبث ومساواتيّة شكلانيّة لا يترتّب عليها سوى فوضى القيم وتشويش هيئة الانتظام المدني». وأضاف «كأنّ اللجنة لا تعلم أنّ نسبة الطفل لأمّه لها دلالة سلبيّة مستهجنة في الفقه الإسلامي والضّمير الجمعي حيث لا يُنسَب لأمّه إلا «ابن الزّنا». أو قد يُكَنّى بها من قبيل اسم شهرة لا غير لا من باب الانتساب والتلقّب، لأنّ التنصيص على لقب الأب دون الأم ليس تمييزا بل هو تعيين، حيث يمكن أن يحصل الاشتباه، لا خلاف في الانتساب إلى الأمّ لأنّه من تحصيل الحاصل وهو متعيّن بالحمل تسعة أشهر وبالمخاض والولادة وآلامها وشهادة القابلة أو طبيب المستشفى وكذلك بالإرضاع بعد الولادة. أمّا الانتساب إلى الأب فلأنّه متحقّق بوسائل خفيّة قد تخفى حتّى على المرأة الحامل نفسها إن لم تكن وفيّة لعشير واحد لذلك يحتاج تعيينا باللغة من خلال الّلقب». وكتبت الباحثة رجاء بن سلامة «نريد المساواة ولا أقلّ من المساواة، الاختيار المسبق للنساء والرجال بين نظام الإرث الإسلامي أو نظام المساواة في الإرث لا معنى لها عمليّا، وهي ضدّ الدّستور. ما معنى الاختيار المسبق؟ وإذا اختلف الجميع ولم يجدوا تسوية؟ هل هذه فلسفة الدّيمقراطيّة؟ لن نقبل بمهزلة من هذا القبيل»،وفقا ل"القدس العربى". وأضافت «منذ الثّورة، دخلنا في جدل فكريّ وقانونيّ مع الإسلاميّين. ولم نحصل على دستور ديمقراطيّ لأنّنا قدّمنا تنازلات للإسلاميّين في مجال المساواة، بل لأنّنا رفضنا التّنازلات. رفضنا «التّكامل» الذي اقترحه الإسلاميون، ولم نقدّم تنازلات. رفضنا «الشّريعة» ولم نقدّم تنازلات. فرضنا حرّية الضّمير ولم نقدّم تنازلات. عرّض بعضنا حياته إلى الخطر، حتّى لا نقدّم تنازلات، وكنّا محقّين في طلب التّنازلات من الإسلاميّين، لا العكس». وتابعت بن سلامة «اليوم يطلب منّا العكس: أن نقدّم تنازلات في مسائل لا تقبل التّنازل. أفضّل قانونا للمساواة التّامّة في الميراث يعرض على البرلمان، يمكن أن يحظى بالتّصويت ويمكن أن يسقط، على توافق لا معنى له. أفضّل مواصلة الجدل، وفرز أعداء المساواة على غيرهم، على تمرير شيء باهت هو اعتذار أكثر منه خطوة إلى الأمام. لماذا نخاف من الاختلاف؟ لماذا نريد عرض قوانين تحظى بالإجماع مسبقا؟ لماذا أصبحنا عبدة للتّوافق حتّى في المسائل المبدئيّة؟ أطالب بعرض قانون للمساواة التّامّة في البرلمان، حتّى أعرف من يصوّت له ومن يصوّت ضدّه». وحذر الباحث عادل اللطيفي من «الازدواجية القانونية» فيما يتعلق بالاختيار بين النظامين الإسلامي والمدني في موضوع الميراث. وأضاف «للدولة نظام قانوني واحد يعتمد على الدستور وبالتالي يكرس مبدأ المساواة بين المواطنين. أي في حال وصول الخلاف إلى القضاء لا تحكم المحكمة إلا بتناغم مع الدستور وبالتالي بالمساواة التامة. أما إذا اتفقت العائلة على غير ذلك فذلك شأنها. لا نريد أن يتحول مطلب المساواة المدنية إلى وسيلة لاندساس ازدواجية المرجعية القانونية وإلى تطبيع مع الشريعة»، فيما أكدت رئيسة اللجنة النائبة بشرى بلحاج حميدة أن المقترحات المسرّبة تم تأويلها بشكل خاطئ، مشيرة إلى أن اللجنة «ناقشت إمكانية إضافة لقب الأم مع المحافظة على لقب الأب، وذلك عند بلوغ الأبناء سن 18 عاما، وتكون العملية اختيارية»، وإلى أن اللجنة ستُقدم مقترحاتها إلى رئيس الجمهورية في العشرين من شهر فبراير المُقبل. كما أكد عضو اللجنة صلاح الدين الجورشي أن اللجنة لم تقترح إلغاء المهر و»لكنّها ترى بأنّ غياب المهر لا يجعل عقد الزواج باطلا، ولم يعد شرطا من شروط صحة العقد»، مشيرا إلى أن «موضوع المهر يتم الاتفاق عليه بين الزوج والزوجة».