كتبت منذ مدة قصيرة رؤية مختصرة لبعض المسائل التى هى محل جدل فى الدستور الجديد وخاصة المادة الثانية من الدستور السابق وعرضت هذه الرؤية فى حلقات نقاشية متعددة عقدت إحداها فى مشيخة الأزهر الشريف ثم نشرتها بعد ذلك فى صحيفة "المصريون" الغراء بتاريخ 22- 4-2012، وجاء الكلام عن المادة الثانية وخطورة الإضافة إليها مجملا كالتالي: "ما يتعلق بالمادة الثانية تبقى كما هى دون تعديل لأن تعديلها بالحذف منها أو الإضافة إليها قد يحدث نوعًا من الخطورة على أمن البلاد بل قد يؤدى فيما بعد إلى نتائج وخيمة لا قدر الله ذلك ويمكن أن نضرب على ذلك مثالاً بما يلي: إضافة عبارة "مع احترام حق كل طائفة فى تطبيق شريعتها الخاصة فى مسائل الأسرة" هذه العبارة التى اقترحها البعض هى عندنا تحصيل حاصل، لأنهم يفعلون ذلك منذ مئات السنين ولا يوجد إشكال شرعى ولا واقعى فى ذلك على الإطلاق فلماذا النص عليها إذا؟ لذا فإننا نخشى أن تستخدم بعد ذلك استخدامًا آخر". لكن هذا الإجمال يحتاج إلى تفصيل وتوضيح بعض الشىء حتى يكون أعضاء الجمعية التأسيسية على بينة وبصيرة خاصة الذين يتبنون فكرة الإضافة هذه، فضلا عن أن كثيرًا من أعضاء الجمعية لم يشتغلوا بدراسة القانون أو العمل به ومن ثم ربما تخفى مثل هذه الأمور على بعضهم. أولاً: المادة الثانية متعلقة بالنظام العام فى الدولة فلا ينبغى أن يوضع بجانبها نص فرعى متعلق بطائفة معينة أو بتشريع معين فى مسألة ما؛ لأن ذلك يصادم النص الأصلى بل ويعطله فى جوانب كثيرة كما سنبين، وإنما يمكن وضع هذه الإضافة – إذا لزم الأمر - بجانب النصوص الدستورية التى تتناول قوانين الأسرة والمسائل المتعلقة بها فى حدود النظام العام للدولة، وفى هذه الحالة لن يؤثر ذلك على النص المتعلق بالنظام العام كنص المادة الثانية، كما أن نص المادة الثانية الذى يجعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع يشمل كل التشريعات كما هو معلوم وليس قانون الأحوال الشخصية فقط وهذا سر تعلقه بالنظام العام للدولة. ثانيا: هذه الإضافة فى هذا الموضع وبهذه الكيفية سوف تحدث فوضى تشريعية وقضائية، وذلك لأن كثيرًا من الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية عند غير المسلمين مأخوذة من الشريعة الإسلامية ولا يوجد عندهم تشريعات أو أحكام متعلقة بهذه المسائل وإنما جرى العمل القانونى والقضائى على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فمن أين سيأتى القوم بالأحكام التشريعية لها وسوف نضرب أمثلة يسيرة على بعض هذه المسائل حتى يتضح الأمر للجميع. أ)- العدة: تعتد المرأة المسلمة المطلقة ثلاثة قروء بموجب النص القرآنى وتعتد المسلمة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا بموجب النص القرآنى أيضًا، كذلك تعتد المرأة غير المسلمة نفس عدة المسلمة؛ لأن القوم ليس عندهم أحكام تتعلق بالعدة فى شريعتهم، فماذا لو أن المجامع الكنسية – وهى ما يعتمد عليه القوم فى تشريعاتهم- أقرت أحكامًا مختلفة لعدة المرأة غير المسلمة عما كانت عليه قبل ذلك ألا يحدث هذا فوضى تشريعية وقضائية، خاصة أن التشريعات فى هذا الشأن ثابتة والأحكام القضائية مستقرة، كما أن الأحكام تتغير عند القوم بتغير هذه المجامع وتختلف باختلافها لذلك قلنا إن المادة الثانية متعلقة بالنظام العام للدولة المصرية. ب)- الميراث: يأخذ غير المسلمين فى مصر بأحكام المواريث عند المسلمين لأنه لا توجد عندهم أحكام متعلقة بالمواريث وقد استقرت التشريعات والأحكام القضائية على ذلك دهرًا طويلاً فماذا لو غيرت المجامع الكنسية هذه الأحكام وشرعت أحكامًا جديدة لا شك أن الدولة فى هذه الحالة ستتحول إلى غابة كبيرة تحكمها حينئذ شرائع الغاب، لذلك ينبغى العودة إلى الأصل الأول فى هذه المسألة وهو أن هذه الإضافة – لو أضيفت- تقيد بقيد هام وهو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى المسائل التى ليس لها حكم ثابت فى شرائعهم، ولذلك تبقى المادة الثانية متعلقة بالنظام العام كما ذكرنا. ج)- إسلام أحد الأبوين مع وجود أبناء صغار: جرت القواعد التشريعية والأحكام القضائية المستقرة أنه إذا أسلم أحد الأبوين وبينهما أولاد قصر – صغار- فإنهم يضمون للمسلم من الأبوين سواء كان الزوج أو الزوجة، فماذا سيحدث لو أن هذه الأحكام تغيرت من قبل المجامع الكنسية التى هى مصدر عامة التشريعات المتعلقة بغير المسلمين، فضلا عن خطورة الأمر فيما يستقبل لو احتج محتج بأن هذا النص يشمل الأحوال الشخصية وغيرها من المسائل القانونية حينئذ ربما تقع كارثة هائلة قد تؤدى إلى تقسيم البلاد لا قدر الله ذلك وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.