انتشرت الفترة الماضية مهن ضرب بعضها عرض الحائط، وخرجت من مجرد مهن هامشية، لمهن باتت تسيطر على حركة وتعامل أفراد المجتمع، ورغم سعي الحكومة في الحد من هذه المهن وإيجاد حل لها، إلا أن هناك حلقة مفقودة في حل الحكومة ليناسب طرف مزاولي المهنة، ورغم تكرار حملات الإدارة المركزية علي مكان عملهم بسبب شكاوى البعض أو وجود بلاغات، إلا أن هذه المهن ذابت في المجتمع وأصبحت جزءًا لا يتجزأ منه. "المصريون" ترصد بعض هذه المهن وكيف نمت داخل مجتمعنا بشكل ملحوظ: السايس انتقل من مجرد عامل مسئول عن رعاية الحمير والأحصنة بمصر قديمًا، لشخص يرعى سيارات في أماكن الزحام والتكدس ليكون المفهوم الدارج "للسايس" عند المواطنين، هو الشخص الذي يؤجر لك مساحة من الشارع لركن السيارة، لكن غير القانوني في هذه المهنة أن هذه ليست أرض مملوكة للشخص بل هي بوضع اليد، نتيجة سيطرته على المكان. وتحولت من مهنة لتجارة يقودها أباطرة كبار، ونظام كامل للسيطرة وتقسيم الشوارع فيما بينهم داخل الأحياء الكبرى، لتكون حصيلة اليوم آلاف الجنيهات، تعود على أشخاص مجهولين بل وغالبًا بالتنسيق مع مسئولي الأحياء مقابل أجر يتفق عليه. اختار السايس لنفسه أدوات خاصة به، فبمجرد أن تقع عينك على فوطة صفراء وصافرة تشبه التي يستخدمها أفراد المرور، يوجه بها السيارات إلى أماكن الانتظار العشوائية، فأنت أمام شخص سوف يفتح لك باب السيارة قائلاً بابتسامة سمحة: "كل سنة وأنت طيب يا بيه أركن هنا". وحدد السايس أجرته ما بين 5 إلى 20 جنيهًا، طبقًا لنوع الزبون ومستواه المادي والاجتماعي، وذلك وفقًا لنوع السيارة التي يقودها الفرد، ليكون الجديد في الأمر أن هذه المهنة لم تقتصر علي عديمي الشهادات بل حتى خريجي المؤهلات العليا انضمت لهم. التباع أو منادى الميكروباص "أتفضل يا باشا كرسي فاضي وراء"، تخرق آذاننا من شخص نصف جسده داخل سيارة والنصف الآخر في الهواء الطلق، ويصرخ بأعلى صوته عن الجهة التي يذهب إليها السواق، لتبدأ رحلتك مع السواق وتابعه وكأي مهنة لها شروط التحاق والتي تفرق بين تباع وآخر، ومنها القدرة على جذب أكبر عدد من الزبائن وتكديسهم في السيارة، بالإضافة إلى مدى ارتفع صوته، جمع الأجرة، والغناء للترفيه ولكل تباع طريقته. ولكن لا يمكن الخلط بين التباع و"الكمسري" الملازم لسواق النقل العام الحكومي، فهى ليست بالمهنة المتعدية على القانون ولكنها ظهرت وكثرت في الآونة الأخيرة بين المواصلات العامة. جامع إتاوة الأجرة مهنة تشبه في روتينها عمال المداخل بين المحافظات، ولكن الفارق بينهم أن أصحاب المهنة يتواجدون في مواقف انتظار الميكروباص ويعملون بشكل غير قانوني وبدون مراقب والغريب أن الدولة تتركهم يفرضون قوتهم وسيطرتهم علي أماكن حيوية كهذه. يتسم مزاولو هذه المهنة بملامح القوة، لتحقيق مهمتهم والتي تتمثل في جمع المال من السائقين بعد عدد معين من تحميل الركاب وتوصيلهم، وتتراوح الإتاوة بين جنيه واحد إلى ثلاثة جنيهات. البائع المتجول هو الذى يحمل سلعة ما ويسعى لبيعها، في كل مكان متاح أو من ناحية أخرى يتمركز في ميدان أو سوق أمام محال تجارية أخرى، ليتجمع حوله المواطنين عن طريق هتافه بعبارات حسنة تجذبهم, كما تختلف المستويات التعليمية لهؤلاء (فتجد من يحرم على نفسه نعمة التفكير عند الحديث مع المواطنين) وصولًا إلى أصحاب المؤهلات العليا. حاولت الدولة الحد من ضجيج انتشار الباعة في كل مكان عن طريق جمعهم بسوق واحد وعمل أكشاك مقننة من الأحياء، وعلى سبيل المثال ما حدث مع الباعة الجائلين في ميدان رمسيس بنقلهم إلى سوق جديد بأحمد حلمي وباعة منطقة الإسعاف وطلعت حرب وقصر النيل إلى موقف الترجمان. السمسار عرف المعجم الوسيط في اللغة العربية المعاصرة كلمة سِمسار, هو وسيط مهمته إيجاد الصلة بين الأشخاص المستعدين للبيع والأشخاص الراغبين في الشراء، ثم العمل على تحقيق غرضهم, تجد المهنة في كل مجالات المجتمع في العقارات, البورصة, بيع السلع, الأراضي, وبيع عقود التأمين. وبانتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية في مصر وخاصة في نواحي شمال الدلتا والمحافظات المطلة على البحر المتوسط كالإسكندرية ومرسى مطروح تخصص سماسرة تجمع الأموال من المواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج خاصة إلى ليبيا وإيطاليا, ويتفق السمسار مع صاحب مراكب كبيرة لتنقل المهاجرين عبر البحر، ما يدفع هؤلاء في أغلب الأوقات حياتهم غرقًا من أجل هذه النشوة. ووصل الأمر بالسماسرة إلى التجارة في البشر من خلال عملية بيع وشراء أعضاء الجسد, بل وفى المقابر وجد بعض الناس يتوسطون في بيع رفات الموتى لطلبة الطب وأقسام التشريح. سن السكاكين مهنة باتت أن تنقرض ويختفي أثرها، توجد في ورش بعضها مرخصة، لكن الأغلب يعمل بها بدون ترخيص يتجولون في الشوارع ويهتفون جملتهم المشهورة "أسن السكين.. وأسن المقص". يعرض صاحب المهنة إعادة إحماء السكاكين والمقصات وخلافه على المواطنين، سواء كانت سكاكين الاستعمالات المنزلية، أو السكاكين التي تستخدم كأدوات في محلات البقالة والجزارة وما شابه. وهذه المهنة تظل مندثرة طيلة العام وتنتعش في المواسم، خاصة بعيد الأضحى لذبح الأضحية وما يلزمه من سنّ السكاكين والسواطير. وأما عن أسعار السن، يتراوح سعر سن السكين أو الساطور ما بين 3 إلى 5 جنيهات للواحدة وفقا لحالة الزبون ومظهره، وكانت الفئة الأكثر إقبالا على "سن السكاكين" ربات البيوت قديمًا، أما الآن أصبح أكثر المقبلين من أصحاب محلات الجزارة.