"لا يحق لأى دولة أن تسقط عن مواطنها الجنسية مهما كانت الجريمة التى ارتكبها, ما لم يكن صاحب هذه الجريمة يمتلك جنسية دولة أخري"، هكذا نص الميثاق العالمى لحقوق الإنسان الخاص بمنظمة الأممالمتحدة, ما يجعل قانون سحب الجنسية الذى وافقت عليه الحكومة المصرية أمس أكثر تعقيدًا حول وضع الشخص الذى تسقط عنه الجنسية ولا يمتلك جنسية أخري. وحسب قانونيين, فإن هذه الحالة تسمى "عديم الجنسية"، إلا أنه لم تعرف الدولة المصرية من ذى قبل أمرًا مشابهًا يعرف من خلاله توضيح ماهية الشخص الذي يتم إسقاط جنسيته عنه، خاصة وأن الدستور نص صراحة على عدم جواز إسقاط الجنسية عن المواطن المصري, الأمر الذى سيجعل القانون برمته "غير دستوري"، بحسب رأيهم. وقال المستشار عادل فرغلي, رئيس مجلس الدولة الأسبق ل "المصريون", إن "قانون سحب الجنسية المصرية الذى أقرته الحكومة, ولد لنا حالة جديدة فى القانون وهو ما تصفه المواثيق الدولية "منعدم الجنسية"، وهى حالة لم تنص عليها أى قوانين مصرية, ولم يشر إليها الدستور المصري, ومن ثم لا نعرف مصير هذه الحالة والتى تأتى نتيجة سحب الجنسية من مواطن لا يحمل جنسية أخري, المؤكد أنه سيسقط عنه كافة الحقوق والواجبات المكفولة للمواطن صاحب الجنسية". وأضاف فرغلى: "القانون الذى أقرته الحكومة مخالف للدستور, وسيتم الطعن عليه فور إقراره من قبل مجلس النواب, والأممالمتحدة أكدت فى ميثاقها الدولى لحقوق الإنسان أكدت أنه لا يجوز سحب جنسية مواطن أى كانت جريمته فى حال عدم حصوله على جنسية أخري, ما يعنى أن الحكومة ستعرض الدولة لمشكلة شبيهة بقانون الجمعيات الأهلية والذى لقى نقدًا واسعًا دوليًا". من جهته, وصف المحامي والخبير القانوني، طارق نجيدة, قانون سحب الجنسية بأنه قانون "يعدم إنسانية" الفرد أو المواطن المصري, ولا يستطيع أن يحدد ماهية الشخص عديم الجنسية لأنها لم تورد فى القانون المصرى من قبل, بالإضافة إلى إنها لم تطبق على أرض الواقع, حيث كفل الدستور المصرى والقانون الحق فى الجنسية للقيط, ولكنه لم يتحدث عن وضع "عديم الجنسية". واعتبر نجيدة فى تصريح إلى "المصريون"، أن "القانون غير دستوري, وسيلاحقه العديد من القضايا, كغيره من القوانين التى أصدرتها الحكومة ومجلس النواب فى الآونة الأخيرة", مؤكدًا أنه "على مؤسسات الدولة احترام أحكام الدستور, والتى أقرت بمنع سحب الجنسية المصرية عن أى مواطن, وإنما العقاب للجريمة هو الأصلح والمتعارف عليه فى المواثيق القانونية والدولية". ووافق مجلس الوزراء أمس على تعديل على قانون إسقاط الجنسية يتضمن "إضافة حالة جديدة لسحب الجنسية المصرية تتعلق بكل من اكتسبها عن طريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة، أو صدور حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية، أو جهة، أو منظمة، أو عصابة، أو أي كيان، أيًا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها، وتهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة أو بأي وسيلة من الوسائل غير المشروعة". ويحتاج مشروع القانون إلى موافقة مجلس النواب ومصادقة الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومن ثم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح ساريًا. وطعن الدكتور محمد نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون جامعة الزقازيق، والفقيه الدستوري في دستورية التعديلات، قائلاً إنها تخالف المادة السادسة من الدستور، وإن مجلس الدولة سينتهي إلى عدم دستورية مواد إسقاط الجنسية. وقال فرحات في تعليقه على القانون المثير للجدل، إنه "إما أن يكون الأمر جهلاً من المستشارين القانونيين للحكومة الذين أعدوا مشروع تعديل قانون الجنسية وأجازوا إسقاط الجنسية الأصلية ( من أبوين مصريين ) علي خلاف المادة السادسة من الدستور، وإما أن يكون نتيجة عدم اكتراث بمطالعة الدستور، أصلاً، وإما أنه تنفيذًا لتعليمات وهذا هو الأرجح ". ودلل على صحة رأيه ب5 حجج وهي أن دستور 1971 كان يترك تنظيم أمر الجنسية برمته للقانون. ( م 6 : الجنسية المصرية ينظمها القانون ) ، وأن المادة 15 و 16 من القانون رقم 26 لسنة 1975 أجازت سحب الجنسية المكتسبة وإسقاط الجنسية الأصلية في حالات محددة ولم يكن في هذا تعارض مع دستور 1971، وفي المادة 6 من دستور 2014 جاءت بحكم جديد أن : الجنسية حق لكل من يولد لأب مصري أو أم مصرية،ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية . وأشار إلى أن المشرع الدستوري لم يمنح المشرع العادي إلا سلطة تنظيم الجنسية المكتسبة ( التجنس) وليست الجنسية الأصيلة أي جنسية الدم. ولفت إلى وجود سبب خامس لعدم دستورية القرار وهو أنها منحت جهة الإدارة سلطة إسقاط الجنسية وفقا لمعايير مرنة فضفاضة تمكنها من إسقاط الجنسية عن المعارضين وهذا ما قضت المحكمة الدستورية العليا مرارا بعدم دستوريته في مجال التجريم . وأكد أن الجنسية ليست منحة بل هي هوية "رفقًا بالمصريين وحرياتهم ودستورهم ، الجنسية ليست منحة من أحد بل هي الهوية ويقيني أن مجلس الدولة عندما يؤخذ رأيه في هذا المشروع سينتهي إلي عدم دستورية مواد إسقاط الجنسية، هل سيلتزم برلماننا الموقر؟ لا أظن إن كانت هناك تعليمات مخالفة".