تقدّم لنا (سورة النور) وجبة دسمة من الآداب والقيم والأحكام الشرعية التي تحمي المجتمع المسلم وتحفظ سياجه وتصون حياته وتحرس الفضيلة فيه... وتقدم لنا السورة الكريمة جرعة مريئة في قضية العفاف والستر وصفاء المجتمع المسلم ونقائه من الرذيلة... فالتركيز على قضية العفاف والستر وصفاء المجتمع هو المحور الأساس لهذه السورة الكريمة... وقد استحقّت هذه السورة الكريمة أن تكون نورا بحق، وأن يكون اسمها سورة النور... وهذا ما نحاول أن نكشف بعض جوانبه في هذا المقام... ومن عجيب أمرها أن يأتي فيها ذكر الظلمات... بل (ظلمات بعضها فوق بعض)... بجانب ذكر النور... ومن عجيب أمرها أيضا بجانب ما جاء فيها من آداب كريمة وأخلاق سامية أن تتعرض لجوانب نفسية دقيقة، نحاول أيضا هنا أن نتناول طرفا منها... وقد سُمّيت السورة الكريمة بسورة النور أيضا لورود آية النور فيها (الله نور السموات والأرض مثل نوره...) الآية (35)... ومعنى الآية الكريمة: الله سبحانه وتعالى نور السموات والأرض؛ مثل نوره سبحانه وتعالى في قلب المؤمن كمثل كوة (طاقة) غير نافذة في حائط فيها مصباح (فتيل مضيء) في زجاجة متوهجة كأنها كوكب مضيء كالدُرّ، يوقد فتيل المصباح من زيت شجرة مباركة هي شجرة الزيتون، لا يستر هذه الشجرة عن الشمس شيء لا صباحا ولا مساءً، يكاد زيت هذه الشجرة يضيء ولم لم تمسه نار فكيف لو مسته؟!... نور على نور؛ نور المصباح على نور الزجاجة... وهكذا قلب المؤمن إذا أشرق فيه نور الإيمان والهدى... ويكون ذلك بتوفيق الله وحده... هذا المصباح المضروب مثلا يوقد في مساجد هي بيوت الله التي أمرنا الله بتنزيهها عن الأنجاس والأقذار الحسية والمعنوية وأن نرفع من شأنها... بذكر اسم الله فيها بالأذان والصلاة والدعاء والذكر وتلاوة القرآن أول النهار وآخره... وقد جاءت الآيتان (39 و 40) من السورة الكريمة للحديث عن الظلمات التي هي ضد النور... مثال ضربه الله للكافرين... بأسلوب بديع فيه من الزجر والتخويف ما فيه.. فالذين كفروا أعمالهم التي عملوها لا ثواب لها؛ فهي مثل السراب في أرض منخفضة يراه العطشان فيظنه ماءا فيسير إليه، حتى إذا وصل إليه لم يجد ماءً... فكذلك الكافر يظن أن أعماله تنفعه، حتى إذا مات وبعثه الله لم يجد ثوابها، ووجد الله أمامه فوفاه حساب عمله كاملا... هؤلاء الكافرين أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج من فوق ذلك الموج موج آخر من فوقه سحاب يستر ما يهتدي به من النجوم، ظلمات متراكم بعضها فوق بعض، لدرجة أن من فيها إذا أخرج يده لم يكد يبصرها من شدة الظلام... وهكذا الكافر تراكمت عليه ظلمات الجهل والشك والحيرة والطبع على قلبه والعياذ بالله... ومن لم يرزقه الله هدى من هذا الضلال وعلما يهتدي به فما له من نور يبصر به في هذه الظلمات الحالكة... نسأل الله أن ينير قلوبنا بهداه، وأن يعيذنا من ظلمات الجهل والضلال... وفي السورة الكريمة فوائد ودروس وجملة من الواجبات والآداب والأخلاق... نحاول أن نذكر بعضها... ولا يمكن بطبيعة الحال أن نحيط بها جميعا... منها: - يفضل التمهيد للأمور العظيمة بما ينبه إلى عظمتها... (سورة أنزلناها وفرضناها...). - محاصرة فاعلي فاحشة الزنا وسيلة لتحصين المجتمع منهم ووسيلة ربانية لردعهم. - لبشاعة قذف المحصن والمحصنة جمعت السورة الكريمة على القاذف عقوبتين؛ عقوبة (مادية) متمثلة في الحد وعقوبة (معنوية) تتمثل في رد شهادته وتفسيقه. - تنبهنا السورة الكريمة على تركيز المنافقين على هزّ الثقة فيمن هم محل ثقة المسلمين بإشاعة الاتهامات الباطلة عنهم، واستدراجهم للفضلاء من المؤمنين ليشاركوهم في ذلك. - ضرورة التثبّت فيما يُثار من شائعات وعدم الانجرار وراء ذلك... - ضرورة البُعد عن المشاركة في نشر الكذب والشائعات والاتهامات الباطلة للمؤمنين... - التوفيق للأعمال الصالحة والتوبة فضل محض من الله ونعمة منه وحده وليست من كسبنا. - الاستئذان أدب رفيع وقيمة مهمة... ويجوز دخول الأماكن العامة بلا استئذان... - وجوب غضّ البصر والحجاب وتخفيف الأمر على العجائز بشرط عدم تبرجهن بزينة... والاستئذان والحذر من إغراءات الشيطان الداعية إلى ارتكاب المعاصي والآثام. - فضيلة الإحسان والعفو والصفح عن المسيء وعدم معاملته بالمثل... - تحريم استخدام وسائل الإثارة ولفت الانتباه (... ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن...)... - المساعدة في تزويج المؤمنين والمؤمنات والحد من العنوسة بإعانة أصحابها... إذ هي من أسباب انتشار الفاحشة. - حرمة التجارة بالأعراض وامتهان البِغاء والتخلّص من الرِّقّ بالمُكاتبة التي تعين الرقيق على العتق؛ بهدف محاصرة الطبقة التي تمتهن الفاحشة غالبا. - المساجد بُيوت الله ولذا يجب رفع شأنها وتنزيهها عن الأقذار الحسية والمعنوية... - من صفات المنافقين إعراضهم عن حكم الله إلا إذا كانت في صالحهم... ومن صفاتهم أيضا الحلف على الكذب، وسوء الظن بالله، والشك، ومرض القلب والعياذ بالله. - ومن صفات المؤمنين الإذعان لحكم الله ولو لم يكن في صالحهم... وطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه... - الاهتمام بقضية تأديب الأطفال وتعويدهم على الاستئذان في أوقات ظهور العورات عادة... لتنشئة مجتمع فاضل سوي... - منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة عظيمة تقتضي توقيره بتوقير سنته واحترامه باحترام سنته... وفي مخالفته شؤم كبير وخطر عظيم؛ يصل بصاحبه للكفر والعياذ بالله!.. وهذه جملة من توجيهات سريعة ونصائح تضمنتها السورة الكريمة: - تجنّب الكلام في أعراض الناس. - أحسن الظن بالمؤمنين والمؤمنات. - لا تحلف على قطيعة رحم أو ترك فعل خير. - ابتعد عن قذف المحصنات المؤمنات. - هداية الله نور يكسبك الفراسة فاحرص على الهُدى. - أذعن للشريعة واحذر الهوى. - عبادة الله وعدم الشرك سبب للتمكين في الأرض والاستخلاف فيها. - اجعل تحيتك دائما هي السلام. - احذر مخالفة سُنة النبي صلى الله عليه وسلم. Rabie Al-Zawawi General Manager Email: [email protected]