جمال الجمل، اسم غير عادى فى الساحة الصحفية المصرية، وكاتب يحاول بشكل مستمر تجاوز الخطوط الحمراء، ودائمًا ما يخوض معارك شرسة، لا يهمه فيها إلا الوطن ومصالحه العليا، دون أن يكترث بتبعات إغضاب السلطة، التى تحاول بين الحين والآخر إشهار سيف المنع فى وجهه فى محاولة لكتم صوت العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى مفردات مسيطرة على خطابه الصحفى. بدا الجمل واثقًا خلال حواره مع "المصريون"، فى قدرة المعارضة المصرية على الانتصار عبر انتخابات حرة نزيهة حال توحيد صفوفهم وتنحية الخلافات الإيديولوجية جانبًا وتكريس نوع من الاصطفاف الوطنى، مشددًا على أن شعبنا لن يقبل بسهولة تمرير اتفاقية تيران وصنافير وتوقع أن تكون تكلفة التسليم باهظة. قضايا عديدة تطرق إليها الحوار مع الكاتب الصحفى "جمال الجمل" نعرضها بالتفصيل فى السطور التالية.. ** تتعرض ثورة 25 يناير لمحنة كبيرة تزداد وطأتها بحالة الخمود والانغلاق ورفض الاصطفاف من شركاء الثورة من إسلاميين ويساريين وشباب وليبراليين هل هناك أمل فى تجاوز الثورة لهذه المحنة؟ *الأمل الكبير هو التوافق بين كل الفرقاء الموجودين على الساحة السياسية، وأهم مشهد فى 25 يناير ال18 يومًا، التى كانت فى الميدان والكل يجتمع على هتاف واحد "ارحل"، فلو لم تعد هذه الروح وبقينا كما نحن على الهويات الحزبية، سنواجه صعوبات كبيرة جدًا فى إحداث أى تغيير في الوضع السياسي الحالي لأن 5 سنوات من الإنهاك للشارع فى قضايا اقتصادية وأمنية، صعب جدًا تجاوز المخاوف لدى المواطن، لو لم يكن هناك إحساس بالوحدة وتحقيق هدف منشود، فالجميع الآن لديه إحساس بأنه يمكن أن يناضل ويقاوم، لكن لن يحصل على أى عائد، وهذه هى الخطورة التى جعلت الوطن يعانى من التشرذم، بالإضافة إلى أنه جرت محاولات تكسير كبيرة للُحمة الوطنية أثناء الثورة، حيث تم دق أسافين بين التيار الإسلامى والأحزاب الليبرالية وتجمعات اليسار وهذه التجربة أصبحت عقبة أمام محاولات التغيير فى نظام الدولة العميقة المسيطر منذ سنوات طويلة على مفاصل الحكم. الجمل متحدثا ل"المصريون" **يبدو نظام الرئيس عبد الفتاح السيسى غير عابئ بأى رد فعل شعبى وهو ما ظهر فى إجراءات رفع الدعم عم المحروقات وقبلها فرض حالة الطوارئ هل يعتبر النظام أن الثورة صارت من الماضى وأن الشعب سيركن للهدوء خوفًا من المجهول؟ *هناك أكثر من عامل فأنا أقولها دائمًا على سبيل الدعابة "طالما النظام لم يغلق محطة المترو بميدان التحرير فإنه لا يبالى برد فعل شعبى"، وذلك لوجود مؤشرات أمنية دقيقة ترصد حالة الحراك فى الشارع هل سيتجمع المواطنون أم لا؟ وماذا سيفعلون؟ وتم اختبار هذا فنحن أمام دولة المجسات والاختبار كما حدث فى 28 نوفمبر قبيل الحكم على مبارك كانت هناك تجربة وتم اتخاذ احتياطات كبيرة وكان رد الفعل هادئ وفى 11 نوفمبر أيضًا وغيرها. ** تجرى قوى معارضة محسوبة على الإخوان وغيرها مراجعات في تركيا تتبنى نهجًا مرنًا فى مسألة عودة مرسى كيف ترى مصير هذه المحاولة؟ *هى محاولة عاقلة جدًا لأنها تحاول تجاوز العراقيل الموجودة، لأن هناك مشكلة حقيقية لطرح عودة مرسى، وكتبت سابقًا أنها أقرب للحالة النفسية منه للوضع السياسى ولابد أن نفهم أنه فى الوضع السياسى يحدث قفز فى بعض الأمور على الواقع، بمعنى كيف ستعيد الزمن إلى الوراء، وبمعنى أن مرسى عندما ينتهى من القضايا المعروضة على المحاكم فيمكن القول إن لديه فرص أخرى فى الترشح للرئاسة لكن أن نعود بالزمن إلى الوراء فهذه أفكار نعانى منها على مستوى المجالات، فنحن أمام حالة ضعف وتشرذم وانقسام على المستوى الشعبى لفئات كثيرة جدًا . **هذا الانقسام والتشرذم كيف نتجاوزه؟ *نريد أن نتعلم كيف نكون شعبًا، فلابد أن نتوحد فى كل أمورنا كالتفريط فى السيادة والاستقلال الوطنى والفساد والقهر والاعتداء على الحريات، فهذه أمور لا تمييز بين إسلامى أو يسارى أو ليبرالى، وعندما نصل إلى الأمور ذات الطابع الأيدولوجى نختلف فيها لكن اختلافاتنا فى موضوع الوطن نفسه غير مقبولة، ومن ثم فعلينا التوحد حول الوطن، وبالتالى فان المبادرة المطروحة فيها قدر من العدل والحكمة وفئات متفتحة .. وأرى أن هذه المحاولات وغيرها يمكن أن تثمر عن شىء إيجابى لأن بعض الأخوة تحدثوا معى عن طرح جديد، وهناك بعض الخلافات البسيطة حول طرح "الترويكا" بمعنى وجود نوع من تقاسم الأدوار بين التيارات الرئيسية. ** تحدثت كثيرًا عما أطلقت عليه هزيمة النفوس كأحد أكبر المخاطر على ثورة 25 يناير، وهو أمر يوظف للتثبيط .. كيف يتجاوز شعبنا ونخبتنا وقوانا الوطنية هذا المأزق؟ *المأزق الحقيقى، أنه لا توجد مشكلة حقيقية لأن كل مشكلة لها حل ودائمًا ونحن نتحدث عن أن الذى يؤخرنا فى إيجاد الحلول هو غياب الأدوات والإمكانيات، فنحن شعب يعانى من الفقر والجوع والمرض وعندما نصل إلى الحضارة التكنولوجية العصرية وثورة الاتصالات بهذا الشكل الكبير نجد أننا شعب فقير، لأن السلطة تحتكر كل هذه الأدوات ونحن كقوى سياسية فى الشارع نريد التعبير عن أرائنا لا نملك شيئًا، دولة تحجب قرابة ال110 مواقع منها المرخص بإصدار مصرى مثل صحيفة "المصريون"، فهذا أكبر دليل على عدم قدرتنا السيطرة على أدواتنا فلابد من النضال السياسى من أجل الحصول على هذه الأدوات، حرية الرأى والتعبير عدم تقييد المعلومات، توسيع المجال العام، الإيمان بحقنا فى الحصول على حياة أفضل. **طرحت بعض القوى المحسوبة على ثورة 25 يناير فكرة الاصطفاف حول مرشح لانتخابات الرئاسة لكى يواجه السيسى فهل ترى هذا الطرح معقولاً وهل يمكن أن تجري انتخابات نزيهة تحت إشراف الجهاز الأداري للدولة الموالي للرئيس؟ * يمكن الانتصار فى انتخابات أو غيره، ولكن كيف فهذه هى الأساليب التى يمكن أن نفكر بها كقوى سياسية. **كيف تقرأ الإفراج الصحي عن هشام طلعت مصطفى؟! *العفو هنا قرار غير موفق فعندما يتدخل رئيس الجمهورية للعفو عن محرض أو قاتل فى جريمة غير أخلاقيه فهو وضع مؤسسة الرئاسة في وضع شديد الحرج وأمام مفارقة تثير تساؤلات مشروعة، خاصة وأن بالسجون حالات إنسانية كثيرة كانت أولى بالعفو الرئاسي وليس شخصا متهما في قضية قتل أثارت غضب الرأي العام في حينها. **أقيمت احتفالات كبيرة بثورة الثلاثين من يونيو ووضعت الإعلام وصور الرئيس عبد الفتاح السيسى على المؤسسات فى حين أن ثورة 25 يناير تواجه تجاهلاً غير مسبوق ويلاحق شبابها امنيا .. كيف ترى الفارق بين الثورتين؟ *كتبت تصورًا فى مقالين سابقين بأنه لا توجد ثورة تأكل ثورة وأنا مع كل الثورات، حتى التى سرقها اللصوص مثل25 يناير لم تحقق أهدافها كاملة، و30 يونيو وأنا مصر على أنها ثورة كاملة لأن الجماهير خرجت فيها على الرغم من أنهم كانوا يتلاعبون بهم وأنا مقتنع أن الجزء الأكبر بها كان مخططًا ومصطنعًا وهذا لم يغيب عن 25 يناير، لكن كان أكبر فى 30 يونيو. **منعت صحيفة المصرى اليوم مقالك فى إبريل الماضى من النشر بسبب حديثك عن حالة الطوارئ وأشرت خلال تصريحاتك بأنك لا تلوم على الصحيفة لأنها تعرضت لضغوط كبيرة هل تطلعنا على الضغوط التى تعرضت لها خلال هذه الموجة من النظام؟ *المنع له تاريخ طويل معى، فهذا كان واحدًا من الكثير، والمقال الذى مُنع كان أقل بكثير مما نشر وكان عنوانه مقال طارئ وكان أخف فى الدرجة وعندما منعته المصرى اليوم، أرسلت المقال الثانى للبديل وكانت المصرى اليوم بدأت معى سكة المنع بتعليمات واضحة أثناء نشر سلسلة مقالات "حواديت العباسيين " ..اعتبرت ما يجرى محاولة لكتم صوتى والجريدة مفروض عليها هذه الأمور، حيث تلزم السلطة الصحيفة بخط معين لا تستطيع مخالفته. **صعد وزير الخارجية سامح شكرى من لهجته ضد إثيوبيا هل مثل هذا النهج قادر على استعادة حقوقنا ؟ ** مصر تهاونت فى حقوقها ولن تكون دولة كبيرة بالشعارات بل بدورها فى إفريقيا ودورك خسرته على مدار 40 سنة، فى منتصف التسعينيات بعد محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، تم قطع ما تبقى من علاقات فى العمق الإفريقى، وتم تشكيل العمق التاريخى للقارة الإفريقية، ومصر بعيدة عنه، مصر فى سد النهضة ستكون مستقبلة، الآن صعب أن يكون لنا دور وأصبح لإسرائيل دور أقوى لأنها منذ قديم الأزل تريد أن تستحوذ على مياه نهر النيل وهو مخطط بدأت تجنى ثماره الآن . **التهليل المصرى للرئيس دونالد ترامب بات أمراً ضروريًا من قبل مؤيدي النظام هل سيستمر شهر العسل بين الطرفين؟ *حالة ترامب قلقة فى أمريكا نفسها، فهو كالسمسار فليس لديه استراتيجية أو مبادئ عامة، وحتى التعبير فى صفقة القرن هى شغلانة قطعة ويريد أن ينتهى منها سريعًا وبأكبر قدر من المكاسب.