سبعة عشر عاما مرت على الزيارة الأولى لأحد باباوات روما إلى مصر وهى زيارة البابا يوحنا بولس الثانى فى فبراير 2000 يومها استقبل حسنى مبارك غبطة البابا فى المطار الذى توجه الى الكاتدرائية المرقسية والتقى البابا شنودة الثالث الذى رحب به وقال له :مصر هى الدولة الوحيدة التي زارها المسيح وباركها مع العائلة المقدسة وأن مصر هي التي أسست نظام الرهبنة والأديرة ونشكرك على كلمتك أن مصر بلد لانعيش فيه بل هي بلد يعيش فينا(وهى الجملة التى تنسب الى البابا شنودة رغم ان قائلها هو مكرم عبيد) وقدم البابا شنودة هدية لبابا روما عبارة عن صليب كبيرمن الذهب الخالص لكن بابا روما قدم هدية برونزية عبارة عن صورة كبيرة للعائلة المقدسة.. الزيارة كانت ردا على زيارة سابقة للبابا شنودة إلى البابا بولس السادس في الفاتيكان عام 73 .. البابا يوحنا ذهب أيضا إلى دير سانت كاترين وهو دير يتبع الروم الأرثوذكس لإقامة قداس لكن الروم الأرثوذكس من رهبان الدير لم يمنحوا البابا حق الصلاة وامتنعوا عن استقباله ليضطر أن يصلي خارج الدير على أسواره تقول الحكاية ان الحوار الرسمى بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية بدا بزيارة غبطة الأنبا شنودة عام 1973 وهى أول زيارة بعد مجمع خلقيدونية الشهيرعام 451م يقوم بها بابا الأسكندرية لروما.. البابا شنودة كان فى ضيافة البابا بولس السادس وخلال هذه الزيارة استعاد الرفات الرسمى للقديس أثناسيوس الذى كانت الدولة البيزنطية قد نقلته من الاسكندرية الى القسطنطينية فى القرن الثامن ثم إلى فيينا فى القرن الخامس عشر (القديس اثناسيوس كان بطريرك الإسكندرية في القرن الرابع وتم الاعتراف به كقديس من الكنيسة الكاثوليكية الذى اعتبرته أحد علماء الكنيسة ال 33 وهو أب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومعلمها الإيماني الأول) تم استقبال غبطة البابا شنودة والوفد المرافق استقبال حافل و قد تم الإعداد الجيد لهذا اللقاء التاريخي بين رئيس الكنيسة الأرثوذكسية ورئيس الكنيسة الكاثوليكية فهى أول زيارة بعد قطيعة عنيفة استمرت 1500 سنة .. البابا شنودة اقام يومها قداساً قبطياً بكنيسة القديس أثناسيوس بروما حضره عدد كبير جاءوا ليشهدوا قداسا قبطيا في كنيسة كاثوليكية !! فى نفس يوم زيارة البابا شنودة الى روما 4/5/1973كانت زيارة البابا تاوضروس الثاني بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عام 2013م إلىالفاتيكان في سياق بالغ الاهمية فهي أول رحلة يقوم بها البابا تاوضروس خارج مصر بعد رسامته بل وفي نفس ذكرى اليوم الذي زار فيه البابا شنودة الثالث روما منذ أربعين سنة 10 مايو يوم المحبة الأخوية بين الكنيستين الكاثوليكية والكنيسة القبطيةالذى تم فيه توقيع بيان مشترك بين الكنيستين .. أحد الاقباط المتطرفين كانت له قراءة متعصبة لزيارة البابا تاوضروس اذ قال (كنيستنا لا يجب أن تشعر بأنها وحيدة و في أوراق التاريخ كثير من المواقف التي إستعانت فيها الكنائس بأشقاءها من الكنائس الأخري حين هاج العدو عليها و أراد أن يقتنصها.و حيث أنه لا توجد كنيسة لها نفوذ سياسي في كل كنائس العالم سوي كنيسة الفاتيكان لذا كان من الضروري أن يكون لجوء الكنيسة الأرثوذكسية لشقيقتها الكاثوليكية.. لذلك كان لابد من مدخل ذكي للمجتمع الدولي لا يستثير الذين يتصيدون للكنيسة.. المدخل للمجتمع الدولي يمر عبر بابا روما..أقول في هذا الإطار أنها أبرع إختيار..و أن يكون بابا روما هو أول مكان لوصول بابا الإسكندرية في أول زيارة خارج مصر فهذا يعني الكثير.. و لو أراد أحد أن يقول أن الزيارة روحية بحتة أقول أنا له ..لا لو كانت الروحانيات هي المقياس الأول لكان من الأولي أن يزور بابا الإسكندرية الكنائس الحبشية و الأرمينية و الهندية و الروسية الأرثوذكسية أولاً ثم بعد ذلك الفاتيكان.. لكن الاختيار لم يكن علي أساس روحي فحسب إنما أيضاً له أبعاد أخري لا تتوفر سوي في الفاتيكان كما أشرت ..هذا التصور لا يقلل من رغبة كنيستنا في الوحدة ولا يقلل من شوقنا لعودة الأشقاء الرئيسين وسط كنائس العالم..) زيارة البابا فرنشيس تعد الزيارة الأولى لبابا الفاتيكان لمصر لحضور مؤتمر السلام الذى ينظمه الأزهر الشريف ويحضره أمين مجلس الكنائس العالمى(الفاتيكان ليست عضوة بالمجلس) هذه الزيارة تأتى بعد قطيعة دامت 5 سنوات بين الأزهر والفاتيكان بسبب تصريحات البابا السابق بنديكت السادس عشر والتي اعتبرها الأزهر إهانة للإسلام وتحرض على الكراهية. وأعلن شيخ الأزهر تجميد التواصل مع الفاتيكان الى ان قام بزيارته العام الماضى يوم 23 مايو 2016 في المقر البابوي بالفاتيكان وسط ترحيب عالمي واسع بالزيارة التاريخية. كنت قد كتبت كثيرا عن المكانة الكبيرة للمسيحييين العرب فى سرديات الحضارة الاسلامية ودورهم العظيم فى البناء الحضارى لتاريخ الشرق..وقلت أن الشرق الأوسط لم يستورد المسيحية من أوروبا وإنما صدرها لها!! . فى الشرق الأوسط جرى تدوين الأناجيل.. فى (القدس) تأسست الكنيسة الأولى - أم الكنائس– عام 33 م وكذلك الأديرة والرهبانيات الأولى وفى مصر والعراق والجزيرة العربية سقط الشهداء المسيحيون الأوائل ... هنا جرى شرح وتفسير التعاليم المسيحية والأناجيل ووضع اللبنات الأولى للاهوت المسيحى وللنظام الكنسي. المسيحية ليست نبتة غريبة فى الشرق ولا دخيلة ولا طارئة أو عابرة أو مؤقتة. هى بنت ونتاج أصيل لهذا الشرق. هنا جغرافيتها وتاريخها ومن هنا جرى الانطلاق لتبشير الأمم الوثنية بها فى العالم بأسره.. للأسف الشديد الكنيسة فى الغرب لا تذكر جذورها العربية. سنقرأ عن مملكة الأنباط المسيحية ( بولس الرسول اختبأ وبشر عندهم) مملكة تدمر فى سوريا. مملكة المناذرة مملكة الغساسنة (المملكة العربية المسيحية الأولى والأكبر والأكثر تمدناً وحضارة وأيضاً المبادرة لتنصير قبائل عربية وثنية أو بطون لها جاورتها أو سكنت ضمن مناطقها)والتى حاربتها روما المسيحية طويلا لتقضى على الدولة العربية المسيحية الأولى ..متهمة لها بالهرطقة لاعتقادهم بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح عليه السلام وعلى فكرة ..الإمبراطور قسطنطين لم يكن أول أمبراطور اعتنق المسيحية (عام 312) إذ اعتنقها قبله سرًا الإمبراطور (فيليبوس) فيليب العربى (244-249). لم يضمر العرب المسيحيون العداء للإسلام دعوة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد.. وإنما ساندوها وفى يثرب استقبلتهم قبيلة الأزد النصرانية وبملك الحبشة النجاشى المسيحى احتموا واستجاروا. ليكتب التاريخ أن العرب المسيحيين دعموا النهضة الإيمانية والحضارية التى أتى بها الإسلام لمجتمع جاهلى عاداه فى بدايات انتشار دعوته. عاش العرب المسيحيون أكرم عيش فى ظل حكم الخلافة الإسلامية ما يقارب ال 14 قرنًا بدء بالخلافة الراشدة ثم الأموية والعباسية وأثناء حكم المماليك وانتهاء بالخلافة العثمانية. التى اعتمدت دستور عام 1876 إبان خلافة السلطان عبد الحميد الثانى باعتبار الشريعة الإسلامية أساس ملزم للتشريع وللقضاء بحق المسيحيين.. وأعفتهم من دفع الجزية وضريبة الخراج وسمحت بخدمتهم فى الجيش أو دفع البدل كمواطنين مكتملى الحقوق والواجبات . ............. عروبة المسيحيين العرب لا يستطيع أن يجادل حولها أحد أيا ما كان فهم من ساند الفتح الإسلامى ضد الروم معتبرين الفاتحين العرب أبناء قوميتهم وهم من قاوم الغزو الصليبى فى العصور الوسطي. وهم من وقف ضد الاستعمار الأوروبى العرب المسيحيون كانوا الرواد والطليعة الأبرز فى التنظير والدعوة للعروبة وللاستقلال الوطنى ولوحدة الأمة ورفضوا نظام المحاصصة الطائفية وإعطاء مراكز ومواقع فى الدولة للمسيحيين العرب بصفتهم مسيحيون. لم يدعوا كما يشاع _عنهم _وإنما تصدوا لدعوات إقامة دولة قبطية أو فرعونية فى مصر وبابلية فى العراق وفينيقية فى بلاد الشام أو مسيحية فى سوريا ولبنان. ورأوا فى الحضارة العربية الإسلامية وتمدنها فى زمن الخلافة حضارة لهم ساهم أجدادهم الأوائل فى صناعتها ومنها انطلقوا. وحين شنّت أوروبا (المسيحية) من سنة 1096 إلى سنة 1270 حملات لاحتلال الشرق العربى حارب العرب المسيحيون إلى جانب المسلمين ضد ها وضد بابويتها وكنيستها الداعية والراعية للحملات. هكذا تصرفوا أيضا فى التاريخ الحديث مع الاستعمار الغربي(المسيحي) للشرق الأوسط . كونك عربيًا يعنى أن الإسلام وثقافته من مقومات هويتك القومية إذ فى ظل تاريخه وحضارته وتراثه وُلِدت وعشت وشاركت وتثقفت وأصبحت أمة ومرة ثانية أهلا بالفاتيكان فى مهد المسيحية..