عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 20-5-2024 بعد آخر ارتفاع بالصاغة    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    مجلس الوزراء الإيرانى: سيتم إدارة شئون البلاد بالشكل الأمثل دون أدنى خلل عقب مصرع إبراهيم رئيسي    الحكومة الإيرانية تعقد اجتماعا طارئا في أعقاب وفاة رئيس البلاد    زد يسعى لمواصلة صحوته أمام الاتحاد السكندري بالدوري اليوم    صفحات الغش تنشر امتحان العلوم للشهادة الإعدادية بالقاهرة .. والتعليم تحقق    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    إيمي سمير غانم تحيي ذكرى وفاة والدها: «ربنا يرحمك ويصبرنا على فراقك»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    "جهار": الإرادة السياسية الدافع الأكبر لنجاح تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتسبب في وفاة الفنان أشرف عبدالغفور    تفاصيل الحالة المرورية اليوم الإثنين 20 مايو 2024    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    استقرار أسعار الفراخ عند 82 جنيها فى المزرعة .. اعرف التفاصيل    السيطرة على حريق بمنفذ لبيع اللحوم فى الدقهلية    اليوم.. محاكمة طبيب نساء شهير لاتهامه بإجراء عمليات إجهاض داخل عيادته بالجيزة    اليوم.. محاكمة 13 متهمًا بتهمة قتل شقيقين واستعراض القوة ببولاق الدكرور    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي    تراجع الفائض التجاري لماليزيا خلال أبريل الماضي    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    تسنيم: قرارات جديدة لتسريع البحث عن مروحية رئيسي بعد بيانات وصور وفيديوهات الطائرة التركية    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: اليمين المتطرف بإسرائيل يدعم نتنياهو لاستمرار الحرب    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    فاروق جعفر: نثق في فوز الأهلي بدوري أبطال إفريقيا    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    المسيرة التركية تحدد مصدر حرارة محتمل لموقع تحطم طائرة رئيسي    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    دعاء الحر الشديد كما ورد عن النبي.. اللهم أجرنا من النار    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    طريقة عمل الشكشوكة بالبيض، أسرع وأوفر عشاء    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    ملف يلا كورة.. الكونفدرالية زملكاوية    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    تعرف على أهمية تناول الكالسيوم وفوائدة للصحة العامة    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدينة دُسُوق وقُراها في العصر المملوكي
نشر في المصريون يوم 18 - 01 - 2018

نوقشت مؤخراً في كلية اللغة العربية جامعة الأزهر بالقاهرة – قسم التاريخ والحضارة، رسالة ماجستير بعنوان "مدينة دُسُوق وقُراها في العصر المملوكي (648-923ه / 1250-1517م) - دراسة حضارية" للباحث أحمد عبدالفتاح..المعيد بالكلية،بإشراف فضيلةِ الأستاذِ الدكتورْ مُحمد علي عبد الحفيظ -أستاذُ التاريخِ والحضارةِ في كليةِ اللغةِ العربيةِ بالقاهرةْ، ووكيلُ كليةِ الدراساتِ العُليا – جَامِعَةِ الأزهرْ.
وتُعدُّ دراسةَ الأحوالِ الحضاريةِ للمدنِ المِصْرِيةِ في العصرِ الإسلاميِ مِنَ الدراساتِ المشوقةِ والطريفةْ، وفي الوقتِ ذاتهِ هِيَ من الدراساتِ الشاقةْ، لنَدرةِ المعلوماتِ وتناثُرِها بين مُختَلَفِ المصادرِ التاريخيةِ، والدينيةِ، والجغرافيةِ، والأدبيةْ. وهيَ من الدراساتِ التي لم تَنَلْ قدرًا كَافيًا مِنَ اهتمامِ ورعايةِ الباحثينْ؛ نظرًا لاتجاهِ كثيرٍ مِنَ الباحثينَ إلى دراسةِ التاريخِ العامِ لمِصْرَ الإسلاميةْ، والتركيزِ على دراسةِالأحداثِ السياسيةْ، وقلةِ العنايةِ بالجوانبِ الحضاريةْ، ومِنَ المعروفِ أَنَ دِرَاسةَ الجوانبِ الحضاريةِ للمدنِ المِصْرِيَةِ الكبرىْ وخاصةً القاهرةَ والإسكندريةَ قد استحوَذَتْ على اهتمامِ كثيرٍ مِنَ الباحثينْ؛ مما أَدَىْ إلى إهمالِ دِرَاسَةِ بَقِيةِ المُدُنِ المحليةِ دِراسةً أكاديميةً علميةً مُتخصصَةً إلا فيما نَدَر.لذا فإن دِراسةَ حضارَةِ هذه المُدنْ، والمُنشآتِ المِعماريةِ التي تخلفَتْ فيها مِنْ عصورٍ طويلةْ، قد تُؤدِى إلى استكمالِ صورةِ المجتمعِ المصريِ من كافةِ جوانبهْ، وموضوعُ هذه الدِرَاسَةِ "مدينةُ دُسُوقٍ وقُرَاها في العصرِ المملوكِي" من هذا الصِنفْ.
وبيّن الباحثأن دافعه الرئيسِ لاختيارِ موضوعِهذه الدِرَاسَةِ،يَرجِعُ إلى الخُصُوصِيَةِ التي تَمَيَزَتْ بِهَا مدينةُ "دُسُوقٍ" طوالَ تاريخِهَا، وفي العصرِ المملوكِيِّ على وجهِ التحديدْ؛ حيثُ كانت مِنْ أَهَمِ مُدُنِ الدِلتا خلالَ هذه الفترةِ التاريخيةْ، وقد استمدَتْ شُهْرَتَهَا من ضريحِ ومسجدِ العارفِ باللهِالشيخِ إبراهيمَ الدُسُوقيْ.
وأشار إلى أنها تَمَيَّزَتْ بِأنَهَا كانت مِنَ المراكِزِ التِّجاريةِ المُهِمَةِ في وسطِ الدِلتا؛ وذلك لوقوعِها على الطريقِ المائِيّ بين ساحلِ البحرِ المتوسطْ والقاهرةْ – عبرَ فرعِ رشيدْ، فكانتْ حَلْقَةَ الوصلِ بين القاهرةِ والإسكندريةْ، فالسفنُ القادمةُ من القاهرةِ إلى الإسكندريةِ والعكسِ كانتْ تمرُّ عليها؛ ولهذا اهتمَّ بها السلاطينُ والأمراءُ المماليكْ، وبخاصةٍ في النشاطِ الاقتصاديْ، فكانتْ مركزَ نشاطٍ وجذبٍ دينيٍ، وعلميٍ، وتِجاريٍ طوالَ العصرِ المملوكِيْ.
وقد قسم الباحث هذه الدِرَاسَةِ إلى: مقدمةٍ، وتمهيدٍ،وستةِ فصولٍ، وخَاتِمَةٍ،وعددٍ من الملاحقِ، ثم ثَبَتٍ بالمصادرِ والمراجعِ، وفِهرِسٍ للموضوعاتْ.
أما المقدمةُ: فتتضمنُتعريفًا عامًا بالموضوعِ، وأهميَتِهِ، والدراساتِ السابقةِ، وأسبابِ اختيارِ الموضوعِ، والهدفِ من الدراسةِ، والمنهجِ المتبعَفي الدراسةْ، وخُطَةِ البحثِ، ثم تحليلًا لأهمِ المصادرِ والمراجعْ.
وقد جاءَ التمهيدُ تحتَ عُنوَانْ: دُسُوق (نشأتُهَا وتطوُرُهَا الإداريّْ)تَحَدَثْ فيه عن أصلِ التسميةِ، والموقعِ الجغرافيِ، والتطورِ الإداريِ للمدينةْ، مُتَتَبِعًا ذلك مُنذُ أن كانتْ "دُسُوقْ" كَورَةً تابِعَةً لأَبْرُوشِيَّةِ قسم ثاني بالوجهِ البحريّْ، والتي كانت قاعِدَتُهَا مدينةَ "كبَاسَا" قبل الفتحِ الإسلاميِّ لمِصرْ، وصولًا إلى ظُهُورِهَا كمدينةٍ تتمتعُ باستقلالٍ إداريٍ من نواحِي أعمالِ الغربيةِ في العصرِ المملوكِي.
وتَنَاوَلَ الفصلُ الأولْ: "قُرَىْ مدينةِ دُسُوقِ"، تحدث فيه عن القُرىالقديمةِ المُنْدَرسَةْ، والقُرَى القديمةِ الباقيةْ، والموقعِ الجغرافيِّ لكلِ قريةٍ، وأَعلامِهَا، وما وَرَدَ عنها في المصادرِ، والمراجعِ الجغرافيةِ والتاريخيةِ المتنوعةْ.
وجَاء الفصلُ الثَانِيْ تحت عُنوانْ: "النشاطُ الاقتصاديُ في دُسُوقٍ وقُراهَا خلالَ العصرِ المملوكِي" تحدث فيه عن الأراضيِ الزراعيةْ، والحرفِ والصناعاتْ، ثم انتقل إلى الحديثِ عن النشاطِ التِّجاريِ بالمدينةْ.
وحَمَلَ الفصلُ الثَالثُ عُنوانْ: "الحياةُ الاجتماعيةُفي دُسُوقٍ وقُرَاها خلالَ العصرِ المملوكِي" افتتحهُ بالحديثِ عن عناصرِ السكانِ المختلفةْ، كما تحدث عن رِحْلاتِ السلاطينِ الترفيهيةْ، وتَأثيرِهَا الإيجابِيِّ والسلبِيِّ على المدينِةْ، وانتقل من هذهِ النقطةِ إلى الحديثِ عن العاداتِ والتقاليدِ الاجتماعيةْ، والأعيادِ والاحتفالاتِ وأماكنِها، ثمَّ تحدث عن الأزماتِ التي حَلَتْ ب "دُسُوقٍ" وقُرَاهَا، وأَثَرِ ذلكَ على أوضاعِ المجتمعْ.
وخصص الفصلَ الرابعَ للحديثِ عن: "الحياةِ العلميةِفي دُسُوقٍ وقُرَاهَا خلالَ العصرِ المملوكِي"، تحدث فيه عن النشاطِ العلميِّ ب "دُسُوقْ"، وأشهرِ المؤسساتِ التعليميةِ بِهَا، وأهمِ العلومِ، ودَورِ علماءِ"دُسُوقْ" في هذهِ العلومْ، واستعراضِ مُؤلفَاتِهمِ وإسهَامَاتِهِمْ العِلمِيَّةْ.
وتَنَاوَلَ الفصلُ الخامسُ: "الحياةَ الدينيةَفي دُسُوقٍ وقُرَاهَا خلالَ العصرِ المملوكِي"، تحدث فيهِ عن النشاطِ الدينِيِّ ب "دُسُوقْ"، وعن التصوفِ، وانتقل إلى الحديثِ عن الحركةِ الصُوفِيَةْ، والمُتَصَوِفَةْ ب "دُسُوقْ"، ثم خَتَمالفصلَ بالحديثِ عن الأوقافِ والوظائفِ بالجامعِ والمقامِ الدُسُوقِي.
وخَصْصْ الفصلَالأخيرَ للحديثِ عن: "العُمرانِفي دُسُوقٍ وقُرَاهَا خلالَ العصرِ المملوكِي"، تحدث فيه عن العُمرانِ بمدينةِ"دُسُوقْ" في العصرِ المملوكِي بكافةِ أشكالهْ؛ باعتبارهِ أَحَدَ المظاهرِ الحضاريةِ المهمةْ.
ثم جَاءتْ الخاتمةُ؛ لتتضمنَ أهمَّ النتائجِ التي تَوَصَلَ إليها الدِرَاسَةْ، ومِنهَا:
أولًا: كانَتْ مدينةُ "دُسُوقٍ" قبل الفتحِ الإسلاميِّ لمِصرْ كَورَةً تابعةً لأَبرُوشِيَّةِ قسم ثاني بالوجهِ البحريّْ، والتي كَانت قاعدتُها مدينةَ "كبَاسَا"، ثم بعد الفتحِ الإسلاميِّ في فترةِ الكُوَرِ الصُغرَىْ أصبحتْ قريةً أو ضاحيةً تتبعُ كَورَةَ "شباس"، وفي فترةِ الكُوَرِ الكُبرَىْ كانت تابعةً لكَورَةِ "السَّنْهُورِيَّةْ"، وفي العصرِ المملوكِي ظهَرَتْ كمدينةٍ تتمتعُ باستقلالٍ إداريٍّ من نواحي أعمالِ الغربيةْ.
ثانيًا: حيازةُ الأراضيْ الزراعيةْ بمدينةِ "دُسُوقٍ" وقُرَاهَا في العصرِ المملوكِي لم تستقرَّ على نمطٍ واحدْ بل حدثَ لها العديدُ من التغيراتْ، فكانتْ معظمُ أراضيْ مدينةِ "دُسُوقٍ" في بدايةِ الدولةِ المملوكيةِ تخضعُ للديوانِ السلطانيّْ مع قلةٍ بسيطةٍ كانت للإقطاعِ والأوقافِ وبقيةِ الحيازاتِ الأخرىْ، ثم تعرضَتْ هذه الأراضيْ للضعفِ والتدهورِ بسببِ بَيعِهَا عن طريقِ بيتِ المالْ، حيثُ أصبحتْ أملاكًا وأوقافًا.
ثالثًا: مِنْ خلالِ العرضِ العامْ للطوائفِ والفئاتِ التي تكوَّنَ مِنهَا المجتمعُ في مدينةِ "دُسُوقٍ" وقُرَاهَا في عصرِ سلاطينِ المماليكْ، نَجِدُ أن هذه الطبقاتِ متميزةٌ بعضُهَا عن بعضِ في خصائِصِهَا وصفَاتِهَا ومظاهِرِهَا فضلًا عن نظرةِ الدولةِ إليهاْ، ومقدارِ ما تتمتعُ به من حقوقٍ أو تقومُ بهِ من واجباتْ.
رابعًا: كانت مدينةُ "دُسُوقٍ" من أماكنِ التنزهِ والفسحِوسرحاتِ الصيدِ للسلاطينِ والأمراءْ، حيثُ كانوا يقومونَ بالتجولِ فيها لعدةِ أيامٍ للاستجمَامِ وصيدِ الحيواناتِ البريةْ، وكان لهذه الرِحْلاتِ الترفيهيةِ دَوْرٌمُهِمٌ في الحياةِ الاقتصاديةْ.
خامسًا: الدَّوْرُ الفَاعِلُ الذي نَهَضَتْ بِهِ المُؤسساتُ التَعليمِيةُ في تطويرِ وازدهارِ النشاطِ العلميِّ بدُسُوقٍ وقُرَاهَا، ودَوْرُ الدولةِ في رصدِ الأوقافِ لإمدادِ هذه المؤسساتِ بكلِ ما تحتاجُهُ في سبيلِ نهضةِ العلمِ وتشجيعِ طلابِهْ، ويَبْرُزُ هذا الأمرُ جليًا من خلالِ درجةِ شيوعِ تلك المؤسساتِ على اختلافِهَا.
سادسًا: شهِدَتْ الحركةُ الصوفيةُ بمدينةِ "دُسُوقٍ" خلالَ عصرِ المماليكِ ازدهارًا واسعًا، ويبدو أن السلاطينَ كانوا على معرفةٍ بقدرِ هذه الحركةِ وتَأثيرِ أتباعِهَا، فنَالتْ مِنهُمْ الرعايةَ والتشجيعَ طلبًا للأجرِ والثوابْ، وربما لأغراضِ أخريْ.
سابعًا: شجعَتْ مكانةُ الشيخِ "الدُسُوقيْ" في قلوبِ الناسِ – على الرحلةِ إلى ضريحهِ وجامعهِ، للزيارةِ، والتبركِ، والاستماعِ إلى ما يُذْكَرُ من مَنَاقِبَ وكراماتِ وأقوالِ الشيخْ، مع ما يُصاحِبُ ذلِكَ، عَادَةً، من إقامةِ الشعائرِ، وخُطَبِ الجمعةِ، ودُرُوسِ الوعظِ والإرشادْ، وما يَتَخللُهَا من الآياتِ القرآنيةْ، وتفسيرِهَا، وأحاديثَ نبويةْ، حتى غَدَا الجامعُ منارةً علميةً، ومقصدًا للزيارةْ، ومُثَارَ اهتمامٍ من حكامِ البلادِ، تمَثلتْ في تجديدهِ، وتوسعتهِ في فتراتٍ متلاحقةْ، وحُبِسَ على المسجدِ الكثيرُ من الأملاكِ والعقاراتِ يُصرَفُ رِيعُهَا على الجامعِ والعاملينَ بهِ وطلابِ العلمِ، وكانت الدراسةُ تسيرُ فيهِ على منوالِالدراسةِ في الجامعِ الأزهرْ.
وأخيرًا: أظهَرَتْ الدراسةُ أنَ جامعَ الدُسُوقيّْ لم يكُنْ جامعًا لأداءِ الصلاةِ ومدفنًا للدُسُوقيِّ فحسبْ، بل كان عبارة عن مُجَمَعْ معماريِ ضخمْ، ضمَّ مجموعةً فريدةً مِنَ المبانِيْ مِنَ النادرِ أن نراهَا مُجتَمِعَةً في مبنًى واحدْ، فقد اشتمَلَتْ على مسجدٍ جَامِعْ، ومَدرَسَةٍ للعلومِ الشرعيةْ، وخَانُقاةٍ بِهَا ثمانيةٌ وعِشرُونَ من الصوفيةْ، وقبةٍ ضريحيةٍ كبيرةٍ دُفِنَفيها "الدُسُوقيّْ"، وقُبَتَيْنِ صغيرَتَينِ دُفِنَ في أحَدِهِمَا أخوهُ الشيخُ "مُوسى"، كما اشتملَ المُجَمَعُ على وحدةٍ مِعماريةٍ فَرِيدةْ عُرِفتْ باسمِ "حوشِ السماعْ"، مُخَصصةً لِسَمَاعِ الذِكْرِ والمَدَائِحِ النَبَويَةْ، ومَنَاقِبِ الدُسُوقيّْ، ومَقصُورَةٍ للنساءِ مُخصصةً لإقامةِ النساءِ الزائراتِ للمقامِ أثناءَ مُوْلِدْ "الدُسُوقيّْ"، كما أُلحِقَ بِهَذا المُجَمَعِ مَجمُوعَةٌ من الملاحقِ لخدمةِ القاطنينَ بالجامعِ والمترددينَ عليهِ مثلَ السبيلِ، والكتابِ، والمطبخِ، والبئرِ، والطاحونةِ، والفرنِ، ومخازنِ الطعامِ، وغَيرِهَا.
وقد استخدم الباحثالمنهجِالتاريخيِ التحليليِ الوصفيّْ،بجانبِ النقدِ والقياسِوالاستنتاجْ، مع استخدامِ وسائلِ الإيضاحِ من خرائطَ،وجداولَ، ولوحاتٍ، وأشكالٍ، وزياراتٍ ميدانيةْ؛ مما يُساعِدُ على فَهْمِ الدَورِ الحضاريِ للمدينةِ وقُراهَا، وبيانِ مدَىْ تأثِيرِها وتَأثُرِها في المجالاتِ المختلفةِ إبَّانَ تلكَ الفترةِ المُخصصةِ للدراسةْ.
وقد اعتَمَدَ أيضاً في هذه الدِرَاسْةُ على ما تَوَفَرَّ لها من المَصَادرِ الأصِيلةْ، وفي مُقدمَتِهَا: الوثائقُ غَيرُ المنشورةِ التي تم الحصولُ عليهَا، ومن أمثلةِ هذه الوثائقِ المرتبطةِ بِمدينةِ "دُسُوقٍ" وقُراهَا في العصرِ المملوكِي:
حُجَةُ وقفٍ رَقْمُ (809) للسلطانِ "أبي سعيدٍ خُشقَدَم" بتاريخِ (25 ذو القِعدَة سنةَ 868ه/1463م)؛ وقد تَعرَفْتُ من خلالِ هذه الحُجَةِ على الأراضيِ والعقاراتِ التي أَوقَفَهَا السلطانُ خُشقَدَم على الجامعِ، والمقامِ الدُسُوقيّْ، وعلى أسماءِ بعضِ القُرَى ب "دُسُوقْ"، كما أَفَدتُ منها في معرفةِ الوظائفِ التي رَتَبَها السلطانُ بالجامعِ والمقامِ الدُسُوقيّْ، والأعمالِ المعماريةِ التي قام بِهَا.
حُجَةُ وقفٍ رَقْمُ (810) باسمِ السلطانِ"أبي النصرِ قايتبَاي"، بتاريخِ (13 رمضانْ سنة 886ه/1481م)، وكَانَتْ هِيَ المصدرَ الرئيسَ في التعرُفِ على مظاهرِ الحياةِ الدينيةْ، والتصوفِ في "دُسُوقْ" مِن خلالِ ما وَرَدَ بِها عن الأوقافِ التي أوقفهَا السلطانُ"قايتباى" على مسجدِ وضريحِ الشيخِ إبراهيمَ الدُسُوقيْ، وعلى الصوفيةِ القاطنينَ والمترددينَ عليهِ، وعلى المَوَالِدِ التي تُقَامُ بِهِ، فضلًا عن أربابِ الوظائفِ الذين رَتَبَهُم في هذا المكانْ، كَمَا أَمَدَتنِي هذه الحُجَةُ بتفاصيلِ الأعمالِ المِعماريةِ التي قام بِها السلطانُ"قايتباى" بمسجدِ وضريحِ الدُسُوقيْ، وقَدَّمَتْ ليَ وصفًا مِعماريًا دقيقًا لكُلِ جزءٍ من أجزاءِ المسجدِ ومُلحقَاتِهْ.
وفي النهاية نوصى بطباعة هذه الرسالة في إحدي الهيئات الثقافية الحكومية تتمة للفائدة، وتشجيعاً للباحثين على تناول بقية الكور المصرية في دراسات أكاديمية أخري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.