تواجه مصر مشكلة حقيقية في المياه الجوفية، كانت سببًا في إحراج الحكومة أمام الرأي العام، فيما يخص المشروعات التي تحتاج تلك المياه، وأهمها المليون ونصف المليون فدان. ويُقدر خبراء ومتخصصون حجم المياه الجوفية المهدرة سنويًا بنحو 10 مليارات متر مكعب، وهي نسبة مرتفعة جدًا، لكون مصر يوجد بها شريان نهري تمر من خلاله المياه لجميع المحافظات، وهو ما يؤدي إلى زيادة مخزون المياه الجوفية لديها. وتحججت الحكومة ممثلة في وزارة الري بقلة المياه الجوفية، بالشكل الذي جعلها عاجزة حتى الآن عن تنفيذ مشروع المليون ونصف المليون فدان بشكل كامل، معتبرة أن المهدر من المياه الجوفية، ترتب عليه عدم قدرتها على إنجاز نسبة كبيرة في المشروع، رغم أنها قدمت سابقًا خرائط توضح أن مصر تمتلك ما يكفي من مياه جوفية لجميع أراضي الاستصلاح. وبعد مرور أكثر من 3 سنوات على وعد الحكومة باستصلاح مليون ونصف فدان، لم يطرح سوى العشرات منها، والباقي لم يُعلن عن طرحه أو ميعاد تسليمه، ما يطرح تساؤلا هامًا عن مصادر إهدار المياه الجوفية التي تمتلكها مصر؟ واعتبر الدكتور أحمد الشناوي، خبير السدود والمياه، أن المياه الجوفية تفقد نتيجة أمرين أحدهما وهو عدم الاستغلال الأمثل لها، كما يحدث في طرق الري الحديثة والتي تستنزف المياه بشكل كبير، الأمر الآخر وهو وجود فوالق أرضية تسمح بتسرب المياه. وأكد الشناوي ل "المصريون"، أن هناك مناطق بالصحراء الغربية توجد بها تلك الفوالق ما يسمح بتسرب المياه، بينما في المناطق الأخرى التي تكون فيها المياه متجمعة وثابتة، فإن الإهدار فيها يكون نتيجة الإهمال وعدم القدرة على استخدام المياه بالشكل الأمثل. وأوضح، أن المشكلة ليست في المياه الجوفية، لأن كل الخبراء والمتخصصين حذروا الحكومة من تلك الخطوة، وطالبوا بالمصداقية مع الشعب، لأنه عمليًا كان من الصعب جدًا إيجاد مياه جوفية تكفي مليون ونصف المليون فدان. من جانبه، أكد الدكتور ضياء القوصي، خبير المياه، أن هناك طرقًا عديدة تهدر بها المياه الجوفية، لافتًا إلى أن مخزون مصر من المياه الجوفية يقدر بالمليارات والطبقة الناقلة للمياه الجوفية عادة تكون "غير ثابتة". وأوضح "القوصي" ل"المصريون"، أن مشروع المليون ونص فدان لا يجب تعليقه على إهدار المياه الجوفية، لأن تلك المياه من الأساس لا توجد بيانات واضحة حول تواجدها، وعن مدى استمرارها وفترتها، وبالتالي فإنه إذا تم تبرير الأمر بذلك، فسيكون غير مقبول. وتقول وزارة الري إن المياه الجوفية عادة ما تكون موجودة على مسافة تقدر بنحو 100 متر تحت سطح الأرض، وهو ما يعني حاجتها إلى طلمبات لرفعها، مؤكدة أن المشكلة الأساسية في رفع تلك المياه من الأسفل. وفي السياق السابق، قال الدكتور سامح صقر، رئيس قطاع المياه الجوفية بوزارة الري، إن الوزارة تعمل حاليا على حصر جميع خزانات المياه الجوفية لتقديم رقم ونسبة محددة لها، معتبرًا أنه لا يوجد إحصائية كاملة عن كمية المياه الموجودة في باطن الأرض. وأرجع صقر عدم قدرة الوزارة على تحديد النسبة على وجه الدقة إلى الطبيعة الجغرافية للمناطق والتي تجعل من الصعب الوصول إلى كافة الخزانات الجوفية في الأرض، وهو ما يعني أن المياه جوفية – حسب وصفه – لن تنضب، طالما أن الأجهزة لم تستطع استخراجها بالكامل. ورغم أن وزارة الري كانت قد قدمت خرائط سابقة وقت الإعلان عن مشروع المليون ونصف فدان، تشير إلى أن المياه الجوفية تكفي لاستصلاح أراضي المشروع بالكامل، الآن تؤكد الوزارة أنها تسعى لحصر المياه الجوفية في مصر، ما يعني تراجع وإعلان عن عدم قدرتها على توفير المياه لباقي مراحل مشروع المليون ونصف المليون فدان.