إن كان للمجلس العسكرى حسنة واحدة تحسب فى المرحلة الانتقالية التى أعقبت خلع رأس النظام فهى بلا شك وفاؤه بالعهد وإخراج أول مؤسسة تشريعية فى تاريخ العمل البرلمانى المصرى تنتخب بالإرادة الشعبية الحرة، وتمت الانتخابات بنزاهة وشفافية تحدثت بها وسائل الإعلام فى الداخل والخارج وأصبح لدينا أول مؤسسة شرعية صنعتها تضحيات الثوار، حيث ُكفت يد الأمن عن العبث والتزوير كما كان العهد بها دوماً. وبدأ مجلس الشعب أولى جلساته يوم الاثنين 23من يناير المنصرم، حيث انتخب الأعضاء هيئة المجلس ومن ثم بدأ يمارس صلاحياته الدستورية المفترضة فى الرقابة والتشريع، وسط حالة مزرية من الأزمات المفتعلة، ونقص السلع الأساسية، الانفلات الأمنى، والفوضى التى تعم الشارع، ووقوف الأجهزة الأمنية موقف المتفرج، وتفاقم الوضع ووصل ذروته بوقوع أحداث إستاد بورسعيد عقب مباراة الأهلى والمصرى البورسعيدى، حيث وقعت مجزرة مروعة حولت أرض الإستاد إلى ما يشبه المدن السورية حيث نالت يد الغدر والبلطجة من دماء الأبرياء. تفاعل المجلس مع الكارثة وطالب الأعضاء بمحاسبة المقصرين والقصاص من القتلة والمحرضين، بمحاكمة وزير الداخلية جنائياً، واستبشر الناس خيراً ببداية مرحلة جديدة تضع المقصر فى حق الشعب فى موضع الحساب والمساءلة الفورية، لكن تلك الآمال تبخرت حين تدخل القرارات ثلاجات اللجان، التى تتقصى وترفع التقارير، وتوضع التوصيات التى لا تجد طريقها للتنفيذ، حين تصدم بانتزاع صلاحيات المجلس التشريعى المنتخب بنص الفقرة السابعة من المادة 56 من الإعلان الدستورى المستفتى عليه شعبياً لصالح المجلس العسكرى التى تنص على حق الأخير فى تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإعفائهم من مناصبهم. وبهذا يقف المجلس عاجزاً فى الدفاع عن مصالح الشعب الذى انتخبه، مع استمرار عدم الاستقرار والأزمات المتكررة فى السلع والخدمات، مما جعل الناس تشعر أن مجلس التشعب قد صار ساحة للخطب والكلمات الجوفاء التى لا تحدث أثراً ولا تحل مشكلة، وسط حالة استقطاب حاد بين المجلس والحكومة، حدت برئيسها إلى التلويح لرئيس المجلس بخيار حل المجلس فى أى لحظة، وهو ما حدث بالفعل بلباس قضائى مزيف، واحتفاء إعلامى مريب، وبذلك يخصم المجلس العسكرى من رصيده أعظم عمل قد يباهى به فى قادم الأيام. ويبدو أن أوهام الذين خططوا للانقضاض على مجلس الشعب ماضون فى مخططهم لكن هذه المرة فى مواجهة مؤسسة الرئاسة والرئيس المنتخب شعبياً، كما يريدون إشغاله بمسائل هامشية بعيدة عن القضايا الحقيقية التى لا تحتمل التأجيل، كالأمن، والاقتصاد، وتطهير مؤسسات الدولة من هوام الفساد، وممارسة سلطاته التنفيذية كرئيس لكل السلطات، وحكم بينها وذلك بإطار شرعى معيب تضمنه ما سمى بالإعلان الدستورى المكمل، الذى صدر فى جنح الظلام، وبلا ظهير شرعى مؤسسى أو شعبى، لجعل الرئيس بلا صلاحيات، حتى تنفض من حوله الجماهير وتثور عليه، ويكون ذيلول النظام المخلوع قد حددوا هدفهم وبلغوا غايتهم بدقة للانقضاض على مؤسسة الرئاسة بعد غزوة حل البرلمان، وتعود البلاد لتهيم فى ظلام دامس وفراغ دستورى يمهد لخلع الرئيس وفرض الأحكام العرفية. وحسناً فعل السيد الرئيس المنتخب إذ توجه إلى الميدان ليلوذ بالشعب مناط الشرعية ومصدر السلطات، وليورى المتربصين به وبثورته ما كان يحذرون، فالشعب الذى خلع رأس النظام السابق وأزرى به خلف القضبان هو وأركانه صاغرين، هو الذى انتخب البرلمان والرئيس، وهو الذى أسقط الفلول، وعزلهم حتى تولوا إلى الخارج مدبرين، تطاردهم تهم اللصوصية والفساد، وهو نفسه الشعب الذى اختار رئيسه، وهو القادر بإذن الله على انتزاع اختصاصاته كاملة غير منقوصة لتبدأ مرحلة البناء والانطلاق إلى الاستقرار، كما نزع الرئيس المنتخب فتيل أزمة حلف اليمين أمام المحكمة الدستورية وأصبح بحكم الواقع والقانون هو الرئيس الشرعى للبلاد وتسلم رسمياً من المجلس العسكرى سلطة إدارة شئون البلاد. تبقى كلمة للسادة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وهى أنه عندما أنجزتم الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات البرلمانية، بشرف ونزاهة الجندى المقاتل المرابط المدافع المنافح عن أرضه وعرضه، ورسمتم صورة غاية فى الروعة تنسجم مع هتافات الثوار الشعب والجيش إيد واحدة، وأثنى الشعب عليكم وثمن مواقفكم، وشكر لكم الجميع كريم ما صنعتم، فلماذا تهيلون التراب على إنجازاتكم؟ ولماذا استبدلتم هذا الشعار الجميل بشعار ينادى بسقوط حكم العسكر، إن الشعب وهو مصدر الشرعية ارتضاكم وهو يعلم أنكم خدمتم مع المخلوع، ورفعتم له لواء الطاعة رغم ما تعلمون من فساده وخيانته، لكن الجميع ارتضاكم كما يجب أن تكونوا وكما عهدكم حراسًا للداخل كما حرستم وبحق من الخارج. نأمل أن يكون تسليم السلطة للرئيس المنتخب الذى حدث رسمياً بالأمس فعلياً، وأن يمارس الرئيس سلطاته كاملة غير منقوصة فى ضوء الإعلان الدستورى الشرعى وخاصة المادة 25 منه، وأن يعود الجيش لثكناته معززاً له التحية والتكريم، وأن تتعاون جميع مؤسسات الدولة فى إقالة البلاد من عثرتها الاقتصادية والأمنية، وأن تعود يد البناء والإنتاج لبدء مرحلة جديدة من الأمن والاستقرار لجميع أبناء مصر فى إطار من الشرعية والمساواة وسيادة القانون. والله الموفق،،