ما يحدث للسجناء السياسيين في مصر من حبس انفرادي ومنع الغذاء والدواء والزيارات جريمة مكتملة الأركان، جريمة تتجاوز كل الأعراف القانونية في معاملة أصحاب الرأي الذين لم تتجاوز معارضتهم السياسية الحق في التعبير، فلم يحملوا سلاحا، ولم يعتدوا على أحد، ولم يهدموا جدارا، ولم يحرقوا مؤسسة. الخلاف السياسي له حدود في معاملة من تم القبض عليه أو حتى اختطافه وأخذ اعترافات كلنا يعلم الطرق التي يتم انتزاع الاعترافات بها.ومن الضروري ألا يتحول الخلاف السياسي من خصومة سياسية إلى فجر في الخصومة. لقد تجاوز الأمر في مصر حد القضاء على خصوم سياسيين إلى عملية إبادة منظمة تحت ستار السجن، فيتم استخدام سلاح التجويع على أوسع نطاق (حتى قوانين السجون لا اعتبار لها عند من يمارسون تلك الجرام البشعة) والله قد أدخل امرأة النار في هرة حسبتها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فبما بالنا بمن حبس عشرات الآلاف من الناس دون محاكمات عادلة،ودون درجات تقاضي تكفل لهم حق الدفاع عن أنفسهم. أمر السجون في مصر تجاوز السقف، وعشرات الألاف من الشباب في السجون لابد أن تصبح قضايا رأي عام،قضايا يتحدث فيها الناس كلهم، وعشرات الآلاف من الشباب يمضون سنوات في السجون ولم توجه لهم تهمة ولم يجر معهم تحقيق عادل، حتى سقف الحبس الاحتياطي تم إلغاؤه، ولم يعد حبسا احتياطيا بل حبسا اعتباطيا. حالة السجون في مصر هي أبشع وجوه الانقسام والاستقطاب الاجتماعي والسياسي، وهي تعبر عن الحد الفاصل بين الدولة التي يحكمها مجموعة من القوانين (حتى لو كانت ظالمة) وبين الغابة التي يفتك فيها الوحش بضحيته باعتباره فريسة لا حرمة لها ولا حق. وقضية المظلومين في السجون المصرية هي أحد أهم قضايا الإجماع السياسي في مصر بين مختلف الفرقاء السياسيين سواء أكانوا شركاء الثورة ثم فرقاء ما بعد الثورة حيث تم إفساد الثورة والتعامل معها على اعتبار أنها كيكة الكل يريد أن يعظم مكاسبه منها: فالسجون وظلمتها لا تفرق بين التيارات الفكرية. وفترات الحبس الطويلة والتي لا حد لها لا تفرق بين التيارات الفكرية. والمحاكمات يصدر فيها الحكم بالإعدام على عشرات الأفراد في لمح البصر لا تفرق بين التيارات الفكرية. قضية المظلومين في السجون المصرية هي قضية حقوق إنسان،وقضايا حقوق الإنسان تتجاوز الاعتبارات السياسية والفكرية: فالحق في محاكمة عادلة هي أحد أهم حقوق الإنسان. والحق في محاكمة الإنسان أمام قاضيه الطبيعي هي أحد أهم حقوق الإنسان. وحق السجين في بيئة آمنة هي أحد أهم حقوق الإنسان. سجن العقرب وما يحدث فيه عار في وجه الدولة المصرية التي تنتهك أبسط حقوق الإنسان، فحتى لو كانت في حالة حرب (وهي قد اعتبرت خلافها السياسي حالة حرب) وانتصرت على خصومها فليس من حقها انتهاك آدميتهم ولا آدمية أهاليهم في زيارات هي أقرب لطوابير التعذيب منها لممارسة أحد حقوق السجين التي نصت عليها القوانين والدستور فما بالنا بمن لم يحاكم ولم يصدر بحقه حكم. لقد سمعنا في السنوات القليلة عجبا وما لم نسمعه من قبل: لقد سمعنا عن الكفيف جمال خيري المتهم في قضية قتل النائب العام السابق "هشام بركات" والذي وجهت له النيابة تهمة تدريب باقي المتهمين باستخدام السلاح وضرب النار،وعندما أمرت المحكمة باستخراج المتهم لمعاينته تبين أنه كفيف بالفعل وأثبتت المحكمة ذلك في محضر الجلسة. وسمعنا عن المتهمين في قضايا وهم قد انتقلوا إلى رحمة الله قبلها بسنين. وسمعنا عن الطفل ذي الخمس سنوات. وسمعنا، وسمعنا، وسمعنا ... إن التعذيب حتى الموت جريمة الأركان. ومنع الدواء عن المسجونين جريمة مكتملة الأركان. ومنع الغذاء والماء جريمة مكتملة الأركان. والحبس الانفرادي لفترات طويلة جريمة مكتملة الأركان. للأسف تطول قائمة السجناء السياسيين في مصر بما لم يحدث في تاريخها الحديث والمعاصر ولو أردنا أن نذكر من نعرفهم بأسمائهم وأشخاصهم من أهل الفكر والسلمية لما وسعتهم الجريدة بكاملها وليس مساحة المقال. فك الله كرب من تضمه جنبات السجون ظلما وزورا. ورحم الله من مات تحت التعذيب، أو من منع عنه الدواء فمات عدوانا وإثما. ورد الله المختفين قسريا إلى أهليهم أو حتى يعرفون في أي السجون هم. (انظروا كيف قضت دولة الاستبداد على سقف الطموحات وأصبحت أقصى أمانينا أن نعرف أين المختفين قسريا، وكثير ما هم. لك يا مصر...