تسعى الحكومة الراهنة في مصر إلى الخلط بين السلطات الثلاث ودمجها تحت قيادة السلطة التنفيذية بما لم يسبق له مثيل , فلقد شاهدت الحفاوة الزائدة من البرلمان تجاه رئيس السلطة التنفيذية عند الجلسة الافتتاحية , إذ صفق المجلس طويلاً وقوفاً وقعوداً وسط ترحيب وثناء مبالغ فيه من رئيس المجلس وهتافات من بعض الأعضاء , ولقد صدمني هذا المشهد فتذكرت تقاليد مجلس الشورى السابق الذي كان لا يصفق للمتكلمين فشعرت من هذه اللحظة أن البرلمان لن يؤدي واجبه على النحو الذي أنيط به وهو الدور الرقابي والمحاسبي لأداء الحكومة , بل وتحقق ذلك في وقت قياسي على أرض الواقع فأعطى الثقة الكاملة لبرنامج حكومي ظهرت مقدمات فشله في الواقع لأن مقياس النجاح يقاس بتحقيق حد الكفاية للمواطن في مجالات الطعام والملبس والسكن والعلاج , وما نراه اليوم من حال المواطن يغني عن الشرح , والذي يبدوا لي أن الحكومة تتصور أن من أحد مهامها توحيد السلطات لتكون في سلطة واحدة تسمع وتطيع للقيادة السياسية , فالكل يجب أن يوفق أوضاعه ويرتب أحواله ليكون جندياً مطيعاً , بل ويفهم ما في عقل القيادة فينفذه على الفور بلا تردد . ومما لاشك فيه أن مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ أصيل في الدستور المصري وغيره من الدساتير , حيث يحدث التوازن في دولاب العمل , فالسلطة التشريعية لها دورها التشريعي والرقابي , والسلطة التنفيذية لها دور التنفيذ والإنجاز في المجال العملي , فإذا ماتجاوزت صلاحياتها كانت السلطة القضائية حكما ترد الأمر إلى نصابه من خلال القضاء الإداري , ولكن الذي يجري في مصر شئ آخر خلاف ما تعارفت عليه الحكومات والأنظمة المختلفة , فالإلتفاف على الأحكام أصبح أمراً ميسوراً وهو ما يهدم المنظومة القضائية ويسقط أحترام أحكام القضاء في أعين المواطنين . إن الدول المحترمة هي التي تحترم مؤسساتها وتقويها وتدعمها وانظروا معي إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حكم أحد القضاة في عهده في مسألة من المسائل , فلما علم عمر بالحكم قال لو كنت مكانه لحكمت بكذا وكذا , فقالوا له لماذا لا تنقض حكم القاضي فأنت الخليفة ؟ فقال لا . كيف وقد قضى ؟! وهنا ضرب لنا عمر رضي الله عنه المثل في احترام اجتهاد القاضي واستقلاله حتى ولو كان ذلك يخالف رأي رئيس الدولة . إن الاختراقات التي أحدثتها السلطة التنفيذية في بنيان المنظومة القضائية والتشريعية ليست في الصالح العام بل وتضر بالدولة المصرية وتفتح باب الصراع الداخلي وهو مالا يحمد عقباه . وأتصور في الختام أن مساعي توحيد السلطات الثلاث سيبوء بالفشل وهو أمر ينبغي أن تدرك عواقبه الحكومة مسبقاً لكون هذه الممارسات سيكون لها مردود شعبي عقابي عند التصويت الانتخابي سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو المحليات هذا وصلى الله على سيدنا محمد .