إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فن المدفعية
دراسة أعدها: د. المصطفي محمد الخراط
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 06 - 2016

لم تكن المدفعية أداة حربية فقط، بل كانت فنا من الفنون التي كان لها صناعها.. فقد اهتم الملوك والسلاطين والأمراء بها، كما سجل المؤرخون تطورها وانعكاساتها علي تنمية المجتمع، منذ العصر المملوكي وحتي عصر محمد علي.
وقد غاص د. المصطفي محمد الخراط، وهو شاب من صعيد مصر، وتحديدا من المنيا، ليستخرج لنا بجهد علمي كنوز المدفعية وأسرارها، ويضعها في كتاب بعنوان " المدفعية المصرية: الابتكار والتطور من العصر المملوكي إلي عصر محمد علي" ويصدر الكتاب قريبا عن مكتبة الإسكندرية.
وقد اخترنا أن ننشر في هذا البستان جزءا من هذه الدراسة، التي تبين انعكاس اهتمام المماليك بالمدفعية علي مختلف مناحي الحياة والفنون والشعر، فقد ذخر العصر المملوكي بقصائد عن المدفعية التي كانت أيضاً محل كتابات إبن إياس وغيره من مؤرخي عصره، كما نتوقف عند الوظائف والألقاب التي تسببت في وجودها مثل: أولاد الناس النفطية، زردكاش السلطان، ناظر الزدخانة، والحكايات التي تروي حولهم.
المدفعية في العصر المملوكي
لم يُعرَف مصطلح مدفع في المصادر اللغوية القديمة علي أنه الآلة الحربية ذات المقصد المعروف، وإنما عُرفت الكلمة من وصفها ومدلولها، فيأتي مصطلح "مدفع" من الدفع بقوة، والدفع هو إزالة الشيء بقوة والمدفع كلمة موصوفة بشدة الدفع، وعرّف مصطلح "مدفع" بعد ذلك علي أنه سلاح ناري قاذف يبعث بقذائفه عبر مسافات بعيدة، ومصطلح مدفع بالإنجليزية Cannon، وبالفرنسية canon كلمة من الأصل اللاتيني Canna، وتعني ماسورة Reed أو أنبوب أو بوصة Tube، ويطلق علي المدافع في العصر المملوكي "مكاحل"، ويطلق علي المدفع في اللغة العثمانية "طوب" وفي التركية الحديثة Top، ويصنع المدفع من الحديد أو النحاس والرصاص معاً أو البرونز وفق قواعد علمية وضعت لذلك، ثم يشحن بالبارود لدفع القذائف الحجرية أو الحديدية فتهدم أو تهشم ما تصيبه، وقد صنف القلقشندي المدفع علي أنه من آلات الحصار المهمة، وتصنف المدافع وأنواعها بوجه عام باعتبار النسبة بين طول الماسورة ومقاس العيار، والمسئول عن المدافع في العصر المملوكي يعرف ب"نفطي" والجمع "نفطية"، أما المسئول عن المدفع في العصر العثماني فيعرف ب"طوبجي" والجمع "طوبجية"، أما الزردخانة فهي أماكن صناعة وحفظ الأسلحة ومنها المدافع في العصر المملوكي، وفي العصر العثماني عرفت بالطوبخانة أي دار صناعة المدفع، وأطلق علي مجموع المدافع في مكان واحد "بطارية" سواء كانت ثابتة أو متحركة، ونظراً لأهمية المدافع في الجيوش كسلاح ناري قوي خصص له تسمية متخصصة تنسب للمدافع وفرقة خاصة تتعلق كل أمورها بالمدافع أطلق عليها سلاح المدفعية وأصبح للمدفعية علم خاص به يهتم بكل ما يتعلق بالمدافع وأنواعها وتطورها، وأقدم المصادر العلمية التي ذكرت واستعملت مصطلح "مدفع" مخطوط "المخزون في جامع الفنون" لمؤلف مجهول أواخر ق 7ه/629م أوائل ق 8ه/630م، وسيأتي الحديث عن هذا المخطوط، وذلك في وصفه لطريقة عمل وإشعال مدفع يدوي، وينسب لعلماء المسلمين أنهم أول من صنفوا أول كتاب علمي دقيق في هذا المجال في النصف الأول من القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، علي أيدي العالم المسلم "إبراهيم بن أحمد بن زكريا بن غانم الأندلسي" عام 1042ه/1632م والمعروف عنوانه ب"العز والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع"، وهو مخطوط نادر جداً ويعد أقدم مخطوط يتحدث عن أنواع المدافع كعلم متخصص في هذا المجال، طالب المؤلف بضرورة تدريسه والبحث فيه وتطويره، كما صنف المدافع بأنواعها وطرق صناعتها وكيفية العمل بها وشحنها بالبارود وكيفية إعداده، وعلي الرغم من أن هذا المخطوط هو أول كتاب علمي متخصص يصدر في هذا المجال وعلماء المسلمين هم أول من لهم الأسبقية في هذا، إلا أن كثيراً من الآراء تذكر عكس ذلك فمنهم من يذكر أن أول كتاب نظم في علم المدفعية كتاب فرنسي علي عهد الملك لويس الرابع عشر Louis XIV ( (1127 1053ه/ 1643- 1715م) علي الرغم من أن مخطوط ابن غانم يؤرخ بقبل ذلك.
أثر علماء المسلمين علي
تقدم الأسلحة النارية
تعد فترة العصر المملوكي من المراحل المهمة في تقدم التقنيات الحربية الإسلامية، تلك التقنيات التي وضعت أسساً مهمة سار علي نهجها من اهتم بعدهم بمجال الأسلحة النارية، ولا نستطيع بأي حال من الأحوال إغفال الدور العلمي المملوكي في تقدم الصناعات الحربية وقد ظهر منها أنواع تمثل مدي التقدم التقني عندهم وهو ما يؤكده ما وصل إلينا من مخطوطات مملوكية تمثل تراثاً علمياً يستحق منا المزيد من الاهتمام.
لقد خلف لنا التراث العلمي المملوكي مجموعة من المخطوطات تمثل مراحل مهمة يجب وضعها في الاعتبار عند دراسة تاريخ التقنيات الحربية، ومن بين هذه المؤلفات مخطوطتان ثبت من خلال الدراسات التي أجريت حتي الآن أنهما في غاية الأهمية لتدوين تاريخ التقنيات الحربية العام، حيث إنهما تمثلان نقاط تحول في مسار استخدام الأسلحة النارية، بالإضافة إلي ما خلفه لنا العصر العثماني بعد ذلك من تراث حربي علمي ومادي.
كتاب "المخزون في جامع
الفنون" لمؤلف مجهول
أثبت العلماء أن من النصوص المهمة التي وصلتنا عن محاولة لاستغلال مسحوق البارود كقوة دافعة كانت خلال أواخر القرن السابع الهجري/ الرابع عشر الميلادي، وذلك من خلال مخطوط عربي لمؤلف مجهول عنوانه "المخزون في جامع الفنون" حيث قدم المؤلف نصاً يصف فيه كيفية استخدام مسحوق البارود كقوة دافعة داخل آلة جديدة وصفها نصاً واصطلاحاً ب"المدفع" وجاء في وصفه "تؤخذ عشرة دراهم (30جم) من ملح البارود، ودرهمان من الفحم (6جم) ودرهم ونصف درهم (4.5جم) من الكبريت، وتسحق حتي تصبح كالغبار، ويملأ منها ثلث المدفع فقط خوفاً من انفزاره، ويصنع الخراط من أجل ذلك مدفعاً من خشب تناسب جسامته فوهته، وتدك الذخيرة فيه بشدة، ويضاف إليها إما بندق، وإما نبل، ثم تشعل، ويكون قياس المدفع مناسباً لثقبه، فإذا كان عميقاً أكثر من اتساع الفوهة بدا ناقصاً"، وفي نسخة أخري من المخطوط لنفس المؤلف ذكر نفس المعني ولكن مع اختلاف بعض المفردات فقال: "تأخذ عشرة دراهم من البارود، وفحم درهمان، ودرهم واحد من الكبريت، اطحنها جيداً واملأ ثلث المدفع ليس أكثر، أغلق السطام بأمان بعد حشو الشحنة. ضع في الكرة أو السهم واشعل النار بواسطة الفتيل واعمل قياساً للمدفع تحت الحفرة فإذا كان بعمق أكثر من الحفرة فهذا يعني أنه غير فعال وبه خلل وسيضرب مستخدمه".
وفي نسخة أخري ثالثة من المخطوط ترجع إلي 740ه/1340م حملت عنوان "كتاب المخزون لأرباب الفنون" جاء وصف المؤلف هكذا: "الدواء الذي تحطه في المدفع بارود عشرة وفحم درهمين كبريت، تسحق أنعم، وتملأ المدفع لا غير ويسد عليه بالواسطة سداً جيداً بعد أن يدكه ويحط عليه البندق أو السهم وتعطيه النار من الذخيرة".
وكانت هذه المدافع تصنع من الخشب بعد صنعها تدعم بأطواق الحديد، أو يحزمونها بالحبال ويطلونها بالطلاء للمتانة، وقد ذيل المؤلف نصه في الثلاث نسخ بشكل المدفع وطريقة إشعاله.
وهذا النص، بصياغاته المختلفة، من الأهمية بمكان حيث يعتبر أقدم نص يصل إلينا ويذكر فيه مصطلح "مدفع" سيما أن المصادر التاريخية كانت تعبر عن مصطلح مدفع بمفردات أخري مختلفة سنوضحها فيما بعد، بالإضافة إلي أنه يعتبر أيضاً أقدم نص يذكر لنا تركيب البارود واستخدامه كقوة دافعة.
وقد أطلق العلماء علي هذا المدفع مسمي المدفع اليدوي وهذا المدفع عبارة عن ماسورة طولية طولها تقريباً 40سم، ويتقدمها عنف المدفع يدعمه طوق من الحديد بارز عن سمت جسم المدفع، وفي مؤخرة المدفع مقبض عبارة عن عصا طويلة طولها تقريباً 80سم، وتقنية عمله تعتمد علي شحن الجزء الخلفي منه بكمية من مسحوق البارود وضعت القذيفة أمامها لتنطلق وقت الإشعال.
وحقيقة الأمر أن هذا النص في تحليله ينم عن فكر علمي متطور في ذلك الوقت فقد نوه المؤلف عن عدة أمور تؤخذ في الاعتبار لضمان نجاح استخدام هذا المدفع بطريقة سليمة وليؤدي الغرض المنشود منه، فقد ذكر أولاً أن مسحوق البارود لابد أن يسحق جيداً بقوله: "حتي يصبح كالغبار" وهي من علامات البارود الجيد الاستعمال في دفع المقذوفات حتي لا يترك شوائب داخل جسم المدفع فتضر به وتؤدي إلي قصر عمره وكسره، كذلك نوّه المؤلف عن عدم شحن المدفع بأكثر من ثلث حجمه بالبارود لكي يؤدي كثرة البارود إلي انفزار المدفع أي كسره وهلاكه مع ضرورة غلق وإحكام شحنة البارود خوفاً من تناثرها، وحقيقة الأمر أن هذه الملاحظة تنم عن عقلية عملية كبيرة، فهنا يشير المؤلف إلي عملية نسبة وتناسب بين كمية البارود المستخدمة وبين حجم المدفع وعياره، ونوه المؤلف عن ضرورة صنع مدفع تتناسب جسامته أي حجمه مع فتحة فمه "فوهته" فهناك علاقة عكسية بين حجم المدفع وبين فتحة فمه، فكلما زاد من طوال وحجم المدفع قل قطر فتحة فمه والعكس، وأشار المؤلف إلي ضرورة دك مسحوق البارود بشدة داخل المدفع وذلك لمحاولة استغلال كمية البارود كقوة دافعة متجمعة فينتج عنها كمية غازات تدفع القذيفة بقوة، أما إذا كان البارود غير مدكوك فيشتعل البارود متناثراً وتنتج عنه كمية غازات لا تتمكن من دفع القذيفة بقوة إلي أبعد مدي، ويشدد المؤلف عن ضرورة الأخذ في الاعتبار العلاقة النسبية بين فتحة فمه وبين عمق تجويفه بقوله: "ويكون قياس المدفع مناسباً لثقبه، فإذا كان عميقاً أكثر من اتساع الفوهة بدا ناقصاً" فلا يكون عمق تجويف المدفع بمقدار أكثر من قطر فتحة فمه والعكس فيؤدي ذلك إلي خلل في وظيفة المدفع وعدم اندفاع القذيفة بالصورة المطلوبة.
وإذا أمعنا النظر في شكل المدفع نري أن فتحة إشعاله من أسفل وتعتمد طريقة إشعاله علي وجود فتيل مشتعل يتدلي من فتحة إشعاله إلي أسفل، وبمجرد إشعال اللهب في الفتيل يسير اللهب مع الفتيل إلا أن يصل إلي مسحوق البارود فيشتعل وتنطلق القذيفة، وتلك طريقة إشعال فريدة مختلفة في نظامها عن طرق إشعال المدافع المتعارف عليها بعد ذلك.
كذلك نوّه المؤلف عن نوعية القذائف المستخدمة فذكر إما بندق أو نبل أو سهم، وتلك القذائف هي المتعارف عليها في ذلك الوقت، وهي صغيرة حجماً خاصة البندق أو النبل بالقياس مع حجم القذائف المتعارف عليها في المدافع التي ظهرت بعد ذلك بعد تطوير تقنية عملها.
وعلي الرغم من أن المؤلف استخدم مصطلح "مدفع" في وصفه إياه، وأطلق العلماء علي هذا المدفع "المدفع اليدوي"، ومنهم من رجح أنه مقدمة لمدفع الهاون أو البنادق، إلا أنني أرجح أن يكون هذا المدفع مقدمة لعمل واستخدام البنادق سيما أن المؤلف ذيل وصفه بصورة لرجل يحمل بيده هذا المدفع ويتوجه به إلي إطلاقه ناحية الهدف، كما أن طريقة إشعاله مشابهة مع طريقة إشعال البنادق التي ظهرت فيما بعد والتي تعتمد علي الفتيل المشتعل في تشغيلها، بالإضافة إلي أن القذائف المستخدمة قذائف تتناسب مع البنادق كونها أصغر حجماً من قذائف المدافع المتعارف عليها.
وأقدم نماذج أثرية وصلت إلينا من المدفع اليدوي خمسة نماذج، الأول محفوظ بمتحف كوبنهاجن ويرجع إلي 803ه/1400م وهو عبارة عن ذراع طويلة من الحديد يتقدمها ماسورة المدفع، ويحتفظ متحف التاريخ الوطني بسويسرا بنموذجين أحدهما مؤرخ 803ه/1400م، والآخر مؤرخ ما بين 803ه/1400م إلي 854ه/1450م وهو من الخشب وحزّمت ماسورته بحزام من الجلد لتقويته، والنموذج الرابع من الخشب وله مقبض من الحديد وهو مؤرخ 854ه/1450م محفوظ بمتحف الفن والتاريخ بسويسرا، والنموذج الخامس مؤرخ بالقرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي ومحفوظ أيضاً بمتحف التاريخ الوطني بسويسرا، ومن خلال هذه النماذج الخمسة نستنتج أن أقدم أمثلة لهذا المدفع اليدوي عن الأوروبيين يرجع إلي أوائل القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي أي بعد ما عرفه المسلمون بحوالي قرن من الزمان، وعلي هذا يتبين أن علماء المسلمين هم أول من ابتكروا واستخدموا المدفع البدوي وذلك حسب ما وصلنا من أدلة ترجح ذلك.
نظام "الفتيل المشتعل"
قدم المؤلف في طريقة إشعال المدفع نظاماً يعتمد علي فكرة الفتيل المشتعل، وتعد هذه الطريقة أقدم مثال لدينا يطبق هذه الفكرة وكانت الأساس لتنفيذ فكرة نظام إشعال الأرقبوصات المعروف "قفل الفتيل المشتعل Matchlock Ignition system" فهو بذلك أول من طبق هذه الفكرة قبل استخدام الأرقبوصات بقرن ونصف من الزمان.
تطور المدفع اليدوي
استمر استخدام المدفع اليدوي علي الأرجح إلي نهاية القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، غير أنه أدخل عليه تطور تقني حسن من أدائه تمثل في صنعه من الحديد أو البرونز بدلاً من الخشب المدعوم بأطواق متدرجة من الحديد بالإضافة إلي ارتكازه علي حامل أو مسند بساقين متجهاً فمه "فوهته" إلي أعلي، كما أصبحت فتحة إشعاله من أعلي بدلاً من أسفل وهذا التطور يرجع الفضل فيه إلي مسلمي الأندلس، فقد طوروا مثل هذه المدافع لاستخدامها ضد نصاري مملكة قشتالة والبرتغاليين، ويذكر أن هذه المدافع استخدمت ببلاد المغرب والأندلس في معاركهم ضد الإسبان والبرتغاليين من (724ه/1324م) إلي (743ه/1342م).
ومع نهاية القرن الثامن عشر الهجري/ الرابع عشر الميلادي تطورت تقنيات المدافع وأصبح هناك مدافع ثابتة وأخري محمولة علي سرائر ثابتة أو متحركة، واستمرت الأسلحة النارية متمثلة في المدافع غير المحمولة بالأيدي حتي ظهور بنادق الأرقبوصات في النصف الأخير من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي.
تطور المكاحل
جاء تطور مكاحل المدافع بمخطوط الزردكاش المعروف بكتاب الأسلحة (774ه/1372م) ويعد هذا المخطوط من أهم المؤلفات التي ظهرت في العصر المملوكي والتي تتحدث عن تقنيات متطورة خاصة بالأسلحة النارية البارودية، ورغم صغر حجم المخطوط إلا أنه بما فيه من رسومات وأوصاف لمجموع الأسلحة وآلات الحصار فإنه يدل علي مستوي عال من التقدم التقني الحربي في العصر المملوكي ويعد بحق وثيقة تاريخية مهمة توضع في الاعتبار عند تأريخ ودراسة التاريخ التقني الحربي في تلك الفترة.
كما أن المخطوط يحتوي علي كمية لا بأس بها من الرسومات الملونة لمكحلة ومجموعة من قناديق المكاحل المتطورة ذات تدرج للمسافات لتحديد الهدف، الأمر الذي يبين ويكشف عن مستوي تقني متطور.
المكحلة الصيني
جاء وصف أرنبغا الزردكاش لنوع من المدافع أطلق عليه "مكحلة الصيني" بقوله: "مكحلة الصيني تأخذ عشرة بارود ودرهمين ونصف وثمن كبريت ويطحن ناعماً وتشعل المكحلة صيني وهذا هو المثال الذي يوضع" وذيل المؤلف نصه بصورة ملونة رائعة للمكحلة وتفاصيلها وقذائفها وهي عبارة عن سهم حديدي.
وهذا النوع من المدافع يسترعي الانتباه لاختلاف نوعه عن أنواع المدافع المتعارف عليها في تلك الفترة التي ظهرت فيها المدافع بدائية وعشوائية غير منتظمة ولا يتعدي وصفها أكثر من مرحلة تجارب لأنواع المدافع التي ظهرت خلال القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، فجاء لنا العالم "أرنبغا الزردكاش" بنوع متطور من تلك المدافع يستطيع أن يحدد الهدف وإصابته والمسافة التي يقطعها المقذوف والمعروفة ب"المدي" ووضع لمدي المقذوف حداً أقصي وأدني وذلك عن طريق تدرج بقنداق المدفع وكل درجة أبعد من الأخري، والمدفع محمول علي قنداق عبارة عن قوائم من الحديد أفقية مستعرضة يخرج منها أربعة قوائم رأسية اثنان من الأمام واثنان من الخلف مع الأخذ في الاعتبار أن القوائم الخلفية أقصر طولاً من الأمامية ومثبت بها طرف ماسورة المدفع الخلفي، أما القوائم الأمامية فيرتكز عليها محور ماسورة المدفع وعن طريقها يتم التحكم في رفع وخفض مأسورة المدفع عن طريق فتحات مستديرة يدخل منها عمود حديدي يرتكز عليه محور ماسورة المدفع، وكل فتحة مستديرة من الفتحات السابقة تمثل مدي معلوما تصل إليه قذيفة المدفع عند إطلاقها وذلك عن طريق تدرج تلك الفتحات يبين هذا المدي. ولاشك أن هذا المدفع يحتوي علي مجموعة من الحلول التقنية التي وإن دلت فإنها تدل علي تقدم علمي ملحوظ في تلك الفترة.
غنداق "قنداق" المكاحل عند الزردكاش Cannons trial
أعطي لنا أرنبغاً الزردكاش أربعة نماذج فريدة من غناديق "قناديق" المدافع أو المكاحل كلها بصفة مختلفة عن بعضها:
غنداق "قنداق" الإحدي عشرة درجة
وصف لنا الزردكاش هذا الغنداق "القنداق" بقوله: "صفة قنداق الكحلة وخاصيتها أنها يرمي بها مرة بعد أخري، وكل مرة أبعد من الأخري وهي هذا المثال، والرمي علي الخطوط يرمي عليه كان أبعد من الأخري والقاعدة فيه ، أنك تبتدي من الخيط التحتاني ثم إلي الثاني ثم إلي الثالث، إلي حين تفرغ الخطوط والخط الأخير أعلي من الكل".
نفهم من وصف الزردكاش أسلوب وطريقة عمل درجات القنداق المكونة من إحدي عشرة درجة كل منها يمثل مدي أبعد من الآخر أو أقرب من الآخر حسب اتجاه ماسورة المدفع تصاعدياً أو تنازلياً.
غنداق "قنداق" الأثنتي عشرة درجة
أورد لنا الزردكاش نموذجاً آخر مطوراً عن النموذج السابق بحيث زاد من طول مدي المدفع أو المكحلة بدرجة عن السابق وصفه، وقد عرضه الزردكاش ضمن رسمه لنموذج المكحلة الصيني السابق وصفها.
غنداق "قنداق" الأربع عشرة درجة
وصف لنا الزردكاش نموذجاً آخر من نماذج غناديق "قناديق" المدافع وأشار إليه بقوله: "صفة قنداق المكحلة بصفة غير الأولي، وهذا الغنداق "القنداق" يشبه السابق وصفه غير أن الزردكاش أدخل عليه تطور بحيث زاد فيه من طول المدي عن السابق بدرجتين ليصل مقذوف المدفع أو المكحلة إلي مدي أبعد، تلك تعتبر قمة التطور الهندسي في ذلك العصر.
غنداق "قنداق" العشر درجات
ذكر الزردكاش رابعاً من نماذج غناديق "قناديق""المدافع أو المكاحل، ووصفه بقوله: "صفة قنداق المكحلة بصفة ثالثة وهي هذا المثال/ والرمي علي الخطوط التي أسفل ومن بين كل فرجة من الخطوط/ ثمانية خطوط فكل خط يبعد بمقدار منزلة فاحفظه.
نحن أمام نموذج فريد متطور من نماذج غناديق "قناديق" المدفع أو المكاحل التي وصفها ورسمها العالم أرنبغاً الزردكاش، فعلي الرغم من أن هذا القنداق درجاته أقل من النماذج السابقة، إلا أنه مطور تطوراً دقيقاً، فلم يقم الزردكاش بتقسيم القنداق الي درجات معلومة فحسب، ولكن ذهب إلي أدق من هذا، وقسم ما بين كل درجة وأخري إلي ثمانية خطوط أو درجات صغري، وذلك للوصول بمدي القذيفة إلي أدق مدي ممكن تحقيقه، وهو يدل بالطبع علي تفوق هندسي وميكانيكي رائع ودقيق في مجال علم المدفعية، ولن نكون مبالغين إذا قلنا إن علماء العصر المملوكي سبقوا عصرهم بهذا الإنجاز العلمي الرائع، والذي بدأت إرهاصاته تنفذ في العلوم والمعارف الأوروبية بعد ذلك بأكثر من أربعة قرون من الزمان.
نظرية رفع وخفض المدفع عند أرنبغا الزردكاش
عرض العالم أرنبغا الزردكاش لفكرة مطورة شغلت بال كثير من العلماء والباحثين ممن اهتموا بهذا المجال، وهي فكرة رفع وخفض المدفع لتحديد الهدف، والجدير بالذكر أن المدافع من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي حتي أوائل القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي صنعت ثابتة لاتتحرك ومداها محدد ومعروف، والتطور الذي لحق بها لايتعدي وضعها في عربة مدفع لسهولة نقلها وتحريكها من مكان إلي مكان، ويتم إطلاق قذائف المدفع علي مدي محدد وثابت من مكان وجود المدفع، ويتم تقريب المدي أو بعده عن طريق تحريك المدفع كله بعربته إما إلي الأمامه أو إلي الخلف وتلك بالطبع عملية شاقة وفي غاية الصعوبة وأقصي تطور وصلت إليه المدافع الأوروبية في ذلك الوقت هو محاولة رفع وخفض المدفع عن طريق ثلاث مراحل أو درجات فقط وضعت بغنداق "قنداق" المدفع وذلك بالطبع يحقق مدي قصيراً جداً بالقياس إلي ما وضعه أرنبغا الزردكاش الذي أعطانا أربعة نماذج مختلفة من غناديق "قناديق" المدافع كل منها بها تدرجات متنوعة، النموذج الأول به عشر درجات. والثاني به إحدي عشرة درجة، والثالث به اثنتا عشرة درجة والرابع به أربع عشرة درجة، وكل درجة من الدرجات السابقة تمثل مدي محددا وثابتا لمقذوف المدفع إما أبعد فيتم تحريك ماسورة المدفع للأعلي، وإما لأسفل فيتم تحريك ماسورة المدفع لأسفل.
وقد تطورت وتعددت بعد ذلك الدراسات الحربية في العصر المملوكي الجركسي، ونشط علماء هذا العصر في الحقبة الأخيرة منه، وانعكس ذلك في ما ورد في مخطوط آخر لمؤلف مجهول ظهر أواخر العصر المملوكي الجركسي، أفرد فيه المؤلف فصولاً عن فنون القتال بالمدافع وطرق استخدامها والتدرب عليها وطرق إعداد مسحوق البارود وكيفية استخدامه، ولكن للأسف الشديد لم يصلنا من هذا المخطوط إلا صفحات قليلة ومتفرقة.
الألفاظ الدالة علي مصطلح "مدفع"
في المصادر العلمية والتاريخية المملوكية.
وردت بالمصادر العلمية والتاريخية المملوكية ألفاظ دالة علي مصطلح "مدفع"، ولم يكن يستخدم لفظ مدفع بمفهومه الحالي علي أنه الآلة المستخدمة في دفع المقذوفات وإنما كان يستخدم وقتها للإشارة إلي مقذوفات المدفع نفسها، وقد أحدث هذا الأمر الخلط عند بعض الباحثين، والسبب الرئيسي في هذا الخلط هو الفارق في التشكيل اللغوي بين مصطلح "مدفع" بفتح الميم، وبين مصطلح "مُدفع" بضم الميم، والمصطلح الأول يعني الآلة القاذفة، والمصطلح الثاني يعني المقذوف، وجاء الخلط بين المصطلحين في كون المصادر التاريخية لم تكن معنية بالتشكيل اللغوي للمصطلحين، لذا كان من الضروري تفنيد المصطلحات الواردة المملوكية المختلفة أولاً، ثم الوقوف علي تفسيرها، ولاشك أن جميعها مصطلحات وألفاظ تحتاج منا إلي توضيح دقيق لكي يفهم النص صحيحاً دون تحريف للمعني يؤدي إلي خلل في التفسير.
مُدفع
وأقدم المصادر التاريخية التي ذكرت مصطلح "مُدفع" كانت عنذ "صالح بن يحيي" (توفي بعد عام 840ه1436م) صاحب كتاب تاريخ بيروت حوادث عام 743ه1342م بقوله فركب رجال الحامية علي أسوار الحصن، خمسة مجانيق ومدافع كثيرة، وورد مصطلح "مدفع" بكتاب الإلمام للنويري، في ذكره أحداث غزو الفرنج القبارصة للإسكندرية عام 767ه/1365م وذلك عند عرضه لأنواع الأسلحة المحفوظة بقصر سلاح الإسكندرية بقوله: "ثم فيه أيضاً من حجارة العلاج" والمدافع والنفط وحيل الحروب ومكائدها الكثير، وورد مصطلح مدافع عند ابن إياس في حوادث 77ه/1368م بقوله: "ورموا علي المدينة" بالمدافع، وذكر مصطلح "مدافع" عند ابن تغري بردي في حوادث 791ه/1388م بقوله: "فرموا علي منطاش بالمدافع والنشات ، وفي حوادث 812ه/1409م بقوله: "ثم طلب السلطان مكاحل النفط والمدافع". 914ه/1508م يقوله: "ورموا قدامه في البحر عدة مدافع"، وذكر مصطلح مدفع عند ابن زنبل الرمال صاحب كتاب آخرة المماليك بقوله: "إنه أخرج المدافع الكبار التي أودعوها في الجبل هناك".
مكحلة صيني
ظهر هذا المصطلح بمخطوط أرنبغا الزردكاش (774ه/1372م) المعروف ب"كتاب الأسلحة" في وصفه لكيفية تشغيل مدفع قذائفه أسهم حديدية، وقد سبق ذكره.
مدافع حجارة
جاء مصطلح "مدافع حجارة" عند ابن قاضي شهبة (ت 851ه/1448م) في حوادث 792ه/1398م عند ذكره لأحداث مدينة دمشق بقوله: "ورموا بمدافع حجارة قتلت بعض الناس علي السور"، ولفظ مدفع في هذا النص للدلالة علي المقذوف نفسه.
مدافع حديد
ذكر مصطلح "مدافع حديد عند ابن قاضي شهبة (ت851ه/1448م) في حوادث 792ه/1398م عند ذكره لأحداث مدينة دمشق بقوله: "ورموا أيضاً بمدافع حديد سقط منها مدفع وزنه رطلان"، وهذا النص يؤكد ما ذهبنا إليه من أن مصطلح مدفع للدلالة علي المقذوف نفسه.
مدفع نحاس ورصاص
ورد ذكر مدفع نحاس عند القلقشندي حيث ذكر انه شاهد مدفع نحاس في الإسكندرية فقال: "وقد رأيت بالإسكندرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين في نيابة الأمير صلاح الدين بن عرام رحمه الله مدفعاً قد صنع من نحاس ورصاص.
مكاحل البارود
ورد ذكر "مكاحل البارود" لتدل علي المدفع عند ابن فضل الله العمري (ت748ه/1348م) في كتابه التعريف بالمصطلح الشريف، والذي انتهي من تأليفه 740ه/1340م. حيث ذكر مكاحل البارود بقول: "مكاحل البارود أداة من أدوات القتال لاتبالي الهواء إذا أخرجت لهم خفايا سرها تورد القلاع منها النار ذات الوقود)، واستخدم القلقشندي مصطلح مكاحل البارود بقوله: "مكاحل البارود وهي المدافع التي يرمي عنها بالنقط".
المكاحل
ذكر مصطلح "المكاحل" عند ابن تغري بردي في حوادث 791ه/1389م بقوله:"أخذ السلطان ينقل إلي قلعة الجبل المجانيق والمكاحل"، وفي حوادث 801ه/1399م" وجاء مصطلح "مكاحل" عند ابن إياس في حوادث 921ه/1515م بقوله "وأوسقهم بالسلاح والمكاحل والمدافع وغير ذلك من آلة الحرب"، كما ورد مصطلح مكاحل بمرسوم أصدره السلطان قانصوه الغوري 907ه/1501م عند زيارته لحصن قايتباي بالإسكندرية، حيث حذر السلطان الغوري ممن تسول له نفسه أخذ أي ألة من آلات الحرب الموجودة بالقلعة فجاء فيه : "لا أحد يأخذ من البرج الشريف بالإسكندرية سلاح ولا مكاحل ولا بارود ولا آلة ولاغير ذلك.
مدافع النفط
جاء مصطلح "مدافع النفط" عند ابن تغري بردي في حوادث 801ه/1399م بقوله: "مدافع النفط والمكاحل"، وذكر القلقشندي مصطلح "مدافع النفط" في مراسيم الاحتفال بوفاء النيل بحضور السلطان.
مدافع النفط والمكاحل
ورد مصطلح "مدافع النفط والمكاحل" عند ابن تغري بردي ليدل علي الجمع بين المدافع والمكاحل، في حوادث 801ه/1399م.
مكاحل النفط
ذُكر مصطلح "مكاحل النفط" عند ابن تغري بردي، في حوادث 812ه/1409م بقوله:
"ثم طلب السلطان مكاحل النفط والمدافع"، وفي موضع آخر في حوادث 841ه/1438م بقوله: "ونصبوا مكاحل النفط علي سور القلعة". وعند ابن إياس في حوادث 807ه/1404م بقوله: "وعمل ثلاثين مدفعاً وعدة مكاحل للنفط ومنجنيقين"، وفي حوادث (921ه/1515م) بقوله: "مدافع النفط والبندقيات".
مكاحل نفط كبار
ورد مصطلح "مكاحل النفط الكبار" عند ابن تغري بردي ليدل علي المدفع، في حوادث 814ه/1411م بقوله: "وعليها آلات الحصار من مكاحل النفط الكبار".
مدافع النفط المهولة
جاء مصطلح "مدافع النفط المهولة: عند ابن تغري بردي في حوادث 814ه/1411م بقوله: "وعليها آلات الحصار من مكاحل النفط الكبار ومدافع النفط المهولة".
مكاحل النفط الكبار ومدافع النقط المهولة
ذُكر مصطلح "مكاحل النفط الكبار ومدافع النفط المهولة" عند ابن تغري بردي ليجمع بين مصطلحين في نص واحد هما "مكاحل النفط الكبار" و"مدافع النفط المهولة" في حوادث 814ه/1411م بقوله: "وعليها آلات الحصار من مكاحل النفط الكبار ومدافع النفط المهولة".
مكاحل النفط والمدافع
ذُكر مصطلح "مكاحل النفط" عند ابن تغري بردي ليدل علي المدفع، في حوادث 812ه/1409م بقوله: "ثم طلب السلطان مكاحل النفط والمدافع".
المكاحل بالمدافع
ورد ذكر مصطلح المكاحل بالمدافع عند ابن إياس في حوادث 753ه/1351م، بقوله: "وركب عليها" المكاحل بالمدافع"، وفي حوادث 768ه/1366م بقوله: "والمكاحل بالمدافع عماله"، وفي حوادث 791ه/1389م بقوله: "وركب عليها" المكاحل بالمدافع".
مكاحل معمرة بالمدافع
ورد ذكر مكاحل معمرة بالمدافع عن ابن إياس في حوادث 803ه/1400م بقوله: "ووضع بها المكاحل وهي معمرة بالمدافع"، ثم ذكر هذا المصطلح مرة أخري في حوادث 906ه/1500م بقوله: "فركب حولها المكاحل المعمرة بالمدافع"، وفي حوادث 922ه/1516م بقوله: "والمكاحل معمرة فيها بالمدافع".
مدافع صوان
جاء ذكر مدافع صوان عند ابن إياس في حوادث 229ه/1516م بقوله: "وفيه أرسل السلطان مكاحل حديد ومدافع صوان".
مكاحل حديد
ورد ذكر مكاحل حديد عند ابن إياس في حوادث 918ه/1512م بقوله: "وقيل إن السلطان سبك نحوا من سبعين مكحلة ما بين كبار وصغار من نحاس وحديد، وفي حوادث 922ه/1516م بقوله: "وفيه أرسل السلطان مكاحل حديد ومدافع صوان".
مكاحل نحاس
ورد ذكر مكاحل نحاس عند ابن إياس في حوادث 922ه/1516م بقوله: "مكحلة نحاس ترمي بالبندق الرصاص"، وحوادث 923ه/1517م بقوله: "ومعهم مكاحل نحاس ومدافع.
لابد وأن نتفق أولاً أن مصطلح "مكحلة" الوارد بالمصادر العلمية والتاريخية في العصر المملوكي جميعها تدل علي أنها آلة دفع المقذوفات "المدفع"، وهذه التسمية علي الأرجع مصدرها إما من لون مسحوق البارود الأسود الذي يشبه مسحوق كحلة العين، وإما جاءت هذه التسمية من شكل مدفع القدر أو مدفع الفازة Vase cannon لتشابه بينه وبين مكحلة العين، كما أن تسمية آلات المدافع بالمكاحل وردت بالمصادر العلمية المملوكية واشتهرت بهذا الاسم فيها.
ومن المقبول إذا عرف مصطلح مكحلة علي أنه آلة المدفع في المخطوطات العلمية المتخصصة أن يتناولها المثقفون من العصر المملوكي بهذه التسمية أيضا فعرفت واشتهرت عندهم في كتبهم علي أن المكحلة هي المدفع، واستمر استخدام مصطلح مكحلة ليدل علي آلة المدفع حتي قدوم العثمانيين في النصف الأول من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، واستمر استخدام هذا المصطلح من قبل المؤرخ ابن إياس في أوائل العصر العثماني ليدل علي المدافع في حوادث 927ه/ 1520م بقوله: «مكاحل نحاس ومدافع حجر»، ومكاحل نحاس هنا بمعني آلة الدفع، ومدافع حجر بمعني المقذوف وهو من الحجر، ولكن تغير هذا المفهوم وأصبح مصطلح مدفع يدل علي آلة المدفع في العصر العثماني.
أما مصطلح »مدفع« بضم الميم فقد استخدمه العلماء المتخصصون في العصر المملوكي ليدل علي المقذوفات المستخدمة والتي من صفاتها قوة الدفع فسموها بمدفع نتيجة قوة دفعها من الآلة المستخدمة في ذلك، فقد استخدمها أرنبغا الزرد كاش بقوله عند وصفه لقاذفات اللهب وهي آلة حربية تنبعث منها نيران قوية فتحرق الأعداء أطلق عليها «صندوق مخاسفة» وقال في وصفها: «تأخذ صندوقا وفي جنبه مزراق نحاس وله أنابيب/ وتنفذ إليه ويملأ الصندوق نفطا ويعمل علي رأس المزراق وردة لباد/ وتشعلها وتطلع بالمدفع وترد به فيطلع منه شهاب نار بطول/ رمح فيحرق خصمه الذي في المخاسفة"، فهنا استخدم أرنبغا الزردكاش لفظ مدفع ليدل بها علي صفة الدفع القوي للنيران المنبعثة من الآلة الحربية التي وصفها.
في المصادر التاريخية المملوكية أيضا فقد استخدم لفظ "مدفع" ليعني كرات المدفع أو مقذوفات المدفع وليس آلة المدفع المتعارف عليها، ومصطلح "نفط" المقصود به مسحوق البارود، واستمرت هذه التسميات علي مفهومها حتي أواخر العصر المملوكي أوائل العصر العثماني عندما أصبح مصطلح مدفع يدل علي آلة المدفع، واستخدم مصطلح "كرات" لتدل علي المقذوفات بدلا من كلمة "مدفع"، واستخدم مصطلح بارود ليدل علي مسحوق البارود بدلا من كلمة "نفط".
ولكننا نستطيع القول أن بداية العصر العثماني كانت بداية استخدام المصطلحات الحربية المتعارف عليها في مصر والتي استمر معظمها إلي وقتنا هذا، وأن البيئة العثمانية أثرت بشكل كبير علي خصوصية البيئة المصرية وخاصة في مختلف النظم العلمية والحياتية.
نستنتج من تلك النصوص معلومات في غاية الأهمية عن المدافع وقذائفها في العصر المملوكي حيث ظهرت لنا أنواع من المدافع في العصر المملوكي من خلال ما ذكر في المصادر العلمية والتاريخية ومنها المدفع اليدوي، والمدفع أو المكحلة الصيني، والمدافع أو المكاحل التي تصنع من الحديد أو النحاس أو النحاس والرصاص معا، وهي إما ذات حجم كبير وصفها لنا ابن إياس بقوله: "فكان منهم أربعة كبار فقيل وزن كل واحد منهم ستمائة قنطار شامي، فكان طول كل واحدة نحوا من عشرة أذرع"، يعطي لنا ابن إياس وصفا لنوع من أنواع المدافع الكبيرة التي شاع استخدامها في العصر المملوكي وعلي الأرجح تلك المدافع التي وصفها ب"المجنونة"، وأما المدافع الصغيرة فكان طولها خمسة وعشرين شبرا ويسحب كل واحدة منهما أربعة رؤوس خيل.
الأسلحة النارية في الأدب المملوكي
ذكرت الأسلحة النارية خاصة المدافع في صورة شعرية في الأدب المملوكي بكتابات المؤرخين، ومنها علي سبيل المثال ما ذكره ابن إياس في حوادث 906ه/1500 م بقوله:
تحصن خوفا جنبلاط بقلعة
فلم تدفع الأعداء عنه المدافع
فكانت مراميه كفارغ بندق
خلا من القتلي ولكن فراقع
وجاء عند ابن إياس في قصيدة شعرية نظمها الشيخ بدر الدين الزيتوني في رثاء السلطان الأشرف قانصوه الغوري وواصفا ما حدث له فقال:
وجد الروم مجهزين بالسلاح
والتراكيش معمرة بالنبال
ووقع بين العسكريين وقعة
للفريقين شابت لها الأطفال
وفي موضع آخر من نفس القصيدة قال:
والمدافع ترمي سفرجل كبار
وإلا رمان من الفحول فاخر
وذكر السلطان الأشرف طومان باي (922ه/ 1516م) مصطلح مدفع في القصيدة التي انشدها عند أهرامات الجيزة وتتضمن جميع ما جري لهم من أول الحرب إلي آخره وجاءت من أحسن المعلقات وقال فيها:
خرجنا بالجموع لنلتقيهم
وكان الشر يوم الحرب راق
وفي خط المدافع قام قومي
وزادوا في الخصام وفي الخناق
وقد جاءت علينا الروم
زحفا كبحر مالح في الاندفاق
صناعة وسبك المدافع
اهتم سلاطين المماليك اهتماما خاصا بصناعة المدافع كما كانوا حريصين علي الإشراف علي صناعتها وتجربتها قبل استخدامها، بالاضافة إلي اهتمامهم علي من يقوم بهذه الصناعة ورعايته رعاية خاصة، ومنذ بدء استخدام المدافع في العصر المملوكي 753ه/ 1352م وهذه الصناعة حظيت باهتمام السلاطين المماليك وإن كان علي نطاق ضيق في باديء الأمر إلا أنها بدأت شيئا فشيئا تنتشر وتستخدم علي نطاق واسع.
وقد وضع لصناعة وسبك المدافع هيكل تنظيمي يشرف عي هذه الصناعة وعلي تجربتها وصيانتها بصفة دورية، ولم يكتمل هذا الهيكل التنظيمي إلا في أواخر العصر المملوكي الجركسي عندما انتشرت صناعة المدافع وأتقن عملها.
سباكو المدافع
عرف من يقوم بسباكة المدافع في العصر المملوكي ب"سباكي المكاحل" وهم من يقومون بأنفسهم علي صهر المعدن المصنوع منه المدفع وسباكته وإعداده للتجربة، وأقدم ما وصلنا عن أصحاب هذه المهنة في العصر المملوكي كان المعلم إبراهيم الحلبي زمن السلطان الظاهر خشقدم (865- 872ه/ 1461- 1467م) وكان يسبك المدافع تحت إشراف السلطان، وكان السلطان خشقدم حريصا علي حضور تجارب تلك المدافع، وممن اشتهر أيضا بسباكة المدافع في العصر المملوكي "المعلم دمنيكو السباك" واحد ممن اشتهر بصناعة وسبك المدافع علي عهد السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن قايتباي (901-904ه/ 1398- 1500م)، والواضح من اسمه أنه علي الأرجح أحد البنادقة الذين استقروا بمصر، ولم يعطنا ابن إياس ترجمة محددة لهذا الصانع غير اسمه المختصر ودوره في سبك مدفع كبير لصالح الأمير أقبردي الدوادار، وانتهي به الأمر بقطع رأسه عقابا له علي هذه الفعلة، واهتم السلطان الأشرف قانصوه الغوري (906-922ه/ 1501- 1517م) بسباكي المدافع ومعاونيهم من عتالين وحدادين ونجارين وحرص علي متابعة ما ينتجونه من مدافع وأسلحة، وعرف سباكو المدافع في عصر الغوري ب"المكحل"، ومنهم الأمير "أزبك من طراباي المكحل"، وكان الأمير أزيك المكحل أحد أمراء السلطان قانصوه الغوري وولاء نيابة الاسكندرية (904ه/ 1498م) ثم غضب عليه السلطان الغوري وسجنه بسجن دمياط ثم عفا عنه بعد ذلك، وقتل في موقعة الريدانية (922ه/ 1516م) وسباكو المدافع ينتسبون لوظيفة الزرد كاشية، وهم أحد أهم أعمال هذه الوظيفة، غير أن الزردكاشية مسئولون عن صنع وصيانة جميع أنواع الأسلحة بما فيها المدافع، أما سباكو المدافع فهم متخصصون في صناعة وسبك المدافع فقط.
النفطية
النفطية أو النفاطون أو النفاطة أو أولاد الناس النفطية أو العبيد النفطية، كلها مصطلحات تدل علي وظيفة واحدة، فهم المسئولون عن إعداد وتحضير مكونات مسحوق البارود اللازم للمدافع بالإضافة إلي تشغيلها وتجربتها مع سباكي المدافع، وإعداد كل ما يلزم من المواد المشتعلة والحارقة المستخدمة في العمليات الحربية، ومن وظائفهم أيضا إطلاق المدافع وقذف المواد الحارقة علي الأعداء في المعارك، وهم الطبجية في العصر العثماني، وكما سبق وأن ذكرنا أن النفاطين وظيفة ترجع إلي ما قبل العصر المملوكي بعدة قرون، فقد استعملهم الخليفة العباسي هارون الرشيد (170-194ه/ 786- 809م) في حروبه، واستمرت هذه الوظيفة في العصر المملوكي، وإن استحدث عليها المهام المتعلقة بالمدافع وبارود المدافع والمواد المشتعلة المستخدمة في بعض أنواع من كرات المدفع مثل الكرات الحارقة، وكانوا في بعض الأحيان من غير المصريين، فكانوا علي أيام السلطان الأشرف ناصر الدين شعبان (764- 778ه/ 1363- 1376م) من المغاربة، وأطلق عليهم في عصر السلطان ناصر الدين محمد بن قايتباي (901- 904ه/ 1398- 1500م) العبيد النفطية وعمل في هذه الوظيفة في بعض الأحيان فرقة أولاد الناس وكانوا يلقبون ب" أولاد الناس النفطية" في عصر السلطان نفسه، وأطلق عليهم في عصر قانصوه الغوري (906- 922ه/ 1501- 1516م) نفطية أو عبيد نفطية، وطائفة النفطية تتبع طائفة الزردكاشية وناظر الزردخانة.
الزردكاشية
الزردكاش هي كلمة أعجمية تعني صانع الدرع أو الزرد، والجمع زردكاشية، واللفظ مأخوذ من المصطلح الفارسي "زراد" بمعني صانع الدروع ثم اتسع مضمون الكلمة وأصبح يطلق علي صانع الأسلحة، وهي وظيفة عسكرية مهمتها صناعة اصلاح الآلات الحربية وتجديد المستعمل منها، وأصبح من أهم مهام الزردكاش هي صناعة وتشغيل المدافع، وكان معاونوهم في هذه الوظيفة العتالين لنقل المدافع من مكان إلي مكان والنجارين والحدادين، وكان من الزردكاشية من يقوم بتسجيل خبراته العلمية والعملية ليستفيد منها من يأتي بعده بهذا العلم وخاصة أن مهنته تتيح له كثيرا من مجالات المعرفة الخاصة بالآلات الحربية وغيرها مثلما فعل العالم المسلم أرنبغا الزردكاش 774ه/ 1372م، وكان الزردكاشية يقيمون بالقلاع والحصون لمتابعة وصيانة المدافع والأسلحة بها كما ورد ذلك بمرسوم السلطان الغوري بحصن قايتباي بالاسكندرية ، وممن عمل بهذه الصنعة في العصر المملوكي زمن السلطان قانصوه الغوري المعلم أحمد بن كراكز أو قراقز، والمعلم محمد العادلي المعروف بابن البردية، والمعلم زين العابدين المعروف بابن الأعور، المعلم أحمد بن الهواويني، ويرأس الزردكاشية زردكاش ثاني..
زردكاش السلطان
هو المختص بصيانة أسلحة السلطان
زردكاش ثان
زردكاش ثان هي وظيفة أعلي من الزردكاشية، ومهمتها الإشراف علي أعمال الزردكاشية وممن تولي هذا المنصب في سلطنة الأشرف قانصوه الغوري الأمير يوسف الأشرفي.
زردكاش كبير
هي من أهم الوظائف التي يحرص السلطان علي اختيار الأصلح لها لخطورتها وأهميتها كون صاحب هذه الوظيفة يعتبر من أهم رجال الدولة، فهو المسئول عن صناعة الأسلحة وتجربتها وصيانتها وخاصة المدافع أمام السلطان، وهو المسئول عن توزيع الأسلحة علي الجيش وتجهيزها عند الخروج للقتال وممن تولي هذه الوظيفة في العصر المملوكي في سلطنة الظاهر سيف الدين جقمق (842- 857ه/ 1438الأمير أسنباي الظاهري برقوق الزردكاش، الأمير دقماق اليشبكي، وفي زمن السلطان الأشرف سيف الدين إينال العلائي (857-865ه/ 1453- 1461م) تولي وظيفة زردكاش كبير لاجين الظاهري، وجاني بيك القرماني الوالي، والأمير نوكار من بابا، والأمير سنقر الأشقر المعروف بقره شبق، وفي أيام السلطان الظاهر سيف الدين حشقدم (865- 278ه/ 1461- 1467م) تولي وظيفة زردكاش كبير الأمير طوخ الأبو بكري المؤيدي خلفا للأمير سنقر قره شبق، الأمير فارس السيفي دولات باي خلفا للأمير طوخ الأبو بكري، وفي سلطنة الأشرف سيف الدين قايتباي (872- 901ه/ 1468- 1496م) تولي زردكاش كبير الأمير جانم السيفي تمر باي، وفي عصر السلطان قايتباي جمعت الزردكاشية الكبري مع وظائف أخري، فقد جمع الأمير يشبك الجمالي. الذي تولي الزردكاشية الكبري عوضا عن الأمير جانم السيفي. بين وظيفة زردكاش كبير والحسبة، غير أن هذا الأمر لم يدم طويلا، وفي عصر السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن قايتباي (901- 904ه/ 1496- 1498م) تولي الزردكاشية الكبري الأمير دولات باي من غيبي عوضا عن الأمير يشبك الجمالي، ثم عين السلطان عمه الأمير قايت في تلك الوظيفة، ثم ابن عمه الأمير جانم بن قايت، ثم جاء الأمير تمر الحسيني عوضا عن الأمير جانم بن قايت، وفي عصر السلطان الأشرف قانصوه الغوري (906- 922ه/ 1501- 1517م) تولي الزردكاشية الكبري الأمير مغلباي الشريفي والذي استمر حتي نهاية عصر الغوري وكان الأمير مغلباي الشريفي يقع علي عاتقه الكثير م المهام والصعاب التي أوكلها له السلطان الغوري ومنها الإشراف مباشرة علي سبك ونقل المدافع إلي أماكن تجربتها والإشراف علي تجربتها وصيانتها.
ناظر الزردخانة
ناظر الزردخانة هو المسئول عن حفظ وحماية الأسلحة من التلف وإصلاح ما يفسد منها،، وممن تولي هذا المنصب الأمير عبدالباسط ابن تقي الدين (891ه/ 1486م) في سلطنة الأشرف سيف الدين قايتباي، واستمر في منصبه حتي نهاية العصر المملوكي الجركسي، والزردخانة Arsenal هو مخزن ومصنع الأسلحة في العصر المملوكي، وسميت بالزردخانة نظرا لوجود عدد كبير من صانعي الأسلحة أطلق عليهم الزردكاشية وكانت الأسلحة عموما تحفظ في الزردخانة لوقت الحاجة إليها.

اهتمام سلاطين المماليك
بالمدافع وسباكتها وتجربتها
اهتم سلاطين المماليك بصناعة وسبك المدافع اهتماما بالغا، علي العكس تماما مما يشاع من عدم اهتمامهم بهذا السلاح الجديد، أو أنهم أبوا أن يستخدموه وفضلوا عليه الأسلحة التقليدية الأخري، وما وصل إلينا من مخطوطات علمية ونصوص أوردتها لنا المصادر التاريخية تبين عكس ذلك تماما بل أنهم كانوا يتابعون بأنفسهم هذه الصناعة ويشجعون من يقوم علي تطورها، بل إن العلماء الذين يقومون علي هذا التطوير كانوا يحظون باهتمام شخصي من سلاطين المماليك، وهو ما شجع علي ظهور عديد من العلماء المسلمين في هذه الفترة كانوا محط اهتمام ورعاية هؤلاء السلاطين مثل العالم المسلم نجم الدين حسن الرماح، وأرنبغا الزردكاش، وابن منكلي الناصري وغيرهم ممن ساهموا في النهوض بعلم الآلات الحربية وعملوا علي تطورها وفق منهج علمي دقيق.
السلطان الأشرف ناصر الدين شعبان بن حسين بن السلطان محمد بن قلاوون (764- 778ه/ 1363- 1376م).
نشطت الحركة العلمية في عصر السلطان الأشرف ناصر الدين شعبان وتطورت فيها العلوم الحربية تطورا ملحوظا، واهتم هذا السلطان بالعلماء ممن تخصصوا بالعلوم الحربية مثل أرنبغا الزردكاش الذي دون خبرته في كتابه الأسلحة الذي يحتوي علي مجموعة من الآلات الحربية المطورة علي أيدي هذا العالم، كما أظهر لنا نوعا من المدافع المطورة ذات الفناديق السابق وصفها وتستطيع تحديد مدي القذيفة، وتحديد الهدف وإصابته وهذا يدل علي تطور العلوم الهندسية في عصر هذا السلطان، بالإضافة إلي أنواع متطورة من كرات المدافع وخاصة الكرات النارية، كما احتوي كتاب أرنبغا الزردكاش علي مجموعة من آلات الحرب بوصفها لأول مرة تدل علي مقدار التقدم العلمي الذي ظهر في ذلك الوقت، وعلي وجه العموم ريعتبر كتاب الأسلحة لأرنبغا الزردكاش من الكتب التي لاغني عنها للباحثين المهتمين بتاريخ العلوم الحربية في العصر المملوكي.
ومن أشهر العلماء المسلمين الذين ظهروا في عصر السلطان الأشرف شعبان، العالم المسلم محمد بن منكلي الناصري (توفي بعد 778ه/ 1876م) وكان نقيبا للجيش المملوكي في عهد الأشرف شعبان، وكان ابن منكلي واحدا من أشهر المهندسين العسكريين الذين نبغوا وظهروا في عصر هذا السلطان، وله عديد من المؤلفات الحربية الهامة التي تظهر مدي تقدم العلوم العسكرية في ذلك الوقت ومنها كتاب "أنس الملا بوحش الفلا"، و"الأدلة الرسمية في التعابي الحربية"، و"الأحكام الملوكية والضوابط الناموسية في فن قتال البحر"، و"التدبيرات السلطانية في سياسة الصناعة الحربية"، وكتابه الشهير "الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب" والذي يحوي العديد من الحيل والابتكارات الحربية اللازمة للجيش الإسلامي وخاصة الطرق التي ذكرها ابن منكلي ي كيفية اعداد النيران والنفوط بأنواعهما المختلفة.
ويبدو أن تدوين مثل هذه الأعمال أيام السلطان الأشرف شعبان كان مقصودا وعن عمد، إذ أراد السلطان أن يحتفظ أو يسجل أصحاب هذه الخبرات العسكرية أعمالهم ليستفيد منها أصحاب هذا المجال في عصرهم أو فيما بعد، فقد طلب نائب حلب الأمير منكلي بغا بن عبدالله الأحمدي الأشرفي السيفي (ت 782ه/ 1381م) من أرنبغا الزردكاش تدوين خبراته العسكرية فجاء لنا بكتابه الهام والمعروف ب"الأسلحة" ومن المرجح أن ابن منكلي الناصري صاحب كتاب الحيل في الحروب انتهج نفس منهج أرنبغا الزردكاش، وسواء طلب منه السلطان الأشرف شعبان تدوين أعماله وخبراته الحربية أو أنه أراد أن يدون ذلك من تلقاء نفسه فالنتيجة الحتمية لذلك هو وجود نشاط علمي ملحوظ في ذلك العصر.
إذن نحن أمام تراث علمي حربي نما وازدهر في عصر السلطان الأشرف شعبان والدليل علي هذا كم المؤلفات الحربية الهامة التي ظهرت في ذلك الوقت، وحقيقة الأمر ان عصر السلطان الناصر شعبان كان من أزهي الفترات تقدما في العلوم الحربية والعسكرية وشهدت ظهور ابتكارات وأنواع متطورة من الأسلحة النارية وخاصة المدافع، جعلت عصر هذا السلطان يمثل بحق مرحلة من أهم مراحل تطور هذه العلوم.
وقد دلل القلقشندي عمليا علي هذا التطور وحدثنا عن بعض أنواع الأسلحة التي ظهرت في هذا العصر وخاصة المدافع التي ظهرت في عصر الأشرف شعبان والتي كانت تتم تجربتها تحت اشرافه الشخصي، وهي أنواع مختلفة من المدافع، غير التي ذكرها أرنبغا الزردكاش في كتابه الأسلحة وجربت بالاسكندرية، ومنها مدفع صنع من النحاس والرصاص وله غنداق "فنداق" من الحديد للحفاظ علي توازنه والتحكم في رد فعله وقت اطلاق قذيفته، وقذيقة هذا المدفع كرة من الحديد اطلقت من الميدان بالاسكندرية فوقعت في بحر السلسلة ونستطيع التوصل الي حساب مدي تلك القذائف من خلال المعطيات التي ذكرها لنا القلقشندي في نصه حيث ذكر ان قذيفة المدفع من الحديد وانطلقت من الميدان فوقعت في بحر السلسلة امام باب البحر ثم ذكر انها مسافة بعيدة، واذا اخذنا في الاعتبار ان مدينة الاسكندرية في العصر المملوكي كانت عبارة عن مساحة شبه مستطيلة طولها من الشرق من باب رشيد الي الغرب عند باب الخوخة او القرافة حوالي (250.3 كم)، وعرضها من الشمال الي الجنوب في جزئه الشرقي (600م) وفي جزئه الغربي (1كم) وأن باب البحر يبعد عن شاطيء بحر السلسلة "الميناء الغربية" حوالي 1 كيلومتر تقريبا ايام السلطان الأشرف شعبان، ومن المفترض وطبقا لرواية القلقشندي ان قذيفة المدفع تخرج من الميدان لتسقط في بحر السلسلة "الميناء الغربية" واذا فرضنا أن قذيفة المدفع وصلت الي اقصي مدي لها من بحر السلسلة 2 كم تقريبا وهو عرض بحر السلسلة من الشرق إلي الغرب في العصر المملوكي، فيصبح مدي قذيفة المدفع حوالي 3كم تقريبا مع الأخذ في الاعتبار وزن القذيفة.
ومما سبق يتضح لنا ظهور نوعين من المدافع أيام السلطان الأشرف شعبان النوع الأول أطلق عليه أرنبغا الزردكاش "مكحلة صيني" وقذائفه أسهم حديدية وسماها القلقشندي "أسهم عظام تكاد تخرق الحجر"، والنوع الثاني وصفه القلقشندي بأنه مدفع صنع من نحاس ورصاص وله قنداق (غنداق) من الحديد ودل عليه القلقشندي بقوله "وقيد بأطراف الحديد"، وقذائف هذا المدفع كرات حديدية وزنها ما بين عشرة أرطال (45.36 كجم) الي ما يزيد علي مائة رطل (45.36 كجم).
وكان السلطان الأشرف شعبان حريصا علي تسليح جيشه بآلات الحرب المختلفة وخاصة المدفع، ويذكر أن زردخانة الاسكندرية كانت مليئة بآلات الحرب المختلفة وخاصة المدافع والمنجنيقات والقنابر أو القنابل وحوالي ستة آلاف سهم وآلاف السيوف والرماح وغيرها، وذلك حرصا منه أن تكون الاسكندرية علي أهبة الاستعداد خوفا من غزو الفرنج لها مرة أخري، فقدت عرضت الاسكندرية لغزو قبرصي عام 767ه/1366م بقيادة بطرس لوزينان peter von Lusignan (761-771ه/ 1359-1359م) ملك قبرص، وحدثنا عن هذا الغزو النويري السكندري محمد بن قاسم بن محمد النويري المالكي السكندري في كتابه "الإلمام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية في وقعة الاسكندرية) وقد سبقت الاشارة اليه، فيذكر: (أنهم اقتحموا أبواب المنازل المغلقة ينهبون ما فيها كما نهبوا المتاجر والفنادق وحملوا ما وجدوه علي الجمال والبغال والحمير، وقتلوا من كان مختبئا، وعرقبوا الخيول والثيران، وأشعلوا كذلك النار في القياسر والحانات، وكسروا القناديل بالمساجد والجوامع، وثبتوا علي الأسوار أعلام الصلبان، وأسروا الكثيرين من الأهالي، وقد استغرقت عمليات السلب والنهب والخطف من بعد ظهيرة يوم الجمعة حتي يوم السبت الموافق ثاني صفر"، وربما حرص السلطان الأشرف شعبان بعد تعرض الاسكندرية لهذا الغزو المدمر علي تسليح جيشه بأسلحة متطورة مثل المدافع وغيرها خوفا من تكرار الغزو من الافرنج مرة أخري، حتي إنه اتخذ قرارا بتحويل الاسكندرية من الولاية الي النيابة، وذلك لينفرد نائبها بالاهتمام بها وبتحصينها مثلها مثل نواب بلاد الشام، وقد حرص أيضا علي أن تكون تجارب المدافع بالاسكندرية علي الأخص، لقياس مدي فاعليتها عمليا والوقوف علي امكاناتها وقدرتها علي التصدي لأي هجوم بحري، وكان يحرص علي حضور ومتابعة هذه التجارب بنفسه، فكان الدافع الأساسي للسلطان الأشرف شعبان بعد وقعة الاسكندرية هو تحديث جيشه بأحدث الأسلحة، وابتكار وتطوير أسلحة جديدة، وكان مدفع أرنبغا الزردكاش المبتكر والمزود بأحدث نظم تحدد مدي القذيفة بدقة نتيجة لهذا الدافع القوي، وربما ما شاهد القلقشندي في الاسكندرية من أنه رأي مدفعا يطلق قذيفة وقعت ببحر السلسلة، ما هي الا احدي تجارب المدفعية في عصر السلطان الأشرف شعبان في نيابة الأمير خليل بن صلاح الدين بن عرام، وكان السلطان يحرص بنفسه علي متابعتها ونتيجة تجاربها.
ومن خلال العرض السابق نستطيع أن نقرر بمنتهي الوضوح أن عصر السلطان الأشرف شعبان كان من أزهي العصور تقدما في العلوم بصفة عامة والعلوم الحربية بصفة خاصة، ولعل نتيجة ذلك هو اصراره علي اعداد جيش قوي مسلح بأحدث آلات الحرب، وذلك تجنبا لعدم تكرار مأساة الاسكندرية 767ه/1365م، والعمل علي تصدي أي هجوم مرة أخري، وهذا بطبيعة الحال يفسر لنا سبب تطور وتقدم الحركة العلمية في عصر هذا السلطان، وسبب اهتمامه وحرصه الشديد بالعلماء، والعمل علي تدوين خبراتهم العلمية للاستفادة منها بعد ذلك ومحاولة تطبيقها علميا، حتي أنه كان دائما ما يقول لعلمائه لحثهم علي تدوين خبراتهم "افعل هذا لئلا تموت الفنون في دولتي وأيامي"، وقد علق ابن تغري بردي علي ذلك بقوله: "لعمري أنه كان يخشي موت الفنون والفضائل" بالاضافة الي أنه كان خبيرا بالتحصينات الحربية من أين تحاصر ومن أين تهاجم.
السلطان الناصر ناصر الدين فرج بن برقوق
اهتم السلطان الناصر فرج بن برقوق (801-815ه/ 1399-1412م) بالأسلحة النارية وخاصة المدافع وعمل علي تطويرها وانتشارها وتسليح الحصون بها، وقد ورد عند ابن تغري بردي ما يدل علي ذلك منها أنه أمر بسبك عدد من المدافع لتسليح القلعة، بها، كما أمر بصناعة الكثير من قذائف تلك المدافع، وقد تطورت المدافع في عهد هذا السلطان وظهر منها نوع كبير أطلق عليه ابن تغري بردي "مكاحل النفط الكبار"، كما تطورت أيضا قذائف المدافع في عصر السلطان الناصر فرج، وقد وصفها ابن تغري بردي علي أنها "مدافع النفط المهولة" وقد وصفت بالمهولة من شدة ما تحدثه من ضرر، كما زاد السلطان الناصر فرج من استخدم المدافع وخاصة في القلاع والحصون، وكانت سباكة المدافع منتشرة علي عهده فكان يسبك في المرة الواحدة عدة مدافع وأكثر من ثلاثين مقذوف لها، وصفها ابن اياس ب"مكاحل معمرة بالمدافع" ووزن قذائفها حوالي ستين رطلا بالمدشقي".
السلطان الظاهر أبوسعيد سيف الدين خشقدم (865-872ه/ 1461-1467م)
حرص السلطان الظاهر خشقدم علي سباكة المدافع، وتطورها وقد أشرف علي ذلك بنفسه، فيذكر أنه علي عهده أجريت عديد من تجارب المدافع التي أمر بسبكها، وكان من أمهر سباكي المدافع علي عهده المعلم ابراهيم الحلبي، الذي تولي سباكة عدد من المدافع ثم تجربتها 868ه/1464م، وقد بلغ مرمي هذه المدافع من 3:2كم تقريبا، ووزن هذا المدافع مائة وسبعون قنطارا مصريا أي أكثر من 7 أطنان (7712كجم)، وزنة كرته أربعة قناطير (44.181 كجم)، وزنة باروده سبع وثلاثون رطلا (7832.16كجم). ويذكر لنا المؤرخ أبوالمحاسن ابن تغري بردي (ت874ه/1469م) أنه كان شاهد عيان لهذه التجارب، وقام بنفسه بقياس مسافة الرمي، وأخبره للسلطان خشقدم بنفسه، كما أبلغ السلطان عيار المدفع وزنته وجميع صفاته، وقد حرص السلطان خشقدم علي حضور هذه التجارب بنفسه، كما حرص علي تتبع تطورها بأسلوب علمي، فقد كلف ابن تغري بردي علي تدوين وتسجيل بيانات ومسافات رمي تلك المدافع للوقوف علي امكاناتها ومدي الرمي بها، وهذا يدل من غير شك علي مدي حرص سلاطين المماليك علي اتباع أحدث ما وصلت اليه النظم العسكرية في ذلك الوقت وبأسلوب علمي متطور، وفي ذلك يقول ابن تغري بردي "في يوم الثلاثاء رابع عشر من شوال سنة 868ه/1463م رسم السلطان خشقدم المدفع السلطاني الذي سبكه للسلطان الأستاذ ابراهيم الحلبي بقلعة الجبل وصرخ بين يدي السلطان في أواخر رمضان من تحت القلعة الي جهة الجبل الأحمر غير مرة ثم نقل الي ذيل الجبل الأحمر بالقرب من قبة النصر خارج القاهرة ووضع رجل المدفع نحو الجبل المذكور وفمه الي جهة خانقاه سرياقوس وصرخ هناك في يوم الخميس تاسع هذ الشهر مرتين في الملأ من الناس بحضرة جماعة من أمراء الألوف وأعيان الدولة، وقيس مسافة سقوط حجر المدفع المذكور فجاء أربعة آلاف ذراع وستمائة ذراع وعشرين ذراعا بالذراع الجديد (2310م تقريبا)، وكان في المرة الأولي التي صرخ فيها بين يدي السلطان لم يقدر أحد علي قياسه لأنه كان صرخ نحو الجبل ولم تعلم مسافة سقوطه، ولم أحضر أنا هذا القياس الثاني، وقد سألني السلطان أن أحرر المسافات في الثالثة، فقلت له لا أعلم زنة المدفع ولا زنة حجره ولا زنة باروده، فأملي علي جميع ذلك وغيره من لفظه، فتأهبت لذلك".
وهذا دليل علي مدي اتباع الإسلوب العلمي في دراسة هذا المدافع للوقوف علي امكاناتها ومدي قدرتها في اصابة الهدف، وأدل علي هذا أن السلطان خشقدم عندما كلف ابن تغري بردي بهذه المهمة، طلب ابن تغري بردي من السلطان معلومات دقيقة عن هذه المدافع ليستطيع انجاز مهمته بطريقة علمية دقيقة.
السلطان الأشرف سيف الدين قايبتاي
اهتم السلطان الأشرف قايتباي (872-901ه/ 1468-1496م) بالمدافع وصناعتها وتطورت علي عهده تطورا ملحوظا، كما تطورت مدافع الحصار علي عهده وأطلق عليها مدافع "سبقيات"، هذا ومازال يحتفظ متحفظ طوبقابوسراي بتركيا علي عديد من مثل هذه المدافع المملوكية التي ترجع لعصر السلطان قايتباي كثيرا بالحصون، فأنشأ قلعته الشهيرة بالاسكندرية، وأنشأ قلعة أخري برشيد كما جدد بعض قلاع الشام مثل قلعة حلب، كما اهتم بشحن تلك الثغور بالمدافع وأنشأ زردخانة جديدة بدمياط كانت تحوي عديداً من الآلات الحربية وخاصة المدافع كما رتب لها زردكاشا".
وكانت المناوشات التي بين المماليك والعثمانيين خلال فترة السكان قايتباي كانت المدافع تستخدم فيها ومنها ما حدث في 893ه/1488م حيث ورد الخبر من الأتابكي أزبك أن وقعت معركة عظيمة بين عسكر مصر والعثمانية وقتل من الفريقين ما لا يحصي فكان ممن قتل من أمراء المماليك عدد كبير".
السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن قايتباي
حرص السلطان الناصر ابن قايتباي (901-904ه/ 1398-1500م) علي الاهتمام بتطوير الأسلحة النارية وخاصة المدافع، وفي عهده استقدمت الخبرات الأجنبية للاستفادة منها، أمثال "المعلم دمنيكو السباك" والذي كان ماهرا في سباكة المدافع وصناعتها، وظهر علي عهده نوع من المكاحل شديد الفتك أطلق عليها ابن اياس "المكحلة المجنونة" وذلك من شدة وقوة رد فعلها ومن شدة قوة قذائفها.
وقد حرص السلطان الناصر محمد بن قايتباي علي تحصين القلاع، وشحنها بالمدافع اللازمة لرد أي عدوان علي البلاد، وكان حصن قايتباي الذي بناه والده يحظي باهتمامه، وقد أودع بالحصن عددا من المدافع لتسليحه، ففي عام 903ه/1497م مرت سفينة من البندقية عليها فارس يدعي "أرنولدفوف هارف" ألماني الجنسية. ذكر أن قبطان السفينة المذكورة حين مرروه بحصن قايتباي قام بتحيته من السفينة، وقد رد قائد الحصن تحية البنادقة بإطلاق عدد من قذائف المدافع.
السلطان الأشرف قانصوه الغوري
أدرك السلطان الغوري أنه لا مناص من تطور الجيش المملوكي وتهيئته لاستخدام الأسلحة النارية وخاصة المدافع رغم معارضة قوية من بعض قواده كان يحاول علي اثرها حثيثا أن لا يصطدم بهم من ناحية ويسعي الي تطبيق برنامج تطوري لجيشه من ناحية أخري، وكان برنامج السلطان الغوري وخطواته التطورية تسير وفق أمرين هامين الأول منهما هي كثرة عدد مسابك المدافع والثاني انشاء وحدة من حملة الأسلحة النارية المحمولة، أما بخصوص الأمر الأول فكان السلطان الأشرف قانصوه الغوري من أكثر السلاطين المماليك اهتماما بسبك المدافع والمحافظة عليها وصيانتها وتجربتها قبل تشغيلها، وكان حريصا أشد الحرص علي ذلك، كما كان حريصا علي استمرار استقدام الخبرات الأجنبية كما فعل السلاطين من قبله وكان ذلك نابعا من حرصه الشديد علي تجهيز جيشه بأحدث المعدات الحربية، وذلك ليتجنب المخاطر المحيطة به سواء المخاطر الداخلية التي ظهرت في عدة أماكن من الدولة المملوكية أو المخاطر الخارجية المتمثلة في المخاطر البرتغالية أو العثمانية وكان يشرف علي هذه الاستعدادات بنفسه وكان كثيرا ما يقوم بالتفتيش عليها واستعراضها بنفسه، ولم يقتصر عمل الغوري علي تحديث جيشه فقط بل انه كان حريصا أشد الحرص علي تقوية حصونه سواء بمصر أو الشام وتدعيمها وامدادها بالأسلحة اللازمة لذلك وخاصة المدافع، وقد اهتم بتجربة المدافع قبل استخدامها وقد أورد لنا ابن اياس اشارات تدل علي ذلك منهاتجربة في عام 913ه/1507م، وتجربة أخري في 916ه/1510م، وتجربة ثالثة 918ه/1512م.
وتدل هذه التجارب علي مدي اهتمام السلطان الغوري بصناعة وسبك المدافع والاهتمام بتجربتها ومحاولة تلافي الأخطاء التي أدت الي فشلها، هذا دليل علي اتباع المنهج العلمي في الصناعة، وأن سبك المدافع أيام السلطان الغوري يتم بطرق علمية وكذلك تجربتها.
كما أن الغوري كان حريصا علي الاهتمام بتسليح الحصون والقلاع بهذه المدافع وأن يجعل مع تلك المدافع زردخانات بالقلاع والحصون كاملة العدة والآلة الخاصة بها، وحذر السلطان الغوري ممن تسول له نفسه أخذ أي آلة من آلات الحرب الموجودة بالقلاع، والحصون ومنع أي شخص من استخدامها في غير موضعها أو سرقة أي شيء منها فكانت عقوبته تصل إلي الشنق، وقد جاء ذلك بمرسوم أصدره السلطان قانصوه الغوري 907ه/1501م عند زيارته لحصن قايتباي بالاسكندرية نصه:
"بسم الله الرحمن الرحيم بأمر مولانا المقام الشريف الملك الأشرف أبوالنصر قانصوه الغوري - خلد الله ملكه - أن لا أحد يأخذ من البرج الشريف بالاسكندرية سلاحاً ولا مكاحل ولا باروداً ولا آلة ولا غير ذلك، ومن خالف ذلك من جماعة البرج من مماليك وعبيد وزردكاشية وخرج منه بشيء سيشنق علي باب البرج وعليه لعنة الله"
بتاريخ شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعمائة من الهجرة، وكذلك كان حريصا أن يكون في زردخانة اقلاع والحصول مع آلات الحرب والمدافع السباكون والحدادون من أرباب تلك الصناعة لاصلاح ما يفسد منها داخل القلعة، وأن يكون هؤلاء الصناع دائما جاهزون لتلك المهمة، وأدل علي هذا المرسوم الذي أصدره (914ه/ 1509م) بقلعة حلب يأمر فيه السباكين (صانعي المدافع) والحدادين أن يكونوا جاهزين لمثل تلك المهام ونص هذا المرسوم.
"بسم الله الرحمن الرحيم لما كان بتاريخ سابع عشر من ذي القعدة الحرام سنة أربعة عشر وتسعماية، ورد المرسوم الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي قانصوه الغوري - عز نصره - الي كل واقف عليه من الكفال والحجاب والقضاة ونايب القلعة، أعز الله تعالي بأن يكون جميع السباكين والحدادين الخفيف والثقيل علي عوائدهم القديمة بقدر مضافات الزردخانة الشريفة بالقلعة المنصورة، وكتب ذلك مولانا الأمير السيفي أبربك الأشرفي عين مقدمي الألوف بالديار المصرية وشاد الشرابخانه بديوان حلب أعز الله أنصاره ورحم الله من كان السبب في ذلك فجددها عليه"
كما اهتم السلطان الغوري اهتماما بالغا بضرورة متابعة تلك الأسلحة وصيانتها ووقايتها من التلف ومعاقبة المقصر في ذلك وكانت العقوبة تصل الي الاعدام في بعض الأحيان مثلما فعل مع الأمير عبدالباسط ناظر الزدرخانة عندما تفقد السلطان الغوري الزردخانة ووجد أسلحة غير صالحة للاستخدام فوبخ الأمير عبدالباسط وشرع في اعدامه لولا الوساطة فيه، وفيها يقول ابن اياس "ودخل الي الزردخانة وعرض الأسلحة التي كانت في الزردخانة من قديم الزمان، فرأي أشياء كثيرة منها تلفت من الصدأ، فطلب عبدالباسط ناظر الزردخانة ووبخه بالكلام ثم قصد شنقه في ذلك اليوم علي باب الزردخانة، فألزمه بإصلاح ما فسد من الأسلحة" كما جرم السلطان الغوري سرقة الأسلحة في عهده وتوعد من يقوم بهذه الفعلة الشنعاء بالاعدام وسجل ذلك رسميا في مرسومه الموجود بحصن قايتباي بالاسكندرية.
تطور مدي قذائف
المدافع في عصر الغوري
كما ذكرنا أن اهتمام السلطان الغوري بصناعة وسبك المدافع كان اهتماما يسير وفق منهج علمي ومن يخالف هذا المنهج يعرض الي أشد العقاب، وقد وضعت أنظمة تعتبر مقياسا للنجاح أو الفشل في هذا المجال، وكان هذا نابعا من غير شك علي حرص السلطان الغوري علي اتباع أحدث النظم العلمية، وكان حريصا علي معرفة كل ما هو جديد عن طريق معرفة واستقدام الخبرات الأجنبية لتحديث الأسلحة عنده وتطورها، وهو ما جعل السلطان الغوري يوضع في مصاف السلاطين الذين أدوا عملهم بعناية واتقان، وأدل علي هذا أنواع المدافع التي ظهرت في عهده وتطورها علي يديه.
وكان مقياس نجاح أو فشل المدفع هو تجربته تجربة عملية دقيقة يحضرها السلطان الغوري بنفسه بالاضافة الي سباكي المدافع والزردكاش الكبير ومعاونه، وكانت تجربة المدافع تتم بالريدانية، وأهم عامل من عوامل نجاح المدافع هي أن تصل الي الهدف المحدد لها، وكان هذا الهدف هو أن تصل قذيفة المدفع الي حدود مكان معلوم عندهم وقد حدده لنا ابن اياس بالقرب من بركة الحاج، فقد أعطي لنا ابن اياس نصا فريدا نستطيع من خلاله التعرف علي بعض من الأنظمة التي وضعها السلطان الغوري لضمان تشغيل واستخدام هذه المدافع بنجاح، وقد حدثنا بقوله: "والذي صح من المكاحل فيهم من عدي حجره الي قريب بركة الحاج"، وإذا أمعنا النظر في هذا النص نستطيع معرفة مقدار تطور المدافع التي كانت عي عصر السلطان الغوري، فتجربة المدافع تتم بالريدانية وصولا الي بركة الحاج، وهو المكان المعلوم لوصول قذائف أو كرات المدفع اليه، وبركة الحاج تقع علي بعد 11كم من الريدانية موضع تجارب المدافع، أي عوامل نجاح هذه المدافع هي أن تصل كراتها الي هذا المكان، وهنا اشارة واضحة الي أن مدي قذائف المدافع في عصر السلطان الغوري كان يصل الي أكثر من 10كم تقريبا وهي مسافة كبيرة لا يستهان بها، وهذا يدل علي تطور المدافع في عصر الغوري وكذلك تطور مداها وخاصة أن مدي قذائف المدافع قبل عصر الغوري في عصر السلطان ناصر الدين شعبان والسلطان خشقدم كانت حوالي 3 كم تقريبا، وهذا يدل بلاشك علي أن المدافع في عصر السلطان الغوري كانت في تطور مستمر وفق منهج علمي وضع لذلك.
وقد أعطي لنا ابن اياس بعض الاشارات والنصوص الهامة نستطيع من خلالها التعرف علي أنواع المدافع التي ظهرت في عصر الغوري، فذكر لنا أن السلطان الغوري سبك مدافع من الحديد والنحاس علي حجمين مختلفين منها مدافع كبيرة ومدافع صغيرة، والمدافع الكبيرة وزنها 600 قنطار شامي، وطولها حوالي عشرة أذرع، وفيها يقول ابن اياس: "وقيل أن السلطان سبك نحوا من سبعين مكحلة ما بين كبار وصغار من نحاس وحديد، فكان منهم أربعة كبار فقيل وزن كل واحدة منهم ستمائة قنطار شامي، فكان طول كل واحدة نحوا من عشرة أذرع"، وهنا يعطينا ابن اياس اشارة واضحة لطول مدافع السلطان الغوري عشرة أذرع (حوالي 5م)، وكانت هذه المدافع علي الأرجح تستخدم في الحصون بمصر والشام، ولم يعطينا ابن اياس اشارات لطول ووزن المدافع الصغيرة غير أنها علي الأرجح كان طولها 25 شبرا وكانت أخف وزنا من المدافع الكبيرة سابقة الذكر، ومازالت بعض المتاحف العالمية تحتفظ بنماذج نادرة لهذه المدافع.
ويتبين لنا من خلال هذا العرض السابق لاهتمام السلطان الغوري بصناعة المدافع أنه يعتبر من أكثر سلاطين المماليك اهتماماً بهذه الصناعة وأنه طبقا لرواية المؤرخين قام السلطان الغوري بسبك أعداد كبيرة من المدافع وقام بنفسه علي تجربتها، ولكن يلوح لنا سؤال في غاية الأهمية هو كيف للسلطان الغوري أن ينهزم في مرج دابق من العثمانيين رغم قيامه قبل المعركة بسنوات علي تجهيز الجيش بالمدافع والتمرس علي سبكها واستخدامها، واختلف مع بعض الآراء التي تقول إن سبب الهزيمة هو تشبث قادة المماليك بالأساليب التقليدية في فن الحرب وخاصة أن السلطان الغوري منذ توليه أمور السلطنة أدرك تماماً ضرورة تغيير نمط الجيش المملوكي طبقاً لما حدث من تطور في استخدام الأسلحة فقام علي هذا التطور تدريجياً وأعتقد أن الوقت كان مناسباً وكافياً له لإحداث مثل هذا التطور والتغيير، ولكن يبقي السؤال أين ذهبت مدفعية السلطان الغوري أثناء معركة مرج دابق؟ وخاصة أن السلطان الغوري سبك عدداً كبيراً من هذه المدافع، للإجابة علي هذا السؤال لابد من تمحيص للفترة التاريخية للسلطان الغوري فنجد أنها كانت فترة من أكثر الفترات قلاقل ومخاطر خارجية وخاصة مخاطر البرتغاليين التي سبق وأن نوهنا عنها أو المخاطر الداخلية منها حركات التمرد التي ظهرت في عهده، كل هذا جعل السلطان الغوري وقت معركة مرج دابق لم يتمكن من توفير العدد اللازم من المدافع للمعركة، فمدافعه التي سبكها وزعت علي حصونه في البحر الأحمر والمتوسط بالإضافة إلي المدافع التي استعان بها لمواجهة خطر البرتغاليين في الهند والبحر الأحمر، وهذا لا يعني أن السلطان الغوري لم يستخدم المدافع في مرج دابق أو أنها كانت سبباً لهزيمته لسوء استخدامها، ولكن علي العكس تماما فقد استخدم السلطان الغوري مدافع موسومة بالحداثة، ولكن لا ننكر أن الجيش العثماني كانت لديه مدافع أكثر تطوراً إلي حد ما بالإضافة إلي أكثر خبرة بحكم المعارك التي خاضها، كما أن السبب الرئيسي لهزيمة السلطان الغوري في مرج دابق لم ينحصر في عامل استخدام المدافع المتطورة بل كانت هناك عوامل كثيرة كانت سبباً في الهزيمة أهمها أن العامة من أهل الشام ومصر قد تذمروا من ظلم أمراء مماليك السلطان الغوري حتي إنهم راسلوا العثمانيين بهذا الشأن يستعجلونهم في إنقاذهم منهم ومن ظلمهم، وهو ما أورده ابن إياس علي سبيل المثال من أن أهل حلب استنجدوا بالعثمانيين ورحبوا بهم فور وصولهم لحلب، وقد ذكر ذلك بقوله: "إن الأمراء قالوا للسلطان الغوري يا مولانا السلطان غالب البلاد الحلبية خرجت من أيدينا وصارت بيد ابن عثمان وخطب له فيها باسمه وضربت له السكة باسمه وأصبحت الرعية تمثل إلي ابن عثمان بسبب جور أمراء المماليك"، كما أن العثمانيين في الأساس لم تكن لديهم النية لمحاربة المماليك بل أن السلطان سليم طلب من السلطان الغوري عدم رغبته في القتال مقابل تبعية مصر وبلاد الشام للعثمانيين علي أن يكون السلطان الغوري حاكماً كما هو عليهما غير أن أمراء مماليك الغوري رفضوا هذا العرض، ودون الخوض في تفاصيل أسباب سقوط السلطان الغوري أمام قوة العثمانيين إلا أن سبب هزيمة الغوري لم تكن عدم استخدام الأسلحة الحديثة كما يقال بل إن هناك أسباباً عديدة كانت سبباً لهذه الهزيمة، فعلي العكس فقد قام الغوري بتحديث جيشه بالمدافع كما ذكرنا ولكن كثرة الإضرابات التي مر بها الغوري قبل مرج دابق كانت عاملاً مهماً من عوامل الهزيمة، بالإضافة إلي استهلاك قوته من عتاد وأسلحة في الفترة التي سبقت مرج دابق، لذا أتفق مع آراء الباحثين التي ذكرت أن سبب اختفاء مدافع الغوري من معركة مرج دابق هو استخدام من سبكه في المعارك التي خاضها قبل مرج دابق.
وعلي كل ومن خلال هذا السرد التاريخي لاستخدام سلاطين المماليك للمدافع نستطيع أن نوضح أمراً مهماً هو أن المماليك كانت لهم الأسبقية الكافية لاستخدام المدافع حتي قبل العثمانيين بما يجاوز الخمسين سنة تقريباً، ولكن هذه الأسبقية علي حد قول الباحثين لم تستغل في حسم المعارك التي خاضوها بهذه المدافع ولم تشفع لهم خبراتهم بالمدافع وصناعتها بسبب عدم قيامهم بالتطور اللازم لاستخدام هذا السلاح الناري الهام، أما عن أنواع المدافع التي ظهرت زمن العصر المملوكي فتجدر الإشارة بنا للحديث عنها كمرحلة تطورية للمدافع بصفة عامة وللوقوف علي أنواع المدافع التي ظهرت خلال تلك الفترة التاريخية.
أنواع المدافع زمن العصر المملوكي
أولاً: مدافع القرن 8 ه/14م
سبقت الإشارة إلي المدفع اليدو في الحديث عن دور العلماء المسلمين في العصر المملوكي في تطور الأسلحة النارية كما سبقت الإشارة أيضا إلي تطور المدفع اليدوي ومما تجدر الإشارة إليه أن الحديث عن المدفعية بصفة عامة والمدفعية المصرية بصفة خاصة يتطلب عرضاً شاملاً لأنواع المدافع التي ظهرت خلال فترة الكتاب وذلك للوقوف علي مدي التطور الذي حدث علي المدافع في ذلك الوقت وعوامل التأثر بها، لذا كان من الضروري عرض تطور المدافع في مناطق مختلفة غير مصر زمن الكتاب وخاصة أن بعض المناطق الأوروبية كانت حريصة علي تطور هذا السلاح كونه يمثل أحد أهم الأسلحة المتطورة في ذلك الوقت.
مدفع القدر
انتقلت معرفة وصناعة المدافع من المسلمين إلي بلاد الغرب الأوروبي ومع بداية الربع الأول من القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، وتحديدا 727ه/1326م صمم مدفع من الحديد علي أيدي رجل إنجليزي يدعي "والتردي مليويكي حيث ظهر رسم لأول أنواع المدافع الثابتة في مخطوطة تنسب له ، وأطلق علي هذا المدفع "مدفع القدر" أو "مدفع الفارة" أو "قارورة القوة" وذلك لأنه في شكله يشبه القدر ذا الجسم المنتفخ والعنق الضيق، كذلك أطلق عليه مدفع الحديد .
وقد صمم هذا المدفع وهو مركب علي منضدة من الخشب مستطيلة طولها 150 سم تقريباً، وعرضها 50 سم تقريبا، محمولة علي أربعة أرجل ترتفع عن سطح الأرض بمقدار 50 سم تقريباً، والمدفع طوله 90 سم تقريبا، وقذيفته عبارة عن سهم من الحديد أو النحاس ذات ريش معدنية، وتقنية عمله كما يظهر بالصورة، حيث توجد فتحة الإشعال ويقوم شخص بتجربة المدفع ويقرب قضيبا ساخناً إلي درجة الاحمرار أطلق عليها "عصا الإشعال" وهي عصا من الحديد ساخنة إلي درجة الاحمرار، أو ممسكة في طرفها قطعة من الفحم المحماة، وعند دخولها في فتحة الإشعال يشتعل البارود الموجود بمؤخرة المدفع فينتج عن ذلك غازات هائلة تمكن السهم من الانطلاق بقوة.
وهذا المدفع لم يعمم استخدامه بسبب كثرة عيوبه ومنها أنه غير متقن الصنع وسهامه الحديدية غير متقنة في إصابتها للهدف. علي عكس ما كانت عليه مدافع المماليك من تطور. بالإضافة إلي أن حمله كان ثقيلاً جداً علي الجنود في معاركهم وخاصة أن عربات المدافع لم تكن تستخدم بعد وهو ما أدي في النهاية إلي قلة انتشاره واستخدامه.
ومنذ ذلك الوقت عممت صناعة المدافع والبحث في تطورها، كما أشارت بذلك وثيقة عثر عليها بفلورنسا عام 727/1326م صادرة من الحاكم، تأمر الحكومة علي ضرورة بحث وإنتاج المدافع والقذائف الحديدية وفي عام 837ه/1327م قام إنجليزي يدعي هولكهالم هال بتصميم مدفع مماثل للمدفع السابق وإنما أكبر حجماً منه.
أما عن استخدام هذه المدافع عمليا فقد تضاربت أقوال العلماء في ذلك منهم من رجح أن المدافع استخدمت للمرة الأولي في متز 725ه/1324م ضد قوات ملك بوهيميا، وذكر الضابط بارتنجتون المؤرخ الحربي أن استخدام المدافع للمرة الأولي كان في سيفيد أيل 732ه/1331م في إيطاليا، كما تحدثت المخطوطات البريطانية المؤرخة 734ه/1333م عن أسعار المواد اللازمة لصنع البارود والذي كان من المحتمل استخدامه لمثل هذه المدافع، وهناك ترجيح أن الفرنسيين استخدموا المدافع ضد الإنجليز في "كسنوا" 741ه/1340م، وفي سنة 745ه/1344م أدخل إدوارد الثالث رجال مدفعية للخدمة في جيشه، كما استخدم المدافع المحمولة علي عجلتين، كما أمر بسرعة نقل المواد الكيميائية اللازمة لصنع بارود المدافع، وهو ما دفعه بالطبع إلي استخدامها بكثرة خلال حرب المائة عام بينه وبين الفرنسيين وخاصة في معركة كريسي 747ه/1346م، ويذكر المؤرخ جيوفاني فيلاني أن الملك إدوارد الثالث طور قذائف المدافع وجعلها قذائف من الحديد والرصاص بدلاً من السهام، وقد ذكر رئيس ترسانة الملك إدوارد الثالث آنذاك ويدعي روبرت دي ميلد ينهايل أنه أرسل العديد من مقذوفات الرصاص لأرض المعركة.
مدافع الحصار الثابتة
ظهر منتصف القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي أول مدفع حصار وهو متطور في شكله عن مدفع القدر، طوله 60 سم تقريباً وقطر فمه 25سم تقريباً، ينتهي بذراع ثابت من الخلف طوله 1م تقريباً، وقد استخدمت هذه المدافع في عمليات الحصار أو في تسليح الحصون بالكثير منها.
لم يدم العمل بمدفع القدر طويلاً، وإن صح التعبير فكان مدفع القدر ما هو إلا تجربة لتطور المدفع أو مرحلة انتقال بين المدفع اليدوي والمدافع الثقيلة، وسميت المدافع الثقيلة بهذا الاسم لكونها ثقيلة في وزنها وضخمة في حجمها، ونستطيع القول إن بداية استخدام المدفعية الثقيلة تعتبر الأساس التقني لجميع أنواع المدافع التي ظهرت بعد ذلك وانبثقت منها أنواع مختلفة من المدافع اختلفت في أشكالها واتفقت في مضمونها، وكان أول ظهور لهذا النوع من المدافع منتصف القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، فقد حدث تطور هائل في صناعة المدافع منذ ذلك التاريخ وهو صنع المدافع من البرونز بدلاً من الحديد، وكان أول استخدام لمادة البرونز في صناعة المدافع علي أيدي الملك جان الثاني ملك فرنسا (751 - 766ه/1350 - 1363م)، وأول مصنع أنتج مدافع من البرونز كان في ألمانيا عام 780 ه/ 1378م)، وبذلك انتشرت صناعة المدافع من البرونز حتي منتصف القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي عندما أعيد استخدام سبائك الحديد من جديد في إنجلترا وفرنسا عام 952ه/1545م. وكان شكل المدفع في تلك الفترة عبارة عن جزءين الأمامي جسم أسطواني قصير طوله 70 سم تقريباً، والجزء الخلفي طوله 50 سم تقريباً، وطول المدفع جميعه 120 سم تقريباً، وقطر فمه 40 سم تقريباً، محمول علي عربة من الخشب طولها 180 سم تقريباً، ومجوف تتناسب قطر فتحة فمه مع تجويفه ومن عيوب هذا المدفع أن فمه أوسع من مؤخرته، بالإضافة إلي قصر ماسورته، مع صعوبة رفعها أو خفضها بالإضافة إلي صعوبة تحريكها، ومن عيوبه أيضا ليس هناك نسبة وتناسب بين قطر كراته أو قذائفه وبين قطر فمه، بالإضافة إلي عدم تحمل عربته الخشبية لرد الفعل وقت إطلاق القذيفة بسبب تثبيت المدفع بجوانب سرير العربة بما يؤدي في النهاية إلي سهولة كسرها مع تكرار إطلاق القذائف، وقد استخدم هذا المدفع في معركة كريسي بإنجلترا 748ه/1346م بين الإنجليز والفرنسيين.
ظهور عربة المدفع
أما التطور الثاني الذي ارتبط بالمدافع خلال النصف الثاني من القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي فهو استخدام عربة المدفع ، فكانت المدافع تنقل من مكان إلي مكان بصعوبة بالغة، ويثبت المدفع علي عربة في سرير أعد له بالعربة ويطوق بحزام من حديد حول عنق المدفع ثبت طرفاه بجانبي سرير المدفع.
تطور مدافع الحصار
أدخل تطور علي مدافع الحصار أواخر القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي حيث زاد طول الماسورة وأصبح طولها 2 م تقريباً، وقطر فمه 50 سم تقريباً، كما تطورت عربة المدفع وأصبح سرير العربة يسمح برفع وخفض المدفع عن طريق أربعة أذرع تخرج من سرير المدفع اثنان من الأمام واثنان من الخلف.
المدفع العملاق
تطورت المدافع في بداية القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، وأصبح حجمها أكبر من ذي قبل، واشتق اسمه من شكله، وهو مدفع صنع من الحديد ثابت لا يتحرك محمول علي ثلاث دعائم حجرية ثابتة لا تتحرك ارتفاعها حوالي 170 سم، وطوله حوالي 4 م تقريباً، وعياره أو قطر فمه 70 سم تقريباً، وقذائفه عبارة عن كرات حجرية تزن الواحدة منها 170 كجم (شكل 21).
مدافع كاليفرن
أو القلومبرنة أو القلبرينة، صنع هذا المدفع في الربع الأول من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي علي أيدي جون زيسكا أحد المهندسين المعروفين في ذلك الوقت، وصنع هذا المدفع محمولاً علي عربة تجرها الخيول، وسبك من هذا المدفع أنواع مختلفة تتراوح أقطار فتحة فمها أو أعيرتها من 5.1 بوصة (2.8 سم) إلي 6 بوصات (15.2 سم)، وكان أول استخدام لهذا المدفع في النصف الأول من القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، ويحتفظ متحف بيرن بسويسرا بنموذج من هذا المدفع يرجع الي (865ه/1460م) قطر فتحة فمه 3 بوصات (1.62 سم)، وتطور استخدام هذا المدفع فيما بعد وأصبح من أشهر أنواع المدافع.
المدفع المزدوج
ظهر خلال القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي مدفع مزدوج له ماسورتان محمولتان علي عربة بزوج من العجل لجره وله دروة لحماية مستخدميه.
وتلك تقنية نراها لأول مرة في المدافع، وهذا المدفع يمثل تطوراً في تاريخ المدافع حيث قام الصانع بازدواج ماسورة المدفع في عربة واحدة وذلك لتوفير الوقت والجهد في صناعة عربات المدافع.
كما يتيح هذا المدفع إطلاق قذيفتين في وقت واحد وهو يعتبر بمثابة تطور كبير أدخل علي صناعة المدافع في ذلك الوقت.
مدفع مونس ميج
مدفع من الحديد بريطاني الصنع، صنع في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي، ويتميز هذا المدفع بضخامته، طول ماسورته 4م تقريباً، وقطر فمه 5.19 بوصة (50 سم تقريباً)، وقذائفه كرات مصمتة من الحجر أو الحديد وزنها حوالي 249 كجم، ووضع هذا المدفع الضخم علي سرير خشبي محمول علي عربة طوقت جوانبها بصفائح الحديد ولها أربع عجلات من الخشب طوق إطارها من الخارج بصفائح الحديد أيضا، وتحتفظ قلعة إدنبرة بإنجلترا بمثال نادر من هذا المدفع يرجع تاريخه إلي ما قبل 895ه/1489م.
استخدام المدافع
في غرب العالم الإسلامي
ليس من المعروف علي وجه الدقة متي وأين استخدمت المدافع الأولي في القتال، غير أنه من خلال الإشارات التاريخية والنصوص الواردة لنا بالمصادر التاريخية المختلفة نستطيع أن نرجح أن استخدام المدافع الأولي في القتال كان أولاً في العالم الإسلامي، وأقدم ذكر لاستخدام المدفع هو ما ذكره ابن خلدون في حصار سجلماسة 672ه/1273م بقوله: "ولما فتح السلطان أبويوسف بلاد المغرب وجه عزمه إلي افتتاح سجلماسة من أيدي بني عبدالواد المتغلبين عليها وإدالة دعوته فيها من دعوتهم، فنهض إليها في العساكر والحشود في رجب من سنة اثنتين وسبعين، فنازلها وقد حشد إليها أهل المغرب أجمع من زناتة والعرب والبربر، وكافة الجنود والعساكر ونصب عليها آلات الحصار من المجانيق والعرادات وهندام النفط القاذف بحصي الحديد، ينبعث من خزانة أمام النار الموقدة في البارود بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلي قدرة باريها"، والثابت من وصف ابن خلدون وما قرره العلماء أن الآلة المستخدمة في هذا الحدث كانت المدفع، فقد وصف ابن خلدون تقنية عملها وأنها تتكون من خزانة بها مسحوق البارود تطلق حصي الحديد ويقصد هنا الكرات الحديدية، ومن المنطقي والطبيعي أن تنتقل هذه التقنيات الحديثة من بلاد المغرب إلي بلاد الأندلس بحكم العلاقة بينهما شأن ذلك في جميع المجالات الأخري، وخاصة إذا استخدم هذه التقنية سلاطين المغرب في محاربة الإسبان والبرتغاليين، فتثبت المصادر التاريخية أن المسلمين استخدموا تقنيات الأسلحة النارية وخاصة المدافع ، في موقعة بياسة 724ه/1224م والتي انتصر فيها الأندلسيون بقيادة السلطان أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر ملك غرناطة وانتزعوا مدينة بياسة من النصاري، وفي موقعة "سالادو" علي ضفاف نهر سالادو بين المسلمين بقيادة السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن أبي يعقوب المريني سلطان المغرب ومعه السلطان أبوالحجاج يوسف بن أبي الوليد إسماعيل الذي تولي قيادة فرسان الأندلس ضد ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة 741ه/1342م ونشبت معركة بين الفريقين وكان مع المسلمين أسلحة نارية ومدافع تسمي ب "الأنفاط" وفي معركة الجزيرة 743ه/ 1342م بين الطرفين المذكورين استخدم المسلمون فيها الأسلحة النارية وخاصة المدافع.
فقد فوجيء ألفونسو الحادي عشر وجيشه بهذا السلاح الجديد عليهم، وقد جاء بدائرة المعارف العسكرية وصف الجنود النصاري لشكل هذه الآلة الجديدة وأنهم شاهدوا سلاحاً جديداً عبارة عن ماسورة طويلة يقترب منها شخص ومعه عصا من حديد في طرفها لهب يقربه من الماسورة فيحدث صوتاً كالرعد ويندفع من الماسورة لهب ودخان وتنطلق منها كرة من الحديد مما جعل الجنود يفرون من الميدان خوفاً من تلك القوة الشريرة التي ظهرت، وقد أصيب الجنود المسيحيون بالرعب وقاموا بالتلويح بالصلبان ثم قاموا برش الماء المقدس معتقدين أن الشياطين والقوي الخفية هي التي تطلق هذه الكرات الحديدية مما جعلهم يصممون علي عدم القتال لأنهم لايقدرون علي محاربة الشيطان نفسه. وذلك حسب وصفهم، غير أنهم ما لبثوا أن عادوا إلي أرض المعركة امتثالاً لأوامر قادتهم، وقد أكد ذلك ما جاء بتاريخ ألفونسو الحادي عشر بقوله: »إن مغاربة المدينة كانوا يقذفون كثيرا من الصواعق علي الجيش فيرمون عليه عدة قنابل كبيرة من الحديد كالتفاح الكبير، وذلك إلي مسافة بعيدة من المدينة، فيمر بعضها من فوق الجيش، ويسقط بعضها عليه»، ومن خلال العرض السابق نستطيع القول إن استخدام المدافع كان أولاً ببلاد المغرب ثم انتقل إلي بلاد الأندلس بعد ذلك وتطور هناك.
وكان المدفع المستخدم لدي المسلمين عبارة عن ماسورة حديدية طويلة ذات مسند بساقين، ويتم تشغيله عن طريق شخص يضع مسحوق البارود في تلك الماسورة ثم يدكه بعصا ثم يضع كرة الحديد، ويأتي بعصا حديدية طويلة محماة ويقربها من فتحة بالمدفع نافذة إلي مسحوق البارود فيحدث لهباً وفرقعة وتنطلق الكرة الحديدية إلي الأمام بقوة دفع الغازات الناتجة عن اشتعال مسحوق البارود، وهذا المدفع هو المدفع المتطور عن المدفع اليدوي، وانتشر استخدام المدافع ببلاد الأندلس وتطورت بها تطوراً كبيراً وظهر منها أنواع وأحجام مختلفة كبار وصغار، والحقيقة أن المدفعية الأندلسية كان لها دور كبير في انتشار واستخدام وتطور المدافع، حيث نبغ منهم علماء متخصصون في علم المدفعية وكيفية صنع واستخدام وصيانة وتطور المدافع، ومنهم العالم المسلم إبراهيم بن غانم الأندلسي صاحب كتاب »العز والمنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع»، والذي ذاع صيته وانتشر في كل أنحاء العالم الإسلامي، بعد خروجه من الأندلس واستقراره بتونس إلي أن توفي بها، وانتقلت معرفة المدافع من بلاد المغرب والأندلس إلي بلاد تونس واستخدمت البلاد التونسية أنواعاً مختلفة من المدافع كان أشهرها مدافع الحصار الثابتة علي ثلاث دعامات حجرية أو حديدية، ومدافع متحركة علي عربات خشبية، وهذه المدافع تشبه التي تم استخدامها بمصر المملوكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.