في مواجهة ثقافة الإرهاب التي ابتليت بها معظم الدول العربية والإسلامية. اليوم ثمة ثقافة أخرى مقابلة، تبيح لنفسها، في محاولة لتبرير حربها ضد "الإرهاب" تكفير الإرهابيين وإخراجهم من الملة.. والمفارقة أن عقلية "التكفير" هي ذاتها التي يحملها "الإرهابيون" وتؤخذ عليهم وعلى سلوكياتهم وأدبياتهم وحراكهم الجمعي ..فهل بات قوى محاربة الإرهاب قاصرة حتى تعلن شعار وداوها بالتي كانت هي الداء! أيدلوجية التكفير عموما أيدلوجية قاصرة تنم عن ضحالة تفكير صاحبها وسطحيته وعجزه عن مواجهة الآخر أو التأثير به، وهي اليوم بعد أن كانت صفة لصيقة بالجماعات "الإرهابية"، نجدها تروج وكأنها الحل الأخير الذي اسقط في يد الدول والحكومات والمنظمات والهيئات التي أخذت على عاتقها مكافحة "الإرهاب"! تتعالى الأصوات في غير دولة، ومن بينها الأردن والمغرب، لإصدار فتاوى من قبل علماء المسلمين تنص بكفر "التكفيريين" وخروجهم من الملة وفق تأصيل شرعي واضح .. وفي هذا إشارة واضحة إلى نجاح الفكر "التكفيري" في السيطرة على العقول ليصبح ملاذا وورقة أخيرة في الحرب العالمية الفاشلة بقيادة الولاياتالمتحدة ضد ما يسمى الإرهاب. أثبتت الأحداث الأخيرة تصاعد مد الفكر التكفيري بين جيل الشباب، ومحاربة هذا الفكر لا تكون بالاتكاء عليه واستخدامه، وإنما بنشر ثقافة الوسطية والاعتدال وتوضيح صورة الإسلام النقية. ولعل هذه المهمة تقع على عاتق الحركات والتيارات الإسلامية قبل غيرها، من خلال المطالبة بإحلال ثقافة الوسطية حتى لا تطغى وتعم ثقافة التكفير، إلا أن واقع الحال من غياب وتراجع وتحولات فكرية لهذه الجماعات والتيارات جعلها تنشغل بأمور أخرى عن واجب الإصلاح الديني. وأعتقد أن الحزب الإسلامي العراقي وهيئة علماء المسلمين يقومان جاهدين بلعب هذا الدور الكبير رغم كل التحديات والمعيقات، وهي في مهمتها هذه أيضا تتجنب الصدام مع التيارات التكفيرية في محاولة لكسب جماهيرها. لكن في المغرب مثلا جاء بيان (العلماء المغاربة) الأخير ضد تنظيم القاعدة في العراق ليعلن (تكفير الإرهاب وأهله وخروجهم من الملة واعتبارهم مفسدين في الأرض)، وهي الوصفة التي نحذر من اعتمادها بحجة محاربة الإرهاب لأنها، كما أسلفنا/ تقوم على نفس ثقافة من يحاربون! بيان العلماء المغاربة دعوة ضمنية وصريحة لتكفير هؤلاء على اعتبار أنهم لا يملكون الأهلية ولا المرجعية الفقهية، فهل يقع العلماء في الخطأ ذاته؟! نجاح المشروع التكفيري وتمدده قائم على فشل المناهضين له بصده بالطرق السلمية، وعلى إشاعة الثقافة المناسبة وإحلالها محل ثقافة التكفير، ولنعترف أن هناك تقصيرا في استيعاب الظاهرة الإسلامية وتهذيبها مما أطلق تفرعات وأشكالا مختلفة للعنف السياسي من بينها وأبرزها الفكر التكفيري. ولعل ربط الإرهاب بالظلم والفقر واحدة من تلك التبريرات لانتشار ثقافة التكفير، والفكرة كلها تدور حول قضية العدالة الاجتماعية التي أفردت لها مقالات كثيرة باعتبارها من مبررات الإرهاب الواهية، معتبرا أنه أي الإرهاب ليس أكثر من احتجاج مباشر على الظلم والفقر والفساد. ومن أشكال هذا الظلم إطلاق الإحكام النهائية على "التكفيريين" وعزلهم وحصرهم بعبارات من قبيل "الفئة الضالة"، وهذا كفيل بإبعاد هؤلاء لا التقرب منهم ومحاولة كسبهم وإقناعهم وتغيير أفكارهم. الإرهاب إذا وليد تربة خصبة تدعى الاحتلال، ومن هنا تنطلق ثقافته ومبرراته، والأولى بالداعين لتكفير ممارسي العنف، معالجة الأسباب لا النتائج، ومحاربة الاحتلال أولا ثم احتواء المحتلين واستيعابهم المصدر : العصر